الديوان » السعودية » جاسم الصحيح » سقياك يا والد النهرين

عدد الابيات : 80

طباعة

عَلِّمْ لسانَكَ يُصغي ف(العراقُ) هُنا..

تَبًّا لكُلِّ لسانٍ لم يَكُنْ أُذُنَا!

هنا (العراقُ).. ولولا ماءُ (دجلتِ)هِ

ما كانَ صلصالُ هذا العَالَمِ انْعَجَنَا

هنا (العراقُ).. ويَطْفُو من مَلَاحِمِهِ

دَمُ الخيالِ الذي في خاطري حُقِنَا

هنا (العراقُ).. ويَغْلِي حوضُ أزمنةٍ

بما صَفَا من مآسيها، وما أَسِنَا

هنا (العراقُ).. تَأَمَّلْ في ملامِحِهِ

تَلْقَ الجزيرةَ/مصرَ/الشامَ/واليَمَنَا

خرائطٌ حيثما شَفَّتْ معالمُها

تشابَهَ السِّجنُ والسَّجَّانُ والسُّجَنَا

يا (شهرزادُ) ارقصي، والحالُ واحدةٌ

إذا رقصتِ علينا أو رقصتِ لَنَا

وذَوِّبِي في (الليالي الأَلْفِ) سُكَّرَةً

أخرى، نُحَلِّي بها الآلامَ والمِحَنَا

واحكي فما ثَمَّ آذانٌ وألسنةٌ..

تَبًّا لكلِّ لسانٍ لم يكنْ أُذُنَا!

زِدْ لانتمائِكَ جذراً ف(العراقُ) هُنا

نهرانِ يحتضنانِ البدءَ والزمناَ

زِدْ لانتمائِكَ موسيقَا، يُرَقْرِقُها

ماءُ (الفراتِ) على صدرِ النخيلِ جَنَى

ويا قديماً تجلَّى والمدى عدمٌ

فمَهَّدَ الأرضَ حتَّى أصبحتْ سَكَنَا

مِنْ عَالَمِ القلبِ جاءَتْهُ نُبُوَّتُهُ

تسعَى، فكان على الإلهامِ مُؤْتَمَنَا

واستمطرَ الوحيَ من آفاقِ هاجسةٍ

في خاطر الغيبِ كي يستنبت السُّنَنَا

ومالَ نحو المعاني وَهْيَ صامتةٌ

في لفظِها، فحَبَاها المنطقَ اللَّسِنَا

حتَّى إذا رَتَّبَ الدنيا كخاطرةٍ

عُليا، ووَزَّعَ في أفكارِها المُدُنَا

دعا المشيئةَ أنْ تجري بما حَمَلَتْ

من المقاديرِ إنْ سَعْدًا وإنْ حَزَنَا

ومُذْ أَسَرَّ إليهِ الغيبُ مِحْنَتَهُ

وما يزالُ بسِرِّ الغيبِ مُمْتَحَنَا

هَبَّتْ طواحينُ هذا الدهرِ تطحنُهُ

فآنَسَتْهُ على أسنانِها خَشِنَا

تالله يا والدَ النهرينِ! لو جبلٌ

لاقَى من الدهرِ ما لاقيتَ لانْطَحَنَا

أبا الشراعِ الذي لم يلقَ عاصفةً

إلاَّ وشَدَّ على أكتافِها، الرَّسَنَا

ويا خليفةَ (نوحٍ) في سفينتِهِ

حيث الأمانةُ لاَقَتْ أشرفَ الأُمَنَا

ما زلتَ في قبضةِ (الطوفانِ) منتصباً

والموجُ حولك غولٌ يبلعُ السُّفُنَا

يجتاحُكَ المَدُّ شبلاً في فتوَّتِهِ

وينثني عنكَ شيخاً عَظْمُهُ وَهَنَا

وأنتَ رأسٌ يقيمُ الأنبياءُ بِهِ

ويحملونَ على أكتافِهِ، المِحَنَا

حَسْبُ الرسالات في ليلِ الكفاحِ إذا

صحوتَ أنتَ، و(نَامَتْ أعينُ الجُبَنَا)

يا جبهةَ الغيرةِ السمراءِ ما حَمَلَتْ

غيرَ (الحسينِ) وراحت تطلبُ (الحَسَنَا)

لا زلتَ كبشَ فداءِ الأرضِ، يَذْبَحُهُ

رَبُّ القطيعِ لكي يُرضِي بِهِ وَثَنَا

فكمْ تنازلتَ عن عينيكَ ذاتَ هوًى

وما تنازلتَ عَمَّنْ فيهما سَكَنَا

يأبىَ الوفاءُ إلى الزندِ الأخيرِ بهِ

ألاَّ تكونَ على (العبَّاسِ) مُؤْتَمَنَا

إذا تنازلَ شَعْبٌ عن قصيدتِهِ

هَيِّئْ لهُ السِّدرَ والكافورَ والكَفَنَا

سقياكَ يا والدَ النهرينِ.. بي عطشٌ

للوحيِ ما انفكَّ في نهريكَ مُخْتَزَنَا

أنا أَقَلُّ فَماً من أنْ أضيفَ دَماً

ل(كربلاءَ)، وأُهدي لل(غَرِيِّ) سَنَا

هَبْنِي بحجمكَ قلباً صامدًا صَمَدًا

حتَّى أَلُمَّكَ فيهِ لوعةً وضَنَا

فقد لقيتُكَ في عينِ المها غَزَلاً

وفي عيونِ المنايا أسيفاً وقَنَا

تَجَمْهَرَتْ كلماتي في عبارتِها

صَفًّا توشَّح بالإيقاعِ، واتَّزَنَا

تَحِيَّةً يا إمامَ الماءِ في زمنٍ

غيماتُهُ تُمْطِرُ الأحقادَ والإِحَنَا

فإنْ أتيتُكَ أحلاماً مُسَعَّفَةً

فأنتَ لي خاطرٌ بالنخلةِ اقترنَا

وإنْ تَنَشَّقْتُ من كينونتي عَبَقاً

على رُباكَ فعندي من (أنَ)اكَ (أنَا)

وحيثما استشعرَ الإنسانُ عِزَّتَهُ

لدى المكانِ، فقد ألفَى له وطنَا

أهواكَ يا قاتلاً سِكِّينُهُ وَتَرٌ

لا يعزفُ القتلَ إلا ناعماً لَدِنَا

إني أتيتُ برَفٍّ من ملائكةٍ

مُوَكَّلينَ بما حُمِّلْتُهُ شَجَنَا

وَقَفْتُ قابَ ارتجافٍ منكَ، ملتبساً

بالشوقِ نجماً تدلَّى في دمي ودَنَا

أمدُّ زندي كزند العودِ محتضِناً

صدرَ الجراح التي لم تلقَ مُحْتَضِنَا

فاركضْ بجرحكَ للأنغامِ ناصعةً

بيضاءَ، واعقدْ عليهِ (الشَّاشَ) والقُطُنَا

أعلنتُكَ الحُبَّ حُبًّا لا نليقُ بهِ

كعاشقَيْنِ إذا لم نَرْوِهِ عَلَنَا

اليومَ يولدُ إنسانٌ على شفتي

من النشيدِ الذي في (بابلٍ) وُزِنَا

أتيتُ أنفضُ عن نفسي (معلَّقةً)

من الوصايا فلا رَبْعًا ولا دِمَنَا

دعني أعاتبُ حادي العيس في لغتي:

كم كان أهدرَ في الصحراءِ نهرَ غِنَا!

ولا تسلْ شاعراً عَمَّا قبيلتُهُ

تحيا بميراثِها من شقوةٍ وعَنَا :

جدِّي (الفرزدقُ) لم يبرحْ يطارحُهُ

عمِّي (جريرٌ) سُباباً بائِتاً نَتِنَا

لا تَخْدَعَنَّكَ (أسفارٌ) مُذَهَّبَةٌ

فربَّما تحمل الديدانَ والعَفَنَا

لم ألقَ وجهَكَ في مرآةِ لحظتِهِ..

رَأًيْتُهُ في مرايا أَمْسِهِ سُجِنَا!

