الديوان » العصر الأندلسي » الأرجاني » بعد الصباح الذي ودعتكم فيه

عدد الابيات : 62

طباعة

بعد الصّباحِ الّذي ودَّعتُكُم فيهِ

لم أَلْقَ للدَّهْرِ صُبْحاً في لَياليهِ

قد كان أَوَّلَ صُبْحٍ بعْدَ عَهْدِكمُ

مضَى ولم تَكْتَحلْ عَيْني بثانيه

فالدَّهرُ بعْدَكمُ لَيْلٌ أُلابِسُه

والعَيشُ دُونكمُ هَمٌّ أُقاسيه

قد كِدْتُ أخْتِمُ طَرْفي وَحْشةً لكُمُ

عن كلِّ خَلْقٍ من الدُّنْيا أُلاقيه

لكنّما يتَلقّاني خيالُكمُ

في النّاسِ من كُلِّ مَنْ باللّحْظِ أَرميه

قد صَوَّر الوهْمُ في عَيْني مِثالَكمُ

من طُول ما أَنا بالذِّكْرَى أُراعيه

فكُلُّ ناظرِ إنسانٍ أُقابلُه

أَرَى خيالَكُمُ من ناظري فيه

يَلومني في هوى الأحبابِ كُلُّ فتىً

سَهْمُ الصّبابةِ يُصْميني ويُخْطيه

يَعيبُني في الهوَى بَغْياً ويَعذُلني

وإنَّما يَبْتليني مَنْ يُعافيه

تَكْليفُك الصّبَّ صَبْراً عن أَحِبّته

قولٌ يُعنّيهِ فيما ليس يَعْنيه

أَقِلَّ من عذَلٍ تَلْقَى المشَوقَ بهِ

فقَلبُه بسهامِ اللّوْمِ تَرْميه

والمرءُ مثْلُ نفوذِ السّهْمِ من يَدِه

إلى القلوبِ نُفوذُ السّهْمِ مِن فِيه

دَعْ عنك قلبي فإنَّ الحُبَّ آمِرُه

أَضعافَ ما أَنت بالتّثْريبِ ناهيه

إنّي لأشكرُ إلْفي في تَباعُدهِ

وطالما كنتُ أَشكو في تَدانيه

إذا أَعَلَّنيَ الأشواقُ عَلّلَني

منه خيالٌ يُسرّي الهَمَّ ساريه

يُزهَى على البُعدِ طَرْفي حينَ يَطْرُقه

من عندِ أَحبابهِ طَيْفٌ يُوافيه

كما زهَتْ أَصفهانٌ إذْ ألَمَّ بها

مُؤيّدُ المُلْكِ فاهتزَّتْ من التيه

كعارضِ يَسْبِقُ الإيماضَ وابلُهُ

إذا تَعرّضَ للمعروف راجيه

ويَكْشِفُ الهَوْلَ في الهَيْجا إذا شَرَعتْ

يَمينُهُ ماضياً فيها يَمانيه

ماضٍ على سَنَنِ التحقيقِ يَنْصُرُه

فلا يُرَى عنده سُوقٌ لِتَمْويه

في كَفِّه قَلمٌ تَلْقاهُ مُنْصَلتاً

يَجْري القَضاءُ مُجدّاً في مَجاريه

إذا انْثنَى ساجِداً نحْوَ الكتابِ له

يوماً فلا مَلِكٌ إلاّ ويَحكيه

وإنْ بدا غائصاً في بَحْرِ أنْمُله

ألْقَى إلى الطِّرْسِ من أسْنَى لآليه

يا مَنْ تَوحَّدَ في الدُّنْيا برُتْبتِه

منَ الجَلالِ فلا خُلْقٌ مُدانيه

سِواكَ مَنْ باتَ حَرْبُ الدَّهرِ تُقْلقُه

إذا دهَتْه وسِلْمُ الدّهرِ يُطْغيه

أنت الّذي لم يَنَلْ نَقْصاً بعُطْلَتِه

من حيثُ ما زادَهُ فَخْراً تَحلِّيه

فمَنْ يُبلِّغُها السُّلطانَ مَاْلُكَةً

يَسْعى بها مِن مَواليه مُواليه

بحيثُ يَعْقِدُ منه تاجَهُ قَسَماً

يَظلُّ في الصِّدقِ خافيهِ كباديه

لأنتَ حقّقْتَ من تَثْبيتِ دَوْلتِه

ما لم تكُنْ تَقْدِرُ الأحلامُ تَحْكيه

ما المُلْكُ يَومئذٍ لولا مؤيدهُ

إلاّ بعُرْضةِ مَن قد جاء يَبْغيه

غابٌ أُصيبَ أبو شِبلَيْهِ فاخْتلَفا

فاستأْسدَ الذّئبُ حتّى كادَ يأْويه

فلو تأخَّر عن تأييدهِ نَفَساً

لكان مِن ذاك ما أعْيا تَلافيه

برأيهِ قام يَحْميهِ ورايته

وكان عاليه أمضَى مِنْ عَواليه

حتّى إذا تَمَّ الفَتْحُ من يَدِه

للمُلْكِ أصْغَى إلى ما قالَ واشيه

وكان كالمُنتضي للحَرْبِ صارِمَه

فإذْ تقَضَّتْ رأى إغْمادَ ماضيه

إنْ نَفَّذوا دونَه أَمراً فلا عَجَبٌ

مَنْ يُعْملُ السّيفَ حيثُ السَّوطُ يَكْفيه

هذا زَمانٌ على ما فيه مِن كَدَرٍ

يَحكي انْقِلابُ لَياليه بأهْليه

غديرَ ماءٍ تَراءى في أسافِلِه

خَيالُ قَومٍ قيام في أعاليه

فالرِّجْلُ تُبصَرُ مَرْفوعاً أَخامِصُها

والرّأسُ يُوجَدُ مَنْكوساً نَواصيه

هذا على أنّ أَمراً غيْرَ مُحتَسَبٍ

كأنّنا بكَ في ذا الدَّهْرِ تُبديه

صابِرْ زمانَكَ تَعْبُرْ عنكَ شِدَّتُه

وأَمهلِ الرَّنْقَ يَخْلُصْ منه صافيه

فاللّيلُ إنْ أَنت لم تَعجَلْ وإنْ مطَلَتْ

ظَلْماؤه فلَهُ صُبْحٌ يُجلِّيه

لو أَمكنَ الدّهرَ أَن يَبقَى على نَسَقٍ

ما زال باديه حتّى جاءَ تاليه

فانْهَضْ إلى الأملِ المطلوبِ مُعْتزماً

نُهوضُ مثْلك يَقْرُبْ منكَ قاصيه

ولا تَقولَنَّ إنَّ الدَّهرَ مُضْطَرِبٌ

فكيف فيه بمَقْصودٍ يُسَوّيه

فالقوسُ مُذْ لم تزَلْ في خَلْقِها عِوَجٌ

والسَّهْمُ يَمضي سديداً في مَراميه

يأبَى ضِياءُ شهابِ الدّينِ حينَ بدا

ألا يُضيءَ سَبيلَ الرُّشْدِ هَاديه

وإنّما هو نُورُ اللهِ يُشْعِلُه

أنَّى بأفواهها الحُسّادُ تُطْفِيه

فِدىً عِداهُ لعَلْياهُ وقَلَّ له

كلُّ البَرِيَّةِ طُرّاً لو تُفَدِّيه

سَعْوا على مَجْدِه من كُلِّ ذي حَسَدٍ

يَظلُّ يَنْشُرهُ بَغْياً ويَطْويه

ما كان يَخفَى عليه اليومَ مَوْضِعُه

لو كان بالأمسِ أمضَى العزْمَ مُمْضيه

إنْ كان في الدَّهْرِ خَوْفٌ من تَقلُّبِه

فما لذي الحَزْمِ يُغْضي عَن أعاديه

وإنّما مَثَلُ الباغي وصاحبِه

كالنّارِ والشّمْعِ يُبْقيها لِتُفْنيه

بَقِيتَ يا ابْنَ نظامِ المُلْكِ تَخْلُفُه

في مَجْدِه ومَعاليه فتُحيِيه

ودُمْتَ والإخوةُ الزُّهْرُ الكرامُ معاً

كالبَدْرِ والشُّهْبِ يَعْنيها وتَعْنيه

في طُولِ عُمْرٍ لكمْ مُدَّتْ أواخِرُه

وظلِّ مُلْكٍ بكمْ شُدَّتْ أواخيه

ولا عدا المَرقَد المَسْعود سَاكِنُه

وَفْدٌ من المَلأ الأعلَى يُحَييه

يَأْتيهِ من صلَواتِ اللهِ في مَدَدٍ

تَتْلو رَوائحَهُ منها غَواديه

أصبحتُمُ دَوحة المجدِ الّتي شَرُفَتْ

حقيقةً لا بتَمْثيلٍ وتَشْبيه

أنتمْ فُروعٌ سَما في الأُفْقِ ناضرها

وذاكَ أصْلٌ رَسا في التُّرْبِ زاكيه

فَدُمْتُمُ بَعْدَهُ تُوجَدْ مَكارِمُه

مَدى الزّمانِ ولا تُفْقَدْ مَعاليه

حتّى يكونَ أبوكمْ آيةً نُسِخَتْ

لَفْظاً وما نُسِجَتْ منه معانيه

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن الأرجاني

avatar

الأرجاني حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-alarjani@

315

قصيدة

2

الاقتباسات

123

متابعين

أحمد بن محمد بن الحسين، أبو بكر، ناصح الدين، الأرجاني. شاعر، في شعره رقة وحكمة. ولي القضاء بتستر وعسكر مكرم وكان في صبه بالمدرسة النظامية بأصبهان. جمع ابنه بعض شعره في ...

المزيد عن الأرجاني

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة