الديوان » مصر » محمود سامي البارودي » سل الجيزة الفيحاء عن هرمي مصر

عدد الابيات : 34

طباعة

سَلِ الْجِيزَةَ الْفَيْحَاءَ عَنْ هَرَمَيْ مِصْرِ

لَعَلَّكَ تَدْرِي غَيْبَ مَا لَمْ تَكُنْ تَدْرِي

بِنَاءانِ رَدَّا صَوْلَةَ الدَّهْرِ عَنْهُمَا

وَمِنْ عَجَبٍ أَنْ يَغْلِبَا صَوْلَةَ الدَّهْرِ

أَقَامَا عَلَى رَغْمِ الْخُطُوبِ لِيَشْهَدَا

لِبَانِيهِمَا بَيْنَ الْبَرِيَّةِ بِالْفَخْرِ

فَكَمْ أُمَمٍ فِي الْدَّهْرِ بَادَتْ وَأَعْصُرٍ

خَلَتْ وَهُمَا أُعْجُوبَةُ الْعَينِ وَالْفِكْرِ

تَلُوحُ لآِثَارِ العُقُولِ عَلَيْهِمَا

أَسَاطِيرُ لا تَنْفَكُّ تُتْلَى إِلَى الْحَشْرِ

رُمُوزٌ لَوْ اسْتَطْلَعْتَ مَكْنُونَ سِرِّها

لأَبْصَرْتَ مَجْمُوعَ الْخَلائِقِ فِي سَطْرِ

فَمَا مِنْ بِنَاءٍ كَانَ أَوْ هُوَ كَائِنٌ

يُدَانِيهِمَا عِنْدَ التَأَمُّلِ وَالْخُبْرِ

يُقَصِّرُ حُسْنَاً عَنْهُما صَرْحُ بَابِلٍ

وَيَعْتَرِفُ الإِيوَانُ بِالْعَجْزِ وَالْبَهْرِ

فَلَوْ أَنَّ هَارُوتَ انْتَحَى مَرْصَدَيْهِما

لأَلْقَى مَقَالِيدَ الْكَهَانَةِ وَالسِّحْرِ

كَأَنَّهُمَا ثَدْيَانِ فَاضَا بِدِرَّةٍ

مِنَ النِّيلِ تُرْوِي غُلَّةَ الأَرْضِ إِذْ تَجْرِي

وَبَيْنَهُمَا بَلْهِيبُ فِي زِيِّ رَابِضٍ

أَكَبَّ عَلَى الْكَفَّيْنِ مِنْهُ إِلَى الصَّدْرِ

يُقَلِّبُ نَحْوَ الشَّرْقِ نَظْرَةَ وَامِقٍ

كَأَنَّ لَهُ شَوْقاً إِلَى مَطْلَعِ الْفَجْرِ

مَصَانِعُ فِيهَا لِلْعُلُومِ غَوَامِضٌ

تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ابْنَ آَدَمَ ذُو قَدْرِ

رَسَا أَصْلُهَا وَامْتَدَّ فِي الْجَوِّ فَرْعُها

فَأَصْبَحَ وَكْرَاً لِلسِّماكَيْنِ وَالنَّسْرِ

فَقُمْ نَغْتَرِفْ خَمْرَ النُّهَى مِنْ دِنَانِها

وَنَجْنِي بِأَيدِي الْجِدِّ رَيْحَانَةَ الْعُمْرِ

فَثَمَّ عُلُومٌ لَمْ تُفَتَّقْ كِمَامُهَا

وَثَمَّ رُمُوزٌ وَحْيُهَا غامِضُ السِّرِّ

أَقَمْتُ بِهَا شَهْرَاً فَأَدْرَكْتُ كُلَّ مَا

تَمَنَّيْتُهُ مِنْ نِعْمَةِ الدَّهْرِ فِي شَهْرِ

نَرُوحُ وَنَغْدُو كُلَّ يَوْمٍ لِنَجْتَنِي

أَزَاهِيرَ عِلْمٍ لا تَجِفُّ مَعَ الزَّهْرِ

إِذَا مَا فَتَحْنَا قُفْلَ رَمْزٍ بَدَتْ لَنَا

مَعَارِيضُ لَمْ تَفْتَحْ بِزِيجٍ وَلا جَبْرِ

فَكَمْ نُكَتٍ كَالسِّحْرِ فِي حَرَكَاتِهِ

تُرِيكَ مَدَبَّ الرُّوحِ في مُهْجَةِ الذَّرِّ

سَكِرْنَا بِمَا أَهْدَتْ لَنَا مِنْ لُبَابِها

فَيَا لَكَ مِنْ سُكْرٍ أُتِيحَ بِلا خَمْرِ

وَمَا سَاءَنِي إِلَّا صَنِيعُ مَعَاشِرٍ

أَلَحُّوا عَلَيْهَا بِالْخِيَانَةِ وَالْغَدْرِ

أَبَادُوا بِهَا شَمْلَ الْعُلُومِ وَشَوَّهُوا

مَحَاسِنَ كَانَتْ زِينَةَ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ

فَكَمْ سَمَلُوا عَيْنَاً بِهَا تُبْصَرُ الْعُلا

وَشَلُّوا يَداً كَانَتْ بِهَا رَايَةُ النَّصْرِ

تَمَنَّوْا لِقَاطَ الدُّرِّ جَهْلاً وَمَا دَرَوْا

بِأَنَّ حَصَاهَا لا يُقَوَّمُ بِالدُّرِّ

وَفَلُّوا لِجَمْعِ التِّبْرِ صُمَّ صُخُورِهَا

وَأَيْسَرُ مَا فَلُّوهُ أَغْلَى مِنَ التِّبْرِ

وَلَكِنَّهُمْ خَابُوا فَلَمْ يَصِلُوا إِلَى

مُنَاهُم وَلا أَبْقَوْا عَلَيْهَا مِنَ الْخَتْرِ

فَتَبَّاً لَهُمْ مِنْ مَعْشَرٍ نَزَعَتْ بِهِمْ

إِلَى الْغَيِّ أَخْلاقٌ نَبَتْنَ عَلَى غِمْرِ

أَلا قَبَّحَ اللَّهُ الْجَهَالَةَ إِنَّهَا

عَدُوَّةُ مَا شَادَتْهُ فِينَا يَدُ الْفِكْرِ

فَلَوْ رَدَّتِ الأَيَّامُ مُهْجَةَ هُرْمُسٍ

لأَعْوَلَ مِنْ حُزْنٍ عَلَى نُوَبِ الدَّهْرِ

فَيَا نَسَماتِ الْفَجْرِ أَدِّي تَحِيَّتِي

إِلَى ذَلِكَ الْبُرْجِ الْمُطِلِّ عَلَى النَّهْرِ

وَيَا لَمَعَاتِ الْبَرْقِ إِنْ جُزْتِ بِالْحِمَى

فَصُوبِي عَلَيهَا بِالنِّثَارِ مِنَ الْقَطْرِ

عَلَيْهَا سَلامٌ مِنْ فُؤَادٍ مُتَيَّمٍ

بِهَا لا بِرَبَّاتِ الْقَلائِدِ وَالشَّذْرِ

وَلا بَرِحَتْ فِي الدَّهْرِ وَهْيَ خَوَالِدٌ

خُلُودَ الدَّرَارِي وَالأَوَابِدِ مِنْ شِعْرِي

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمود سامي البارودي

avatar

محمود سامي البارودي حساب موثق

مصر

poet-mahmoud-samial-baroudi@

374

قصيدة

8

الاقتباسات

1888

متابعين

محمود سامي باشا بن حسن حسين بن عبد الله البارودي المصري. 1255-1322 هـ / 1839-1904 م أول ناهض بالشعر العربي من كبوته، في العصر الحديث، وأحد القادة الشجعان، جركسي الأصل من ...

المزيد عن محمود سامي البارودي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة