الديوان » العصر العباسي » ابن الرومي » وقفات رأيك في الخطوب تأمل

عدد الابيات : 112

طباعة

وقفاتُ رأيك في الخطوبِ تأمُّلُ

ونفاذُ عزمِك في الأمورِ توكُّلُ

للَّه درُّك من عِمادِ خِلافة

ماذا تصون بك الملوكُ وتبذلُ

ما زلتَ تَعمِدُ للمخوفِ صيانةً

وتُسلُّ فيه كما يُسلُّ المُنصلُ

فرقَ الشكوك وفي الشكوكِ تلبُّسٌ

جمع الأمورَ وفي الأمور تزيُّلُ

جلبَ المعاشَ وفي المعاشِ تعذُّرٌ

حقَنَ الدماءَ وفي الدماء تبزُّلُ

هنأَ الموفَّقَ أنه حظٌّ له

ظفرتْ يداه به يُطيبُ ويُجزِلُ

كافي المشاهدِ لا يخورُ ولا يَني

ثبتُ السجيّةِ ليسَ فه تغوُّلُ

متسربِلٌ ثوبَ الشبابِ ولم يزلْ

بالحزمِ فيه وبالوقارِ تكهُّلُ

فيه إذا افتُرِضَ البدارُ تسرُّعٌ

وله إذا حُذر العِثار ترسُّلُ

حمَّال أثقالٍ يقومُ بحملِها

كالطَّوْدِ ليس بجانبَيْهِ تخلخُلُ

فليعلمِ الملك المظفَّرُ أنه

ما للسلامةِ ما أقام ترحُّلُ

سُدَّتْ على الخَلَلِ المداخلُ كُلُّها

ولقد يُرى في كل بابٍ يدخُلُ

نِعْمَ الوزيرُ اختارهُ لأُمورهِ

في كل نائبةٍ ونعم المدْخَلُ

رجلٌ له أنَّى وكيف نسبْتَه

في الأكرمينَ تصعُّدٌ وتنزُّلُ

يقظانُ فيه تساقُطٌ وتغافُلٌ

إذْ في سواه تسقُّطٌ وتغفُّلُ

مصقولةٌ أخلاقُه لا تُجتَرى

مشحوذةٌ عزماتُه لا تَنْكلُ

ولّاهما رأياً له ومروءةً

فالرأيُ يُشحذُ والمروءةُ تُصقَلُ

تفدى بآباء البريةِ بلبلاً

وفداهُ بالأبناءِ طُرّاً بلبلُ

وكناهُ بالصقر العُقابِ كنايةً

ولَخَير إخوتك الذكيّ القُلقُلُ

ذاك الذي لا ينقضي معروفُه

إلا بمعروفٍ له لا يَعْطُلُ

ذاك الذي سبق الكرامَ فما لهُم

إلا امتثالٌ خلفه وتمثُّلُ

إنْ قال قالوا ما يقولُ وإن أبى

فضلاً أبَوْه فما عداهُ تثقُّلُ

ولهم إذا نزلوا اليفاعَ تحوّلٌ

عنْه وليس له هناك تحوُّلُ

وترى تبدّله فتحسبُ زينةً

وكأن زينة آخرين تبدُّلُ

وترى تعمُّلهم فتحسبُ هيبةً

وكأن هيبتَه هناك تعمُّلُ

هو جَوْهرٌ والناسُ أعراضٌ وهم

يتبدّلون وليس فه تبدُّلُ

هذا مقالُ الحاسديك برغْمِهم

ولهم من الحسدِ المُمِضّ تململُ

وبنور شمسكَ أبصروكَ فإنها

تجلو عمى الأبصارِ عمّن يُكْحَلُ

ما قرّظوك محبّةً لكنهم

لهمُ بذاك تتوُّجٌ وتكللُ

ومن العجائبِ أن أسائلَ مثلهم

وصفاتُك الحسنى بوصفك تكفُلُ

أنشأْتُ أسألُهم بمثلكِ بعدما

أرجَت بريّاك الرُّبى والأهْجُلُ

فكأنني بسؤالهم متنوِّرٌ

شُعلَ الذُّبالِ وللنهارِ ترحُّلُ

يا من تعرَّفتِ العُفاةُ بجودِهِ

إنّ التشاغُل باللئام تبطُّلُ

إني امرؤ أودى الزمانُ بثروتي

وألحَّ يكلمُني وكفُّك تُدملُ

فشددتُ نحوك أرحُلي مستيقناً

أني امرؤٌ ستُشدُّ نحوي أرحلُ

أرجو لديك تعجُّلاً وتأجُّلاً

ولمرتجيك تعجُّلٌ وتأجُّلُ

فليستمحْكَ فما مطامِعُ نفسِه

حُلُمٌ ألمَّ ولا مُناه تعلُّلُ

وعْدُ المنى وعْدٌ عليك نجاحُهُ

وفلاحُهُ والوعدُ عنك تكفُّلُ

ألفيتُ حاصلَ وعدِ غيرِك خِلفةً

ورأيتُ رفدك قبل وعدك يحصُلُ

مستحمِداً لا تُستذمُّ ومُشرِقاً

لا تدلَهِمُّ ونابهاً لا يخمُلُ

لم تلهُ عن حقّ المليكِ ولم تُضعْ

حقَّ الملوكِ فأيُّ حقّ يبطُلُ

عاونْتَهم ولزمْتَ طاعةَ ربّهم

ففضلْتَ بالحسنى ومثلك يفضلُ

وأحقُّ من دعتِ الملوكُ لأمرِها

مَنْ عندَه عوْنٌ وفيه تبتُّلُ

ممّن يبيتُ مع البراءةِ خاشعاً

للَّه فيه تخوُّفٌ وتوجُّلُ

تتحلَّل الشُبهاتُ في طرقاتِه

وله بأفنيةِ الحذار تظلُّلُ

وسُلوكُ مَنْ طلب البوارَ تخمُّطٌ

وسُلوكُ من طلب النجاة تخلُّلُ

فيمَنْ سواك على الضعاف تحامُلٌ

أبداً وفيك عن الضعاف تحمُّلُ

ولمعشرٍ لا يُنعمون تطاولٌ

ولراحتيك الثَّرتين تطوُّلُ

ولقد نَفيْتَ عن التطوّلِ عيبَهُ

فغدا وأصعبهُ مراماً يسهلُ

ولربّ شيءٍ ذي محاسنَ جمَّة

وله مقابحُ إن أُديم تأمُّلُ

عيبُ التطوّلِ أنه لا واجبٌ

ونراك توجبه وفيك تنصُّلُ

كمَّلْتَ بالإيجاب منه محاسناً

قد كنتُ أحسبُ أنها لا تكمُلُ

وإذا تجمّلَ بالتطوُّل أهلُهُ

فله بما قد زِدْتَ فيه تجمُّلُ

وقرنْتَ بالإيجاب أن صفّيْتَه

من كل إذلالٍ كمن يتنفّلُ

يأبى لك التفضيلُ إلا أن تُرى

وعلى التطوّلِ من يديك تفضلُ

لبروق وجهك في الوجوهِ تهلُّلٌ

ولصوبِ كفك في الأكف تهللُ

وترى نوافلَ ما أتيت فرائضاً

والفرض عند بني الزمان تنفُّلُ

متغافلاً عن ذكر ما أسديْتَهُ

وإذا وعدْتَ فذاكرٌ لا تغفُلُ

متواضعاً أبداً وقدرُك يَعتلي

متضائِلاً أبداً وأمرُك يعبُلُ

فُقْتَ الأنام صنيعة وصنائعاً

لا زلت تستعلي وقِرنك يسفُلُ

فإذا الأماثلُ خايروك صنيعةً

فكأن أيمُنَهم هنالك أشملُ

وفرعْت من شيبانَ ذِروةَ هضَبةٍ

تعلو السحابَ فأي شأنك يضؤُلُ

لمْ لا تلوذ بك الخلافةُ بعدما

أثبتّ مرساها وفيه تزلزلُ

أثبتّ آساسَ البنيّةِ بالصفا

لكنّ أجرافاً لهن تهيُّلُ

فأنمتَ ليلَ الخائفين مكحّلاً

فيه السهادَ وللدُّثور تزمُّلُ

تَرعى وتمثُل في صِلاتِك تارةً

لمن احتباك فخلفُه لك يَمْثُلُ

تغدو وفيك تشددٌ وتودُّدٌ

كالدهرِ فيه توعُّرٌ وتسهُّلُ

وبشيرُ من عاملْتَه ونذيرُهُ

في حالتَيْك تبسُّمٌ وتبسُّلُ

وكأن شخصَك حينَ يعقدُ حبوةً

جبلٌ تخاشَع في ذُراه الأجبُلُ

وإذا وقرْتَ أو اهتَزَزْتَ لصولةٍ

أرسى يلملمُ أو تزعزعَ يذبلُ

وسألتُ عنك الحاسدين فكُلُّهم

قالوا مقالاً ليسَ فيه تقوُّلُ

ذاك الوزيرُ بحقّه وبصدقِه

يُصْفي النصيحةَ للملوك وينخلُ

ذاك المؤمَّلُ للرعاةِ ومن رعوْا

إنْ صحَّ للمُتأملين تأمُّلُ

لا مَطْل فيك لطالبٍ منك الغنى

وإذا طلبتَ فإن شأوَك يمطلُ

وإذا اختُبرتَ فللعُفاة تعوّدٌ

يدعو إليك وللعِداةِ تنكُّلُ

وإذا سُئلْتَ فلا نداك تكلُّفٌ

وإذا مُدِحْتَ فلا ثناك تمحُّلُ

وكأن لهوتَك التي تعطى لُهىً

وكأنَّ سَجلكَ في المعاطِش أسجُلُ

وكأن ذمّتك التي هي عِصمةٌ

ذِمَم الورى وكأنَّ حبلكَ أحبلُ

فمتى دعا المعتافَ نحوك مرةً

فألٌ دَعتني من فعالِك أفْؤُلُ

خُذْها إليك مُقرّةً بمعايِبٍ

ترجو تغمُّدَها لديك وتأمُلُ

وأقلُّ حقّك أن تُرى متجاوزاً

عن شاعرٍ في القولِ منه تهلهُلُ

ما ضره ألا يجيدَ وما لَهُ

بسوى نداكَ إلى جداك توسُّلُ

بل ما عليك من المدائح أُحكِمتْ

أم هُلهلَت في وشي نفسك ترفُلُ

ما قد كستْك يداك مما أسدتا

كافٍ ومدْحُ المادحين تأكُّلُ

من كان يزعمُ طيبَ نشرِك آتياً

مما يقول فذاك منه تنحُّلُ

تتصرّف الأرواحُ كيف تصرّفَتْ

وثراك من مسكٍ حباه قرنفلُ

لم تُذْكِ نشرَكَ في البلادِ مدائحٌ

لِركابِها في الخافِقَيْنِ تقلقلُ

يكفيك نقلُ الشعر ذكركَ إنه

ذكرٌ له بِسدى يديك تنقُّلُ

أغنى العيانُ عن السّماعِ وما يُرى

فهْو اليقين وما يُقال تختُّلُ

بلغتْ مآثرُك البعيدَ فما الذي

نرويه عنك بمدحنا أو تنقلُ

هذا لذاك وإنْ أجاد مُجيدُنا

فلما فعلْتَ عن المقال تمهُّلُ

وبأن أجَدْتَ أجاد مدحاً مادحٌ

قسماً بمدحك ليس عنك تحلُّلُ

لولا البدائعُ من فعالك لم يكن

للمادحين إلى البديعِ تغلغُلُ

أرجو وإن رذُلتْ مدائحُ قُلتُها

أن لا يكونَ لديك مَدْحٌ يرذُلُ

لتخلُّف الشعراءِ عندك رأفةٌ

ولسبق سابقهم لديك تقبُّلُ

فمتى تقدّمَ أو تأخّر شاعرٌ

عن شأوِ صاحبه ففيك تحمُّلُ

ما كلُّ مثلومِ الكلامِ بساقطٍ

قد يُقتَنى سيفٌ وفيه تفلُّلُ

ويقومُ طِرفٌ دون شوطِ رسيله

ويحلّيان حُلىً لهنَّ تصلصلُ

عشقتْك أبكارُ القريض وعُونُه

فغدتْ إليك عواصياً منْ يعذلُ

ورأت لهاك عفاتَها أكفاءها

فغدت هناك عواصياً من يعضلُ

كم من قوافٍ لا يُنالُ وصالُها

قد أصبحت ولها إليك توصُّلُ

باتت معاولها عليك تقاتُلٌ

وغدت إليك لها إليك تقتُّلُ

متغزلات عند أروع ما لَهُ

إلا مع المِدَح الوِضاءِ تغزُّلُ

بل لا تغزُّلَ عند من لِبَنانه

رُفضَ التغزُّلُ بل هناك تبعُّلُ

سأسوء قوماً بامتداحِك همُّهم

في أن تُذَمّ وفي صنيعك يرذُلُ

لهمُ إذا أجملتُ فيك تجمُّلٌ

ولهم إذا فصّلْتُ فيك تفصُّلُ

فاسلمْ لمدحِ المادحين ولا تزل

ذا نائل يُحبَى وكيدٍ يَقْتُلُ

فكِرٌ كمقدار السماءِ إذا انتحى

لم يعصمِ الأوعالَ منه توقُّلُ

ومناصحٌ تعلَى ونبْلٌ يعتلي

وصفائح تعلو وسُمرٌ تَنهلُ

لمُنابذيك ولابن سلمك جنةٌ

لثمارها أبداً عليك تهدُّلُ

أنا من تحلله الزمانُ بتركه

ولمستجيرك بالأمان تجلّلُ

عزْبٌ من النعم الجِسامِ مقدّرٌ

بل أن يقدّرَ لي بهنّ تأهُّلُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن الرومي

avatar

ابن الرومي حساب موثق

العصر العباسي

poet-abn-rumi@

2020

قصيدة

17

الاقتباسات

2139

متابعين

علي ابن العباس بن جريج، أو جورجيس، الرومي، أبو الحسن. شاعر كبير، من طبقة بشار والمتنبي. روميّ الأصل، كان جده من موالي بني العباس. ولد ونشأ ببغداد، ومات فيها مسموماً، ...

المزيد عن ابن الرومي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة