الديوان » العصر العباسي » ابن هانئ الأندلسي » أقوى المحصب من هاد ومن هيد

عدد الابيات : 78

طباعة

أقوى المُحَصَّبُ من هادٍ ومن هِيدِ

وودّعونَا لِطيّاتٍ عَباديدِ

ما أنسَ لا أنسَ إجفالَ الحجيجِ بنا

والرّاقصاتِ من المَهْريّةِ القُود

ذا موقِفُ الصَّبّ من مرمى الجمار ومن

مَشاخبِ البُدْنِ قَفْراً غير معهود

ومَوقِفُ الفَتَياتِ الناسكاتِ ضحىً

يَعْثُرْنَ في حِبَراتِ الفِتيةِ الصِّيدِ

يُحْرِمنَ في الرَّيطِ من مثنىً وواحدةٍ

وليسَ يَحْرِمْنَ إلاّ في الموَاعيدِ

ذواتُ نَبْلٍ ضِعافٍ وهي قاتلِةٌ

وقد يُصِيبُ كَمِيّاً سَهمُ رِعديد

قد كنتُ قَنّاصَها أيّامَ أذعَرُهَا

غِيدَ السّوالفِ في أياميَ الغِيدِ

إذْ لا تَبيتُ ظِباءُ الوحشِ نافرةً

ولا تُراعُ مَهاةُ الرملِ بالسِّيد

لا مثلَ وَجدي برَيعانِ الشبابِ وقَدْ

رأيتُ أُمْلودَ غُصْني غيرَ أُملود

والشيبُ يضرِبُ في فَودَيّ بارقَهُ

والدّهْر يَقدَحُ في شمْلي بتَبديدِ

ورابَني لَوْنُ رأسي إنّه اختلفتْ

فيه الغمائمُ من بِيضٍ ومن سود

إن تبكِ أعينُنا للحادثات فقدْ

كَحلننا بعد تغميضٍ بتسهيد

وليسَ تَرضى اللّيالي في تصرّفِها

إلاّ إذا مَزجَتْ صاباً بقِنديد

لأعْرُقَنّ زماناً راب حادِثُهُ

إذا استَمَرّ فَألقَى بالمَقَاليد

في اللّهِ تصْديقُ ما في النفس من أمَلٍ

وفي المُعِزّ مُعِزِّ البأس والجُود

الواهِبِ البَدَراتِ النُجلِ ضاحِيَةً

أمثالِ أسنِمَةِ البُزْلِ الجَلاعِيدِ

مُؤيَّدِ العزْمِ في الجُلّى إذا طرَقَتْ

منَدَّدِ السمْع في النّادي إذا نودي

لكلّ صوْتٍ مَجالٌ في مَسامعِهِ

غيرِ العَنيفَينِ من لَوْمٍ وتَفنيدِ

وعندَ ذي التاجِ بِيضُ المكرُماتِ وما

عندي له غيرُ تمجيدٍ وتحميد

أتْبَعْتُهُ فِكَري حتى إذا بَلَغتْ

غاياتِها بين تصْويبٍ وتصعيد

رأيتُ موضِعَ بُرهانٍ يبينُ وما

رأيتُ موضعَ تكييفٍ وتحديد

وكان مُنقِذَ نفسي من عَمايتِها

فقلتُ فيهِ بعلْمٍ لا بتقليدِ

فمن ضميرٍ بصدْقِ القوْلِ مشتملٍ

ومن لِسانٍ بِحُرّ المدحِ غِرِّيد

ما أجزَلَ اللّهُ ذُخري قبل رؤيتِهِ

ولا انتَفَعْتُ بإيمانٍ وتوحيد

للّهِ منْ سَبَبٍ باللّهِ مُتّصِلٍ

وظِلِّ عدلٍ على الآفاقِ ممدود

هادي رَشادٍ وبُرْهانٍ ومَوعظَةٍ

وبيِّناتٍ وتوفيقٍ وتسْديد

ضيِاءُ مظُلمةِ الأيّامِ داجِيَةٍ

وغيْثُ مُمْحِلَةِ الأكنافِ جارود

ترى أعاديه في أيّام دَولتِهِ

ما لا يرى حاسدٌ في وجهِ محسود

قد حاكمتْهُ ملوكُ الرّوم في لَجِبٍ

وكانَ للّهِ حكمٌ غيرُ مردود

إذْ لا ترَى هِبْرزِيّاً غيرَ منعفرٍ

منهم ولا جاثلِيقاً غيرَ مصفود

قَضَيْتَ نحبَ العوالي من بطارقهمْ

وللدّماسِقِ يَوْمٌ جِدُّ مشهود

ذَمّوا قَناكَ وقد ثارَتْ أسِنّتُها

فما تركْنَ وَريداً غيرَ مَورود

طَعْنٌ يُكوِّرُ هذا في فريصة ذا

كأنّ في كلّ شِلْوٍ بطنَ ملحود

حوَيتَ أسلابَهم من كلّ ذي شُطَبٍ

ماضٍ ومُطَّرِدِ الكعبَينِ أُملود

وكلِّ درعٍ دِلاصِ المَتن سابغةٍ

تُطوَى على كل ضافي النسْج مَسرود

لم يعلموا أنّ ذاكَ العزمَ مُنصَلِتٌ

وأنّ تِلكَ المنَايا بالمَراصِيد

حتّى أتَوْكَ على الأقتابِ من بُهَمٍ

خُزْرِ العيونِ ومن شُوسٍ مذاويد

وفوْقَ كلّ قُتودٍ بَزُّ مُستَلَبٍ

وفوق كل قناةٍ رأسُ صنديد

توّجتَ منها القنا تيجان ملحمةٍ

من كل محْلولِ سِلكِ النظمِ معقود

كأنّها في الذُرَى سُحقٌ مُكَمَّمَةٌ

من كلّ مخضودِ أعلى الطّلعِ منضود

سودُ الغدائرِ في بِيضِ الأسِنّةِ في

حُمْرِ الأنابيبِ من رَدْعٍ وتجسيد

أشهَدتَهم كلَّ فَضْفاض القميص ضحىً

في سْرجِ كلّ طِمِرّ العدوِ قَيدودِ

كأنّ أرماحَهم تَتْلو إذا هُزِجَتْ

زَبورَ داودَ في محْرابِ داود

لو كان للرّومِ علْمٌ بالذي لقِيَتْ

ما هُنّئَتْ أُمُّ بِطريقٍ بمولود

لم يَبقَ في أرْضِ قُسطَنطينَ مُشرِكةٌ

إلاّ وقد خَصّها ثُكْلٌ بمفقود

أرضٌ أقمتَ رَنيناً في مَآتِمِها

يُغْني الحمائمَ عن سَجعٍ وتغريد

كأنّما بادَرَتْ منها ملوكُهُمُ

مصارعَ القَتل أو جاؤوا لموعود

ما كلّ بارقَةٍ في الجوّ صاعقَةٌ

تُخْشَى ولا كلّ عِفريتٍ بمِرّيد

ألقى الدُّمُسْتُقُ بالصّلبان حينَ رأى

ما أنزَلَ اللّهُ من نَصْرٍ وتأييد

فقُلْ له حال من دونِ الخليجِ قَناً

سُمْرٌ وأذرُعُ أبطالٍ مَناجيد

أهلُ الجِلادِ إذا بانَتْ أكفُّهُمُ

يَجْمَعْنَ بينَ العَوالي واللّغاديد

فرْسانُ طَعْنٍ تُؤامٍ في الفرائصِ لا

يُنمي وضَرْبٍ دراكٍ في القماحيد

ذا أهرَتٌ كشُدوقِ الأُسد قد رجفتْ

زأراً وهذا غَموسٌ كالأخاديد

أعيا عليه أيرجو أم يخافُ وقد

رآكَ تُنْجِزُ مِنْ وعدٍ وتوعيدِ

وقائعٌ كَظَمَتْهُ فانْثنى خَرِساً

كأنّما كَعَمَتْ فاه بجُلمود

حَمَيْتَهُ البَرَّ والبَحرَ الفضاءَ معاً

فما يَمُرّ ببابٍ غيرِ مَسدود

يرى ثُغورَكَ كالعَينِ التي سَلِمَتْ

بين المَرَوراتِ منها والقَراديد

يا رُبّ فارعةِ الأجبالِ راسِيَةٍ

منها وشاهقةِ الأكنافِ صَيخود

دَنا ليمنَعَ رُكْنَيْها بغاربِهِ

فباتَ يَدعَمُ مهدوداً بمهدود

قد كانتِ الرّومُ محذوراً كتائبُها

تُدْني البلادَ على شَحْطٍ وتبْعيد

ملْكٌ تأخّرَ عهدُ الرّومِ من قِدَمٍ

عنه كأن لم يكن دهراً بمعهود

حُلّ الذي أحكموه في العزائم منْ

عَقْدٍ وما جرّبوه في المكائيد

وشاغَبوا اليَمَّ ألفَيْ حِجّةٍ كَمَلاً

وهم فوارسُ قاريّاتِهِ السُّود

فاليوْمَ قد طُمِستْ فيه مسالكُهم

من كلّ لاحبِ نَهْجِ الفُلْكِ مقصود

لو كنتَ سائلَهُم في اليَمّ ما عَرَفُوا

سُفْعَ السّفائن من عُفْرِ الملاحيد

هَيهاتَ راعَهُمُ في كلّ مُعْتَرَكٍ

مَلْكُ الملوكِ وصِنديدُ الصّناديد

مَن ليس يمسَحُ عن عِرنينِ مُضْطهَدٍ

ولا يَبيتُ على أحناءِ مَفؤود

ذو هيبةٍ تُتّقَى من غيرِ بائقةٍ

وحِكمةٍ تُجْتَنى من غيرِ تعقيد

من مَعشرٍ تَسَعُ الدنيا نفوسهُمُ

والناسُ ما بينَ تضييقٍ وتنكيد

لو أصْحرُوا في فضاءٍ من صُدورهِمُ

سَدّوا عليكَ فُروجَ البِيدِ بالبِيد

أولئك الناسُ إن عُدّوا بأجمعِهِمْ

ومَن سواهم فَلَغْوٌ غيرُ معدود

والفرقُ بين الوَرَى جمْعاً وبينَهُمُ

كالفرْقِ ما بينَ مَعدومٍ وموجود

إن كانَ للجودِ بابٌ مُرْتَجٌ غُلُقٌ

فأنت تدني إليه كلّ إقليد

كأنّ حلمك أرسى الأرض أو عقدت

بهِ نَواصي ذُرَى أعْلامِها القُودِ

لكَ المَواهبُ أُولاها وآخرُها

عَطاءُ رَبٍّ عَطاءٌ غيرُ مجدودِ

فأنتَ سَيّرْتَ ما في الجُودِ من مثَلٍ

باقٍ ومن أثَرٍ في النّاسِ محمودِ

لو خَلّدَ الدّهرُ ذا عزّ لعِزّتِهِ

كنتَ الأحَقَّ بتَعميرٍ وتَخليدِ

تَبلى الكرامُ وآثارُ الكرامِ وما

تَزدادُ في كلّ عَصرٍ غيرَ تجديدِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن هانئ الأندلسي

avatar

ابن هانئ الأندلسي حساب موثق

العصر العباسي

poet-ibn-Hani-Andalusia@

119

قصيدة

2

الاقتباسات

345

متابعين

محمد بن هانئ بن محمد بن سعدون الأزدي الأندلسي، أبو القاسم، يتصل نسبه بالمهلب بن أبي صفرة. أشعر المغاربة على الإطلاق. وهو عندهم كالمتنبي عند أهل المشرق. وكانا متعاصرين. ولد ...

المزيد عن ابن هانئ الأندلسي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة