الديوان » العصر الأندلسي » الأرجاني » من حسن عهد للخليط المنجد

عدد الابيات : 106

طباعة

من حُسنِ عهدٍ للخليطِ المُنْجد

ألا يَضُنَّ بوقْفةٍ في المَعْهَدِ

ناشَدْتكمْ إلا قَصْرتمُ ساعةً

فَضْلَ الأزمّةِ عند بُرْقةِ مُنْشِد

أما مُسعِدٌ فيكم فهل من مُغْرمٍ

أو مُغْرَمٌ فيكم فهل من مُسْعِد

ربْعٌ وقَفْتُ أرى وجوهَ أحِبّتي

فيه بعَيْنَيْ ذِكْريَ المُتَجَدّد

رفَع الهوى للعينِ فيه شُخوصَهم

سَقْياً له من آهِلٍ مُتأبِّد

من كلِّ ظاعنةٍ أقامَ خيالُها

ومضَتْ تَروحُ بها الرِكابُ وتغتَدي

بَعُدتْ وخيَّم طيفُها في ناظري

من بعدها فكأنّها لم تَبْعُد

لمّا سَبقْتُ إلى الحمى وتَلاحَقُوا

صَحْبِي وهل لأسيرِ حُبٍّ مُفْتد

وقَفوا فكُلٌّ حَطّ فيه لثامَه

للصّبِ عن فَمِ عاذِلٍ ومُفَنّد

لِمَعاجِ نِضْوٍ في مَحل داثرٍ

ومَجلِّ طَرْفٍ في رسومٍ هُمّد

عَطِرٌ ثَراهُ على تَطاوُل عَهْده

بَمَجّرِ أذيالِ الحِسانِ الخُرَد

فلأتْرُكَنّ الجفْنَ فيه ماطراً

ما بين مُبرِقِ عُذّلِي والمُرعِد

ومُسهَّدٍ قال النّجومُ لطَرْفِه

هي عُقْبةٌ بيني وبينَك فارصُد

كم قد سَهِرْتُ وقَد رَقَدْتَ ليالياً

والآنَ قد أَعيَيْتُ فاسهر أرقُد

وعَدُوا الرّحيل غداً وليس بقاتلي

إلا وَفاؤهمُ بذاكَ المَوعِد

ونَوى الصّباحُ نوىً فقلتُ لقد دنا

يا ليلُ إسفارُ الصّباح فأمدِد

كم طُلْتِ لي فَذُمِمِت في زمنِ النّوى

يا ليلتي فالآن طُولي تُحْمَدي

تَدْري المليحةُ كم لنا في جِيدِها

بينَ القلائدِ من دَمٍ مُتَقلَّد

طاهَرْتِ بينَ طوائلٍ وطوائلٍ

وظَهرْتِ منها في حُلىً لم تُعْهَد

أفذاكِ جيدٌ من هِزَبْرٍ أغلب

يُجْليَ لنا أم من غَزالٍ أغيد

ودليلُ فَرسِكِ أن أشَرتِ بأنمُلٍ

مَخْضوبةٍ أظفارُها من أكْبُد

والحِبُّ إنْ يَغدِرْ بجارٍ لا يَخَفْ

عاراً وإن يقُتلْ قتيلاً لا يَد

ومَنِ امتطى ظَهْرَ الزّمانِ جَرَتْ به

غُلوَاءُ طاغٍ للعنانِ مُقلَّد

فارْبطْ له جأْشَ الصَبور لرَيْبه

ثَبْتاً وأمْهِلْ كُلَّ ريحٍ تَرْكُد

فالطّودُ يَهزأُ بالعواصف كلمّا

لَعِبتْ بخُوطِ البانةِ المُتأود

فانْهَدْ لقاصيةِ المَرامِ ولا تَقُلْ

حَصِراً إذا قامَ الحوادثُ فاقْعُد

واكنِزْ مَودّاتِ الكرامِ ذخيرةً

ولربّما طَنّتْ زُيوفٌ فانْقُد

وإذا أُتيحَ وللجُدودِ مَواهبٌ

لكَ من خلالِ الدّهر صُحبةُ أمجَد

فَرْدٍ يَسُدُّ مكانَ ألفٍ نَجْدةً

فبِخِنْصِرَيْكَ معاً عليه فاعْقِد

ولأرْيحيّات الشّبابِ وعَصْرِه

فُرَصٌ إذا هي أقبلَتْ فكأنْ قد

فأصِخْ لداعيةِ التّصابي عندَها

وعنِ النّصيحِ لخَرْقِ سَمْعكَ فاسْدُد

واقْرِ الهمومَ إذا طَرقْنك طَرْدها

لم يُقْرَ ضَيفُ الهمّ إن لم يُطْرَد

أما الزّمانُ فقد تَجدّدَ آنفاً

فإنِ استطعْتَ تَشبُّهاً فَتجَدّد

أهدَى الرّبيعُ لكلِّ قلبٍ طَرْبةً

وصبَا بِكلِّ صَرورةٍ مُتعبّد

فالروضُ مُفتَرُّ المباسمِ ما بِه

شَكْوى سوى نَفَسِ الصَّبا المُتَردِّد

والطّيرُ تَنطِقُ وَسْطَه بلُغاتِها

من كلِّ مِطْرابِ العَشِّي مُغَرِّد

يَدْعون والقُمْرِى يَخطُب بينها

غَلقاً بسَجْعٍ لا يَمَلُّ مُردَّد

يَعلو ذُؤابةَ منْبرٍ أَعوادُه

لِسوى خطابةِ ذاكَ لم تَتَعَوّد

ويُريكَ أعْلى الكِتْفِ وهْو مُزَيَّنٌ

منه بلَفّةِ طيلسانٍ أسْود

وكأنّما سادَ الطيورَ بأنْ غَدا

يَدعو لعَصْرِ القائمِ المُستَرشِد

وإذا نَظْرتَ إلى الحقائقِ لم تَجِدْ

ذا مَنْطقٍ لزمانه لم يَحْمَد

ما نِيطَ بعدَ الراشِدينَ خلافةٌ

يوماً بأهْدى منه قَطٌ وأرْشَد

مُستَرشدٌ باللهِ يُرشِدُ خَلْقَهُ

بضياء رأى في الخطوبِ مُسدَّد

ملأ الزّمانَ عُلا سوى ما حازَهُ

إرْثاً من المُستَظهِرِ بْنِ المُقْتَدى

فاقَ الجُدودَ وزانَهم فطريفُه

غُرَرٌ بها انتَقَبتْ جِباهُ المُتْلَد

مَلِكٌ رَبوبِيُّ الجَلالِ تَحفُّه

أنوارُ عُلْوِيِّ الخِلالِ مُؤَيَّد

ولذاكَ لمّا أن تَجلّى للعِدا

صَعِقوا بأوّلِ لَمْعةٍ لمُهَنّد

فأعادَ كلَّ شهابِ رُمْح واقِدٍ

أرْدَى شياطيناً ولمّا يَخْمُد

ما كان مَتْنُ الأرضِ يَثْبُتُ عندَها

لو قال ثانيةً لوَطْأتِه اشْدُدِي

إحدى عظيماتِ الزّمانِ مُلِمّةٌ

ذِيدَتْ عنِ الإسلام بعدَ تَوَرُّد

رفَع الحِجابَ لها الخليفةُ رفْعةً

والسّيفُ لولا سَلُّه لم يُغْمَد

سيفٌ يَدُ اللهِ انتضَتْهُ لدينه

غصباً على عنق العدو المعتدى

إلى الحسام نظرت حين عصبته

تعساً لرأيك أم إلى المتقلد

خَطّافُ هامِ عِداهُ قِدْماً مُغمَداً

فاليوم كيف تراه بعد تجرد

قد سار في جندين جند قبائل

صُبُرٍ وجند للسماء مجنَّد

من حيثُ زارَتْ سودُ أعلامٍ له

دارَتْ ببِيضٍ في الكَريهة حُشَّد

كالعَينِ كيف رَمتْ بطَرْفٍ إنّما

يَعْتادُ أبيضُها اتِّباع الأسْود

مَجْرٍ يَشُدُّ نِقابَهُ وجْهُ الضُّحى

إن جَرَّ فاضِلَ ذيلِه في الفَدْفَد

تبدِي شعارَ الحق فيه سُيوفُهم

من كلِّ أبيضَ بالقِرابِ مُسَوّد

فإذا نَضا عن مَتْنتَيهِ سَوادَهُ

لِيُجِيبَ دَعْوةَ صارخٍ مُستَنْجِد

يَعْتاده خَجَلٌ لذاكَ فما يُرَى

في الرَوْعِ منه الخَدُّ غيرَ مُوَرَّد

ولوِ استَطاعَتْ بِيضُهُ لتَسرْبلَتْ

بِدَمِ العِدا من قَبْلِ خَلْعِ الأغْمد

ومنَ الأعاجيبِ اللّواتي مِثْلُها

من قبلِ عَهْدِ جِلادِه لم يَعْهَد

بِيضٌ منَ الأحداقِ في سودٍ من ال

أجفانِ إنْ تَلْمَحْ رؤوساً تَرْمَد

ملأتْ له الآفاقَ نوراً غُرّةٌ

كالبدر وهْو بجنْحِ لَيلٍ مُرتَد

وغدا الظُّبىَ والهامَ حين عَرفْنَه

مِن رُكّعٍ صَلَتْ إليه وسُجَّد

والشمسُ فرْطُ سَناهُ أرمَدَ عَينَها

فكحَلْنَها أيدي الجيادِ بإثْمِد

غُرٌّ فَوارسُها وأوْجُهها معاً

من كُلِّ مُنْجَردٍ وطِرْفٍ أجْرَد

سَهِرَ العِدا من خَوْفهم فتجَشَّموا

تَصبيحَ أعيُنهم برَشْقٍ مُرْقِد

فكأنّ أسهُمَهم طوائفُ من كرىً

غَشِيَتْ معَ الإصباحِ كُلَّ مُسهَّد

فَهناكَ فَتْحٌ عاجِلٌ قَسَم العِدا

قِسمَيْنِ بينَ مُصَرَّعٍ ومُشَرَّد

لا تُسْمِ حَيَّ عِداكَ حَيّاً خائفاً

بل مُلْحِداً من ثَوْبِه في مُلْحَد

مَيْتاً يُعذَّبُ واللّظَى في قَلْبهِ

إن أنت لم تَرْحَمْ ولم تَتَغمَّد

إن كان غاب الدِّينِ أصحَرَ لَيْثُه

وتَكلَّفَ الأيّامَ ما لم تَعْتَد

فأبانَ عن نابٍ لأكْلُبِ فتنة

لولا مِطالُ الحِلْمِ لم تَستأسِد

وكفىَ خيالٌ في الكرى من خَيلِه

رَمْياً لشَمْلِ لَفيفِهم بتَبَدُّد

فلقد سَنَنْتَ الغَزْو سُنّةَ مَنْ مَضَى

لبنى الهُدَى فشَهِدْتَ أوّلَ مَشْهَد

والأرضُ مُحترقٌ تضاءَل شَخْصُه

لِيُعادَ بَدْرٌ في قُراه كما بُدى

والدّهرُ مُجتازٌ ولا بُدَّ له

في كُلِّ يومٍ من جديد تَزَوُّد

والكُفْرُ كُفْرانُ الإمامِ وسَلّةٌ

بخِلافِه للسّيفِ من مُتَمَرّد

فجزاكَ رَبُكَ يا خليفةَ أحمدٍ

عَمَّا نظَمْتَ به خِلافةَ أحمَدِ

أصبحتَ بالقُرآن فيهم حاكماً

والقومُ أمَسوا بالقُرآنِ بمَرْصَد

وأبَى جَلالُك أن تُؤامِرَ أنجُماً

من غيرِ صُنْعِكَ في مُلمٍّ مُوئد

فبنَيْتَ من نَقْعٍ سماءً مِلْؤها

شُهُبُ الأسنّةِ كالذُّبالِ المُوقَد

شُهُبٌ طَلعْنَ على العَدّوِّ بأنْحُسٍ

قَتّالةٍ وعلى الولِيّ بأسْعُد

أسبَغْتَ ظِلَّ العَدْلِ غيرَ مُقَلَّصٍ

وسقَيْتَ ماءَ الخَفْضِ غيرَ مُصرَّد

وأسَلتْ أوديةَ النّوالِ فلم تَدعْ

لِسوى حَسودِكَ غُلّةً لم تَبْرُد

والأرضُ تَذْكرُ ظَمأتَيْنِ شَكتْهما

في سالفٍ من عَهْدِها ومُجَدِّد

ظّمِئَتْ إلى ماءِ السّماءِ جديبةً

أيامَ أصبَحتِ الخلافةُ في عَدِي

وإلى صَبيبِ دماءِ أعداءِ الهُدى

في عَصْرِكَ التاحَتْ فقلتَ لها رِدي

فمطَرْتَها هاماً متى ماتُحصِها

معَ قَطْرِ ذاك اليومِ تُوفِ وتَزددَ

فَسلِ البسيطةَ أيُّ يَومَيْ سَقْيها

أشفَى إذنْ لِغَليلِها المُتَوقّد

وعلى مناكِبها إذا هي قايَستْ

لأبيكَ أو لكَ حَمْلُ شُكْرٍ أزْيد

يا وارثَ البُرْدِ المُجَرَّرِ ذَيْلُه

في ليلة المِعراجِ فوقَ الفَرقَد

ومُعوِدّاً يَدَهُ التَخَصُّرَ بالّذي

أمسى قَطيعَ مَنِ البُراقُ به حُدي

سَلَبا هُدىُ عَبَقُ النُبوةِ فيهما

من كَفّ خيرِ الأنبياء مُحَمّد

فإذا ادّرَعْتَ بذاكَ ثُمّ هَززْتَ ذا

قَطعْتَ جانحةَ الغَويّ المُلْحد

فافْخَرْ فأيُّ مُدَجَّج من عِصْمةٍ

أصَبحْتَ في حَرْبِ الزّمانِ الأنكد

أبني شَفيع القَطْرِ صِنْوِ أبي شَفي

عِ الحَشْرِ لا زلتُم عِمادَ السؤدَد

مِن أهلِ بيتِ شفاعتَينِ أُعدّتا

لليومِ واحدةٌ وأُخرَى للغَد

هذا ابنُ عَمِّكمُ الذي أضحَتْ له

فُرَجُ الأناملِ مَنْهلاً للوُرَّد

وكذا كَليمُ اللهِ ضربةُ كَفّهِ

بعَصاهُ شَقّتْ أعيُناً في الجَلْمَد

وأبوكُمُ رفَع اليَدينِ بدَعْوةٍ

فجَرى لها الوادي بسَيْلٍ مُزْبد

فَتناسبَ الغاياتُ من آياتهم

كلٌّ غدا ماءً يُصوِّبُ من يد

يا ماجِداً قَرَن الكمالَ بمَجْده

كَرَمَ التُقَى بكريمِ ذاكَ المَحْتِد

المُلك قد أضحى حمىً لك فارْعَه

والأرضُ عادَتْ جَنّةٌ بكَ فاخْلُد

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن الأرجاني

avatar

الأرجاني حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-alarjani@

315

قصيدة

2

الاقتباسات

123

متابعين

أحمد بن محمد بن الحسين، أبو بكر، ناصح الدين، الأرجاني. شاعر، في شعره رقة وحكمة. ولي القضاء بتستر وعسكر مكرم وكان في صبه بالمدرسة النظامية بأصبهان. جمع ابنه بعض شعره في ...

المزيد عن الأرجاني

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة