عندما النور تدلى كالسجوف
ورمت ذراته قلب الظلام
وعرا البدر اكمداد كالخسوف
ونسيم الفجر نادي للقيام
نهض السائح يعدو للسفر
ونيسان نشاط وجمال
ليس يحكيه سوى عصر الشباب
وسهول الدرب مع تلك التلال
اصبحت من نبتها تحت نقاب
لم يدر في وشيه فكر بشر
فجرى صاحبنا دون الخبب
حائرا من حسن هاتيك النقوش
قال ما هذا أدر أم ذهب
أم لأل نثرت فوق عروش
أم نجوم أم ندى مثل المطر
وهو بينا يقطع السهل الفسيح
قد حكى بحرا تبدت خضرته
نفحت ريح بها ارواح شيح
ماج منها النبت تزهو نضرته
فهو موج النبت يجلى للبصر
وعلى تلك الربى النور استبان
بعد ما اردية الليل انطوت
مذ عروس الكون بل حسن الزمان
ربة النور على العرش استوت
وغدت تسحب أذيال الخفر
عند هذا الأرض ضجت بالدعاء
لمجالي حسنها فعل شكور
وغدت ناشرة نحو العلاء
من بخار الماء ما يحكي البخور
وتلت ازهارها الحمد سور
وهو طورا يرتقي بعض الفلل
ثم يطوي تارة بعض البطاح
ويرى حينا رسوما من طلل
فتناجيه بالفاظ فصاح
فيرى في نفسه بعض الضجر
قعدا حتى رأى بين النبات
مثل برق خاله نور قبس
وتلاه صيحة كالقاصفات
احفل الفارس منها والفرس
اسفرت عن سرب طير قد نفر
وبدا عفرين في واد خصيب
ساكنا بحسب من سرعته
مثل مرآة لها ضوء عجيب
هزها في الشمس من فزعته
سارق مستتر بين الشجر
ورأى للشمس في كبد السما
لفح قيظ لم يخله ممكنا
قال هذا أول العمق فما
ذا يكون الحال في الصيف هنا
وإلى ناحية النهى انحدر
فإذا في جانب الماء مبيت
قد غدا نزلا لابناء السبيل
قال من فيه بقل فهو بخيت
ثم قاد للطرف يأتم المقيل
فيه حينا بعدما الجسر عبر
حينما هبت نسيمات المسا
وتلاشت سورة الحر العظيم
وتردى الكون اثواب الاسى
لفراق الشمس والبعد أليم
وحكت إذ غربت وجه القمر
ظهر البدر له وجه كئيب
من محل الشمس إبان الشروق
فحكاها إذ حكنه في المغيب
كمغر وله قلب خفوق
وتلاه كل نجم إذ سفر
فعلت وجه النبات الاخضر
صفرة من نورها المنعكس
وعلى العمق الفسيح المقتفر
ساد سلطان سكون الغلس
فامتطى صاحبنا المهر الأغر
وبدا الأفق له مد البصر
قد حكى روضا بلون ازرق
زهره من كل نجم قد زهر
جل ان ينبت بين الورق
أو يدانيه ذبول أو غير
أو كبحر مذ صفا الماء به
ملأته الجاريات السابحات
ورأين البدر في مركبه
فتوارين حياء مرسلات
اثر الغطس رشاشا من شرر
قال هل هذي مصابيح الدجى
أم دنانير على وجه الرقيع
أم كرات حيرت أهل الحجى
أم دنى دارت بترتيب بديع
وكدنيانا بها خلق بشر
وهل القوم بها قد علموا
أي أرض إرضنا في الكائنات
أم تراه مثلنا قد رجموا
بوجود الخلق في ذي النيرات
وابتغوا ان يكشفوا عما استتر
ورأى في اسفل الغور دخان
وتلاه نبح كلب من بعي
وجرت في الفه ريح المكان
نافح كبريتها نفحا شديد
فدرى أن في قرى الحمام قر
بعد هذا قد احس المهر خاض
ماء نهر ما له صوت خرير
فاجتلاه فإذا ثم حياض
جمعت من ذلك الماء الغزير
ليس حوليها نبات أو شجر
فرى والبدر في الأفق اعتدل
يتخطى جدولا بعد فلج
وهو من حين لحين لم يزل
يتعدى ربوة منذ الدلج
تلك برجا جعلت فيما غير
ونجاه العين طيات اللكام
قد بدت تحكي ركاما من غيوم
بعضها قد غاص في لج الظلام
ثم بعض كان في النور يعوم
ذاك نور البدر أو نور السحر
وتراءى بعد ذا السفح له
ثم اشباح رعاة وغنم
وصياح الديك قد اعجله
لبلوغ الحان إذ كان جزم
ان يريح الجسم من بعد السهر
ما الذي العيش عيش المرء في
بقعة قد جمعت كل الجمال
من جبال ماءها من قرقف
ومروج ورياض ودغال
وإذا اشتى إلى واد نفر
ونعيجات له من سمنها
ولباها خير مطعوم مقيت
ودجاجات يرى في كنها
كل يوم طارف البيض شتيت
وإذا ما شاقه اللحم نحر
ونباتات له في زرعها
بغية العامل للري الصريح
وله من بعد ذا في قطعها
لذة الآكل ذي الجسم الصحيح
ناعم البال خليا من كدر
لا يرى أبان ما سار حسود
يظهر الود على بغض كمين
أو لئيم الطبع مكارا كنود
يتحامى شره في كل حين
أو عدوا أو كذوبا محتقر
أو جهولا ساحبا ذيل الغرور
يحسب الدنيا له قد خلقت
يتباهى بفاد وفجور
زاعما قريته قد رزقت
من ذكا افكاره علم البشر
أو نظام الشمس مملوكا رقيق
ما له شغل سوى خدمته
فهي لا تطلع الا إذ يفيق
والدراري قمن في رقدته
سرجا تطفا إذا الصبح انفجر
أو كأن الكهربا قد قدحت
عن بريق لاح من ضوء سناه
وتمنى ايدسن لو سنحت
لسما ارآئه فيما تاه
خطرات منه مرت بالفكر
أو علوم الطب نالت كلما
يتمنى من شفاء العلل
مذ حباها من نداه بعض ما
يرتئيه من مصول الحيل
وغدا السل حديثا أو عبر
أو كأن الجذب قد أفضى إلى
علمه بالسر دون العالمين
أو كأن الكيميا وقف على
حدسه إذ حل لغز الأقدمين
فأحال الصفر تبرا مختبر
أو كأن البدر من طلعته
قد غدا مكتسبا بعض الجمال
أو كأن الشمس عن قدرته
اصبحت قائمة في ذا الجلال
والنجوم امتثلت ما قد أمر
أين حال القانع الساكن في
وبذاك الوصف منه يكنفي
زاهدا في المال والجاه العريض
من حريص ساكن بين الحضر
وله من ذا الهوا مطلقه
ومن الطير منن ونديم
ومن الماء له ريقه
ومن الوحش انيس وحميم
ومن الاشجار جار قد خفر
ليس من باغ ولا عاد ولا
عائث في رزقه أنى ذهب
وإذا ما مل احيانا تلا
في كتاب الكون ما يولي الطربق
واغتنى عن كل اصناف البشر
عندما قد ايقظت شمس الضحى
بطل الرحلة من رقدته
شاهد السفح رياضا والهنا
يخدم القاطن في وحدته
وخرير الماء للهم زجر
فمضى يذكر بيتا زانه
فيلسوف الشعر في ماضي الزمان
آدم سن لكم عصيانه
فنأيتم مثله عن ذي الجنان
يا بنيه وبكم حل القدر
وجرى ممتطيا سرج السبوح
وهو برقى في إكام وهضاب
تارة للعين تبدو أو تلوح
قمة تنطح اكناف السحاب
ثم تخفى لا يرى منها أثر
ويرى أودية إن شامها
سيد الطير تولاه الهلع
أنبتت اجامها أهرامها
وجرى الماء إليها واندفع
غير هياب عظيما فانكسر
ثم القى نظرة فوق السهول
فرأى العمق كبسط أو رقاع
الف شكل هندسي باصول
خطه المحراث في تلك البقاع
عاد اقليدس عنه في حصر
وجرى في فكره ما قد جرى
من دم الإنسان في تلك الوهاد
ثم أغفى لحظة فيها سرى
طيف من طبق أطراف البلاد
حاكم الشهباء فيما قد غبر
ذاك سيف الدولة القرم المجيد
افعم العمق بمهراق الدماء
كم له من وقعة كان يجيد
وصفها قائد جيش الشعراء
متنبي الشرق بل رب الغرر
ورأى من خلفه دارا يسير
بجيوش ملأت تلك الجهات
يحسب النصر مع الجمع الكبير
لم يدر في فكره ان الثبات
وصواب الرأي عنوان الظفر
ثم كانت لفتة منه إلى
اشمل الشاهق من تلك الجبال
فرأى رب الفتوحات اعتلى
قلة في عسكر صلب النزال
يخدع الفرس بتدبير بهر
قال ذو القرنين يا قوم اثبتوا
لا تهولنّكم كثرتهم
سوف تلقونهم قد كبتوا
ليس تغني عنهم عدتهم
لا ولا يرهب الا من قدر
غر دارا قلة الاعداء في
ذلك المعقل فاختار الهجوم
صلف الإنسان بدء التلف
مستخف الضد مذموم ملوم
وفطير الرأي محروم الوطر
مذ رأى اليونان من تلك الجبال
فيلق الفرس ثصدي للصعود
رشقوه بحجار ونبال
فبدا الرعب بهانيك الجنود
وفريق بفريق قد عثر
ثم قام الهرج واشتد الجلاد
وعلا العج إلى السبع الطباق
وملا النقع الفيافي والنجاد
ومجال الدفع بين الفرس ضاق
فرأوا ادبارهم رأس الحذر
وتلا دارا علامات الفشل
في عيون ونفوس خائره
ودرى الوابل من بعد الوشل
وعليه ستدور الدائره
فتولى هاربا مما حزر
فأقام الويل في تلك الجيوش
هول أثار بها تشجى العيون
منظرا قد فرقت منه الوحوش
وغدا عارا على مر القرن
يرسم الإنسان في شر الصور
جثث القتلى على ذاك الصعيد
سترت نضرة ذياك النبات
كل ذي روح غدا مثل الحصيد
وتساوى الكل في شرع الممات
ودم المخلوق كالماء انهمر
ومضى من ثم ذاك السائح
يترقى في معاريج الجبل
تارة يشجيه طير صادح
ثم يستوقفه هدر جمل
أو نعيق أو غزال قد نفر
ورأى إذ كان في بعض الهضاب
غابة قد اشبهت صرحا بديع
بسقت ادواحها حتى السحاب
وجلت افنانها سقفا رفيع
بعقود تزدري عقد الحجر
أذلت للشمس فيه بالدخول
وأحلت للهوا فيه المسير
وبه عين لها شرح يطول
وعلى اغصانه القمر تطير
وهي تشدو حمد من فاق الفكر
قال هذي جنة قد حجبت
عن عيون الأنس من يضع دهور
غرستها يد مولى كتبت
قد جعلناها مقاما للطيور
فهي لم تأثم ولم تدر الضرر
أين من هذي قصور الأمرا
وبيوت الناس في كل البلاد
خيم الشر بها لما سرى
كل مكر في حماها وفاد
تلك والحق لقد أمست سقر
ليتني قد كنت عصفورا ولي
نصف وكر في أعالي الشجر
ليس لي غير استماع البلبل
واشتقالي بلذيذ الثمر
عن سماع الافك أو شيء أمر
ورأى الشمس إلى الغرب هوت
فاغز السير في تلك القسم
يتملى كل حسن قد حوت
وهو يرقى علما بعد علم
لبلوغ القصد من هذا السفر
فإذا بالبحر قد بان له
ما له في الأرض من شبه عظيم
وباقصاه بدا ما هاله
إذ رأى الشمس لها وجه سقيم
تستغيث الخلق في دفع الخطر
ورأها هبطت فوق العياب
مثل عصفور أمام الأفعوان
ثم عج الموت يعلو كالهضاب
لابتلاع الشمس في بضع ثوان
يا لبركان ببحر قد فغر
قسطاكي بن يوسف بن بطرس بن يوسف بن ميخائيل الحمصي. شاعر، من الكتّاب النقّاد. من أهل حلب، مولداً ووفاة. أصله من حمص، هاجر أحد جدوده (الخوري إبراهيم مسعد) إلى حلب ...