لي حبيبة يا صديقي، نام بها الشتاء وأفاق فتيّاً، كمجهول قادم من الزهد صوب النار، خالعاً أقفال الاقتصاد والعزلة، يركض كقطعة الذهب المدوّرة إلى مساء الهَمّ وفجر الطيّبة.
لي حبيبة ما إن اكتشفتها الأناشيد حتى فقدتْ أثرها.
لي حبيبة يا صديقي أحبّها لأني ما كنت أحسب أنها ستحبني.
لي حبيبة تتكرر كالفعل، والفعلُ نسيان وعذراء.
لي حبيبة تتّحد بي فهل اختبئ منها؟
لي حبيبة بيضاء كصحو الأرض، وعندي متحف وأنا محافظ على وجوه حبيبتي، أنوّرها بالرضى، وبالخصام امنحها الجمال.
لي حبيبة ترافقني بأمانة تأخذني باستقامة من طريق إلى طريق في بلاد العذاب.
لي حبيبة، يا صديقي، وليس لك حبيبة.
* * *
وتضحك وتقول لي: أنت تخترع صفات الحبيبة!
وتغضب وتقول لي كلام النضج والحكمة، كلام الرجال والخبرة.
ويشتد غضبك وتقول لي: أي حب هذا؟
ويشتد غضبك وتقول لي: أنت تضحك من نفسك! ولدٌ أنت! كل النساء زانيات، فلنرض بهذا! الخيال شيء، والواقع آخر، فلنواجه الواقع حتى لا تصرعنا الخيبة!
ولكنك مخطئ يا صديقي، بنسبة ما أنت محق، بنسبة ما أنت خائف...
* * *
لنا الحب يا صديقي، وليس لغيرنا. نحن ملهوفون، وما فينا من الثعالب غير لطافتها. ولو لم نكن عشّاقاً لكنا محابيس الأديار، ومبشّري الأديان، وأنبياء المنفى. روح الزنابق نحن يا صديقي، ونحن وحدنا في الحب.
والعصافير أَفْعَلُ للشر منا...
* * *
نحن نقول: الإخلاص وَهْم، البراءة سراب، الخرافة خرافة، فلنعترف أن الحب ليس الحلم، ولنخرج من الطفولة.
لكننا منافقون.
لأن النجمة التي في السماء هي النجمة التي في القلب.
لأن النجمة الذي في السماء هي القمر الذي في القلب.
لأن البياض الذي في الطبيعة هو لون صفائنا.
نحن في قرارة أنفسنا نؤمن بالحب القديم، الحب الرومنتيكي، الحب الفائض عن الصفات، لكننا نسفّهه لأن العالم حولنا يسفهه، فيجعلنا نبدو أقلية مضحكة.
لقد سحق العالم العفوية، فأَرعبنا. نحن نعرف أننا ضعفاء، أننا مشقوقون بالعواطف مريضون بالجمال، لكننا نُظهر اللامبالاة والخشونة لأننا نخاف الهزء والفضيحة.
كم نحن جبناء، وكم نحن خَوَنَة يا صديقي!
* * *
تقدم خذ شجاعتك، ولنطلق على هذا العالم رصاصة!
كما لا شأن لنا بجزء مجتزأ من الحياة كذلك لا شأن لنا بجزء مجتزأ من الحب.
إمّا نفتحه للنهاية كالأبواب أو نغلقه للنهاية كالأبواب.
بالجنس والروح نسدّده، بالجنس والروح. للجنس تنحني الجبال، للجنس تتشنّج الجبال. للروح أيضاً.
وإذا لم نجد المرأة فسوف نجدها.
وإذا لم نجد المرأة فسوف نخاطبها فتجيء.
كالماء ينقطع من البئر
كالماء يعود إلى البئر...
* * *
لنا حياة وليس لنا غيرها. وإذا لم نضطرب بالحب فمتى نصنع ذلك؟
لنا حبّ وليس لنا غيره. إذا احتقرناه فأين نحمل مجدنا؟
أين هي الآن ضحكات التهكّم وشتائم الذين تهكَّموه وشتموه؟
سقطتْ كالحجارة من أعالي القمم، وما اتكأتْ عليها فراشة.
لنا حياة وليس لنا غيرها يا صديقي.
* * *
إذا أكون واعظاً اتنقل من صقع إلى صقع، أجعلهم يئنون في حشود الساحات، ينشجون كالخاسرين أموالهم، يسترحمون كالمحروقة ديارهم، يصرخون كالمنقوعة أقدارهم في اللعنة،
إذا أكون رسولاً، كلامي كأغصان يتدلّى على القلوب، إذا أكون مبشراً فماذا بغير الحب؟
أليست الشمس فيه والبحر؟
أليست القوة والماضي والميلاد والجلجلة؟
كنت في ما مضى أظن لديّ الوقت
كالبلبل أتوجه بخفّة.
كنت أعاطش العطش وألاعب الألعاب
لأني كنت أظن لديّ الوقت.
لكني أرى كلامي يتقدم سريعاً ويسبقني
ويجب أن أركض وراء النار ان لم تنطفئ
قبل أن تنطفئ النار
وأسجد أمامها سجود الشدّة
وأجيب فافتح كتابي.
وفوق المدينة أقول شرف الحب
وبقدميه اجتاز الحقارة.
* * *
لي حبيبة يا صديقي
وليس لك حبيبة ...
أنسي لويس الحاج، شاعر لبناني معاصر ولد عام 1937، تعلم أنسي في مدرسة الليسة الفرنسية ثم في معهد الحجمه، وبدأ ينشر قصصاً قصيره وأبحاثاً وقصائد منذ عام 1954 في المجلات ...