أشعلْ ثقابَكَ في الماضي وسيرتِهِ

سِيِّانِ إنْ هَزُلَ الماضي وإنْ سَمُنَا

عَوَّذْتُني بِكَ مِمَّا قد يجيءُ به

سيلُ القبيلةِ في أمواجِهِ فِتَنَا

عندي شكوكُ (سليمانٍ)، فمعذرةً

إذا ذبحتُ برأسي (الهدهدَ) الفَطِنَا

يا أُسْرَةَ الشَّجَنِ العالي، لنا رَحِمٌ

من (الموسيقا)، لنا أَهْلٌ، لنَا.. ولنَا

مشيئةٌ قد تَشَطَّرْنَا مراضعَها

قِدْماً، ولَمَّا نَزَلْ نستنشقُ اللَّبَنَا

وما تزالُ ظلالُ الروحِ واحدةً

من فرط ما بعضنا في بعضنا دُفِنَا

جئنا الحياةَ وهَنْدَسْنَا الفراغَ بها

شُبَّاكَ حُلْمٍ يرشُّ الكائناتِ مُنَى

من أوَّل الحرفِ لم تنعسْ أصابعُنا

على يَدَيْهِ، ولم تستطعمِ الوَسَنَا

وجهُ السماءِ صَفَعْنَاهُ بقهقهةٍ

هُزْءاً بمَنْ أَمْسَكُوا باللهِ مُرْتَهَنَا

وكلَّما اختلَّ نبضُ الكونِ مضطرباً

رُحْنَا نُوَازِنُهُ بالشِّعْرِ فاتَّزَنَا

نعيدُ إنتاجَ هذا الخلقِ، نصنعُهُ

أحلَى، ونمنحُهُ الألوانَ والسِّحَنَا

هنا (العراقُ) الذي ما ثَمَّ قافيةٌ

لم تَتَّخِذْهُ لجِنِيَّاتِها سَكَنا

فيا ندامايَ في هَمٍّ سواسيةٍ

إنْ بوركَ الهمُّ في الدنيا، وإنْ لُعِنَا

رغمَ الجنائزِ فاضَتْ عن مقابرِها

من فرط ما غصَّ جوفُ الأرضِ واحتقنَا

لا تقرأوا سورةَ (الأجداثِ) في وطنٍ

بَنَى المجازَ.. بَنَى المعنى.. بَنَى.. وبَنَى

ما سَوَّسَ اللحمُ إلا سيفَ قاتلِهِ

حتَّى انثنَى السيفُ مخزيًّا ومُمْتَهَنَا

فها هُنا الموتُ أسمَى من فجيعتِهِ

معنًى، وأنصعُ من وجه الحياةِ سَنَى

يا مَنْ رَفَعْنَا أناشيدَ الجلالِ لهُ

فمالَ عطفاً علينا، وانحنَى، وحَنَى

ما زلتَ بالعالمِ الأرضيِّ مفتتناً

مقدارَ ما بِكَ هذا العالمُ افْتُتِنَا

تُزَوِّجُ الأرضَ بالأخرى، وكم بلدٍ

فيهِ البقاعُ يضاجعنَ البقاعَ زِنَا!

كَمْ في ترابِكَ من روحٍ مُقَدَّسَةٍ

تَجَسَّدَتْهُ فأضحى للسَّما بَدَنَا

لا بُورِكَتْ في يد الإيمانِ مسبحةٌ

حتَّى تزفَّ إليكَ الحمدَ والمِنَنَا

هَبْنَا رضاكَ ووَطِّنَّا بساحتِهِ..

ماذا يكون الرضا إنْ لم يكنْ وطناَ؟!

بِكَ اتَّكَأْنَا على أكتافِ ذاكرةٍ

تُثَبِّتُ الوقتَ حتَّى لا يميدَ بِنَا

مَنْ جاءَ قبلَ الليالي، لا يُقالُ لهُ:

لقد تَأَخَّرْتَ عَمَّنْ سابقَ الزَّمَنَا!

قالوا: تَبَخَّرتَ! قالوها، وما التفتوا

حتَّى تَكَثَّفْتَ في آفاقِهِمْ مُزُنا

لا بُدَّ للأرضِ أنْ تحيا على أملٍ

ما لاحَ فيها اخضرارٌ يرتدي فَنَنَا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن جاسم الصحيح

avatar

جاسم الصحيح

السعودية

poet-jasim-alsihayih@

23

قصيدة

389

متابعين

جاسم بن محمد الصحيح،شاعر و أديب سعودي من مواليد مدينة الاحساء في المملكة العربية السعودية أبهر جاسم الجمهور بأسلوبه المرهف في كتابة القصائد والتي منحته الفوز بالعديد من الجوائز في ...

المزيد عن جاسم الصحيح

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة