الديوان » مصر » محمود سامي البارودي » ردي التحية يا مهاة الأجرع

عدد الابيات : 47

طباعة

رُدِّي التَّحِيَّةَ يَا مَهَاةَ الأَجْرَعِ

وَصِلِي بِحَبْلِكِ حَبْلَ مَنْ لَمْ يَقْطَعِ

وَتَرَفَّقِي بِمُتَيَّمٍ عَلِقَتْ بِهِ

نَارُ الصَّبَابَةِ فَهْوَ ذَاكِي الأَضْلُعِ

طَرِبِ الْفُؤَادِ يَكَادُ يَحْمِلُهُ الْهَوَى

شَوْقَاً إِلَيْكِ مَعَ الْبُرُوقِ اللُّمَّعِ

لا يَسْتَنِيمُ إِلَى الْعَزاءِ وَلا يَرَى

حَقَّاً لِصَبْوَتِهِ إِذَا لَمْ يَجْزَعِ

ضَمَّتْ جَوَانِحُهُ إِلَيْكِ رِسَالَةً

عُنْوَانُهَا فِي الْخَدِّ حُمْرُ الأَدْمُعِ

فَمَتَى يَبُوحُ بِمَا أَجَنَّ ضَمِيرُهُ

إِنْ كُنْتِ عَنْهُ بِنَجْوَةٍ لَمْ تَسْمَعِي

أَصْبَحْتُ بَعْدَكِ في دَيَاجِرِ غُرْبَةٍ

مَا لِلصَّبَاحِ بِلَيْلِهَا مِنْ مَطْلَعِ

لا يَهْتَدِي فِيهَا لِرَحْلِيَ طَارِقٌ

إِلَّا بِأَنَّةِ قَلْبِيَ الْمُتَوَجِّعِ

أَرْعَى الْكَوَاكِبَ فِي السَّمَاءِ كَأَنَّ لِي

عِنْدَ النُّجُومِ رَهِينَةً لَمْ تُدْفَعِ

زُهْرٌ تَأَلَّقُ بِالْفَضَاءِ كَأَنَّهَا

حَبَبٌ تَرَدَّدَ فِي غَدِيرٍ مُتْرَعِ

وَكَأَنَّهَا حَوْلَ الْمَجَرِّ حَمَائِمٌ

بِيضٌ عَكَفْنَ عَلَى جَوَانِبِ مَشْرَعِ

وَتَرَى الثُّرَيَّا فِي السَّمَاءِ كَأَنَّهَا

حَلَقَاتُ قُرْطٍ بِالْجُمَانِ مُرَصَّعِ

بَيْضَاءُ نَاصِعَةٌ كَبَيْضِ نَعَامَةٍ

فِي جَوْفِ أُدْحِيٍّ بِأَرْضٍ بَلْقَعِ

وَكَأَنَّهَا أُكَرٌ تَوَقَّدَ نُورُهَا

بِالكَهْرَبَاءَةِ فِي سَمَاوَةِ مَصْنَعِ

وَاللَّيْلُ مَرْهُوبُ الْحَمِيَّةِ قَائِمٌ

فِي مِسْحِهِ كَالرَّاهِبِ الْمُتَلَفِّعِ

مُتَوَشِّحٌ بِالنَّيِّرَاتِ كَبَاسِلٍ

مِنْ نَسْلِ حَامٍ بِاللُّجَيْنِ مُدَرَّعِ

حَسِبَ النُّجُومَ تَخَلَّفَتْ عَنْ أَمْرِهِ

فَوَحَى لَهُنَّ مِنَ الْهِلالِ بِإِصْبَعِ

مَا زِلْتُ أَرْقُبُ فَجْرَهُ حَتَّى انْجَلَى

عَنْ مِثْلِ شَادِخَةِ الْكُمَيْتِ الأَتْلَعِ

وَتَرَنَّمَتْ فَوْقَ الأَرَاكِ حَمَامَةٌ

تَصِفُ الْهَوَى بِلِسعانِ صَبٍّ مُولَعِ

تَدْعُو الْهَدِيلَ وَمَا رَأَتْهُ وَتِلْكَ مِنْ

شِيَمِ الْحَمَائِمِ بِدْعَةٌ لَمْ تُسْمَعِ

رَيَّا الْمَسَالِكِ حَيْثُ أَمَّتْ صَادَفَتْ

مَا تَشْتَهِي مِنْ مَجْثَمٍ أَوْ مَرْتَعِ

فَإِذَا عَلَتْ سَكَنَتْ مَظَلَّةَ أَيْكَةٍ

وَإِذَا هَوَتْ وَرَدَتْ قَرَارَةَ مَنْبَعِ

أَمْلَتْ عَلَيَّ قَصِيدَةً فَجَعَلْتُهَا

لِشَكِيبَ تُحْفَةَ صَادِقٍ لَمْ يَدَّعِ

هِيَ مِنْ أَهَازِيجِ الْحَمَامِ وَإِنَّمَا

ضَمَّنْتُهَا مَدْحَ الْهُمَامِ الأَرْوَعِ

هُوَ ذَلِكَ الشَّهْمُ الَّذِي بَلَغَتْ بِهِ

مَسْعَاتُهُ أَمَدَ السِّمَاكِ الأَرْفَعِ

نِبْرَاسُ دَاجِيَةٍ وَعُقْلَةُ شَارِدٍ

وَخَطِيبُ أَنْدِيَةٍ وَفَارِسُ مَجْمَعِ

صَدْقُ الْبَيَانِ أَعَضَّ جَرْوَلَ بِاسْمِهِ

وَثَنَى جَرِيرَاً بِالْجَرِيرِ الأَطْوَعِ

لَمْ يَتَّخِذْ بَدْرَ الْمُقَنَّعِ آيةً

بَلْ جَاءَ خَاطِرُهُ بِآيَةِ يُوشَعِ

أَحْيَا رَمِيمَ الشِّعْرِ بَعْدَ هُمُودِهِ

وَأَعَادَ لِلأَيَّامِ عَصْرَ الأَصْمَعِي

كَلِمٌ لَهَا فِي السَّمْعِ أَطْرَبُ نَغْمَةٍ

وَبِحُجْرَةِ الأَسْرَارِ أَحْسَنُ مَوْقِعِ

كَالزَّهْرِ خَامَرَهُ النَّدَى فَتَأَرَّجَتْ

أَنْفَاسُهُ بِالْعَنْبَرِ الْمُتَضَوِّعِ

يَعْنُو لَهَا الْخَصْمُ الأَلَدُّ وَيَغْتَذِي

بِلِبَانِهَا ذِهْنُ الْخَطِيبِ الْمِصْقَعِ

هِيَ نُجْعَةُ الأَدَبِ الَّتِي مَنْ أَمَّهَا

أَلْقَى مَرَاسِيَهُ بِوَادٍ مُمْرِعِ

مَلَكَتْ هَوَى نَفْسِي وَأَحْيَتْ خَاطِرِي

وَرَوَتْ صَدَى قَلْبِي وَلَذَّتْ مسْمَعِي

فَاسْلَمْ ِشَكِيبُ وَلا بَرِحْتَ بِنِعْمَةٍ

تَحْنُو عَلَيْكَ بِأَيْكِهَا الْمُتَفَرِّعِ

فَلأَنْتَ أَجْدَرُ بِالثَّنَاءِ لِمِنَّةٍ

أَوْلَيْتَهَا وَالْبِرُّ أَفْضَلُ مَا رُعِي

أَرْهَفْتَ حَدِّي فَهْوَ غَيْرُ مُفَلَّلٍ

وَرَعَيْتَ عَهْدِي فَهْوَم غَيْرُ مُضَيَّعِ

وَبَثَقْتَ لِي مِنْ فَيْضِ بَحْرِكَ جَدْوَلاً

غَمَرَ الْبِحَارَ بِسَيْلِهِ الْمُتَدَفِّعِ

عَذُبَتْ مَوَارِدُهُ فَلَوْ أَلْقَتْ بِهِ

هِيمُ السَّحَابِ دِلاءَهَا لَمْ تُقْلِعِ

وَزَهَتْ فَرَائِدُهُ فَصَارَتْ غُرَّةً

لِجَبِينِ كُلِّ مُتَوَّجٍ وَمُقَنَّعِ

هُوَ ذَلِكَ النَّظْمُ الَّذِي شَهِدَتْ لَهُ

أَهْلُ الْبَرَاعَةِ بِالْمَقَالِ الْمُبْدَعِ

أَبْصَرْتُ مِنْهُ أَخَا إِيَادٍ خَاطِبَاً

وَسَمِعْتُ عَنْتَرَةَ الْفَوَارِسِ يَدَّعِي

وَحَلَمْتُ أَنِّي فِي خَمَائِلِ جَنَّةٍ

وَمِنَ الْعَجَائِبِ حَالِمٌ لَمْ يَهْجَعِ

فَضْلٌ رَفَعْتَ بِهِ مَنَارَ كَرَامَةٍ

صَرَفَ الْعُيُونَ عَنِ الْمَنَارِ لِتُبَّعِ

فَمَتَى أَقُومُ بِشُكْرِ مَا أَوْلَيْتَنِي

وَالنَّجْمُ أَقْرَبُ غَايَةً مِنْ مَنْزِعِي

فَاعْذِرْ إِذَا قَصَرَ الثَّنَاءُ فَإِنِّنِي

رُزْتُ الْمَقَالَ فَلَمْ أَجِدْ مِنْ مَقْنَعِ

لا زِلْتَ تَرْفُلُ فِي وِشَاءِ سَعَادَةٍ

وَحَبِيرِ عَافِيَةٍ وَعَيْشٍ أَمْرَعِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمود سامي البارودي

avatar

محمود سامي البارودي حساب موثق

مصر

poet-mahmoud-samial-baroudi@

374

قصيدة

8

الاقتباسات

1888

متابعين

محمود سامي باشا بن حسن حسين بن عبد الله البارودي المصري. 1255-1322 هـ / 1839-1904 م أول ناهض بالشعر العربي من كبوته، في العصر الحديث، وأحد القادة الشجعان، جركسي الأصل من ...

المزيد عن محمود سامي البارودي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة