الديوان » العصر العباسي » الصنوبري » عزاء أبا بكر عزاء أبا عيسى

عدد الابيات : 61

طباعة

عزاءً أبا بكرٍ عزاءً أبا عيسى

عزاءً فلا نُعْمَى تدومُ ولا بُوسى

فمثلكما أرضى الإلهَ تعزِّياً

وصبراً على البلوى وأسْخَطَ إِبليسا

قصاراكما إن يُعْكَسَ الوجدُ سلوةً

فعمَّا قليلٍ يوجَدُ الوجدُ معكوسا

وما لامرئِ من سطوةِ الدهر حارسٌ

فتلقى امرءاً من سَطْوةِ الدهر محروسا

فمنْ آبَ منّا صابراً آبَ رابحاً

ومن آب منّا جازعاً آب منحوسا

هو الموتُ ما عافى رئيساً كما ترى

فنرجو مصافاةً ولا عافَ مرؤوسا

هو الموتُ لا ينفكُّ يطلبُ خُلْسَةً

منَ المرءِ حتى يَترُكَ المرءَ مخلوسا

وإلاّ فأين الأنبياءُ محمدٌ

وعيسى وموسى قبْلَهُ وأخو موسى

وأينَ سليمانُ بنُ داودَ أينَ مَنْ

حَوَتْ عرشَ بلقيسٍ يداه وبلقيسا

أصابت سهامُ الموتِ هوداً وصالحاً

ولوطاً ونوحاً قد أصابتْ وإِدريسا

وفي أهل بيتِ المصطفى أُسْوَةٌ لنا

بأمثالها تُوْسى الكلومُ إذا تُوسى

عليٌّ وسبطاهُ وعمَّاهُ كُلُّهُمْ

كأنْ لم يزلْ مذ كانَ في الرمس مرموسا

سل الطفَّ عنهمْ والغريَّ ويثرباً

وفخّاً وباخمرى وسلْ عنهمُ طوسا

أصابَ بني الشوسِ الغَطَارِفَةِ الذي

أَصابَ الأبوَّاتِ الغطارفةُ الشُّوسا

تكرُّ منايانا خلالَ بيوتِنا

كراديسَ ما تنفكُّ تتلو كراديسا

أرى الملك لمَّا يُنْجِ كسرى وقيصراً

ولم ينجِ قاروناً ولم يُنْجِ قابوسا

أرى الأسْدَ في الأخياسِ يمضغُها الرَّدَى

فلا أسدٌ يُبقي الرَّدى لا ولا خيسا

فيا سيِّديَّ إِنَ للحزنِ هَفْوَةً

فَسُوساهُ في رفقٍ بحلمكما سُوسا

أسومُكُما التصريحَ بالصبرِ خائفاً

بأنْ تُتْبِعا التصريحَ في الصبرِ تلبيسا

على أنَّني إن تصبرا غيرُ صابرٍ

ولا طالب بالصبرِ للنفسِ تنفيسا

وما وُفِّرتْ أكياسُ قومٍ من الجوى

جوى الحزن إِلا كنتُ أوفرهُمْ كيسا

تظلُّ نواميسُ العيونِ كثيرةً

وعينيَ لا ترضى سوى الدمعِ ناموسا

وما ليَ أبكي وآسى على علاً

على مِثْلِها لم يُبْكَ قَطُّ ولا يوسى

رُزئناهُ جَحْجاحاً رُزئناهُ خِضْرِماً

رُزئناهُ بُهْلولاً رُزئناهُ قُدْمُوسا

رُزئناهُ رُزْءَ الغيثِ لمّا تساويا

فكانا سواءً في القياس إذا قيسا

فلا بدَّ من حبسِ النفوسِ على الأسى

وإِطلاقِ دمعٍ كان مُذ كان محبوسا

غدا المجدُ مسودّاً وقد كان أبيضاً

كما كان مسعوداً فقد صارَ منحوسا

وأصبح إذ مات السرورُ مصحَّفاً

كما راح معنى العيش إذ مات منكوسا

وأَقْسَمَ مقياسُ المكارم لا يُرى

مَدى الدهر مقياسُ المكارم مقيوسا

فمن كان في تليينِ ذا الدهر طامعاً

فإِنِّي أرى تَيْبيسَه زادَ تيبيسا

مضى حَسَنٌ من أحسن الناس شيمةً

وأحسنِهِمْ خِيماً وأحسنهم سُوسا

وألبَسِهِمْ للخوفِ خوفَ معارِهِ

وما ملبسٌ أبهى من الخوفِ ملبوسا

قضى طاهراً ما دنَّس اللؤمُ عِرْضَهُ

وحاشاه مما يُكْسِبُ العِرْضَ تدنيسا

لقد أودعوا الأكفانَ منه عبادةً

ونُسْكاً وتسبيحاً لعَمْرِي وتَقْديسا

لقد لمسوا في وقتِ تربيع نعشِهِ

أجلَّ نعوشِ الآدميين ملموسا

نأى عن نعيمِ العيش زهداً كأنّه

يعدُّ نعيمَ العيشِ منْ زهْدِه البوسا

مرافقُ ليل لم يملَّ رفاقَهُ

ولم يتّخذْ إلا النجومَ مقابيسا

إذا ما امتطى آناءَهُ واصلَ السُّرى

حليفَ سُرىً ما إِن يُحاولُ تعريسا

مُميحٌ من التأنيس إِخوانهُ فما

يزال مُميحاً ما استماحوه تأنيسا

ومقياسُ عدلٍ للمؤاخين واحدٌ

إذا كان مقياسُ المؤاخي مقاييسا

خلائقُ هنَّ الماءُ مَسّاً وإِنّها

لألينُ أحياناً من الماء مَمْسُوسا

يظلُّ يعدُّ الفيلَ في الجودِ ذَرَّةً

إذا عَدَّ قومٌ ذَرَّةً فيه جاموسا

ويُحْسِنُ تأسيسَ البناءِ وإنني

لأرثي لبانٍ ليس يُحْسِنُ تأسيسا

وإن قَبِلَ التدليسَ في الدينِ ناقدٌ

فذاك الذي لا يقبلُ الدهرَ تدليسا

أبى الموتُ إلاّ أن ترى المجدَ مُوحشاً

وكنَّا نراهُ منه مذ كان مأنوسا

أَقولُ لهمْ والتربُ يَكْبَسُ فَوْقَهُ

بنفسيَ وجْهٌ فوقه التربُ مكبوسا

دستُمْ صميمَ المجدِ في اللحدِ ويحكمْ

فحتَّامَ يبقى المجدُ في اللحدِ مدسوسا

ألمْ تنطمسْ أبصارُكُمْ حين أَبْصَرَتْ

لدنْ أبصرت بَدْرَ المحاريبِ مطموسا

ألمْ تُصْعَقوا من هولِ ما قد رأيتُم

من الهولِ سُبُّوحاً إِلهيَ قُدُّوسا

تألَّى علينا الموتُ أنْ ليسَ مُلقياً

عصا السيرِ تهجيراً إِلينا وتغليسا

وأعلمنا أن ليس نألو تجشُّما

ببعثتِهِ الأسقامَ فينا جواسيسا

فلا تبعدنْ يا خيرَ غرسٍ وجَدْتُنا

وجدناْه في خيرِ المغارس مغروسا

ويا غامساً في الدمعِ خدّي وتاركاً

فؤاديَ في بحرٍ من الوجدِ مغموسا

لقد حسب الفردوس قبراً حَلَلْتَهُ

وأضحتْ قبورٌ جاوَرَتْهُ فراديسا

سليلَ العلا من آلِ عبَّاسٍ الْتَفِتْ

إِليَّ بوجهٍ ليس يعرفُ تعبيسا

ظللنا نرى الدنيا ببعدكَ بُومةً

وكنَّا نرى الدنيا بِقُرْبِكَ طاووسا

ينكّس رأسي إنني لم أَمُتْ أسىً

عليك كفى تنكيسُ راسيَ تنكيسا

سوى أَنني أُهدي ثناءً محبَّراً

تُناجي به الأقلامُ فيكَ القراطيسا

ثناءً متى تفنَ الكراريسُ نتَّخذْ

له من جفونٍ دايبات كراريسا

فدونكماها كالفتاةِ تَسرْبَلَتْ

ثناءً حَمَاها أن تُسَرْبَلَ

مكرّمة ما إِن حدا العيس مثلها

وما إن حدا حادٍ بأمثالها العيسا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن الصنوبري

avatar

الصنوبري حساب موثق

العصر العباسي

poet-alsanubri@

693

قصيدة

1

الاقتباسات

121

متابعين

أحمد بن محمد بن الحسن بن مرار الضبي الحلبي الأنطاكي، أبو بكر، المعروف بالصنوبري. شاعر اقتصر أكثر شعره على وصف الرياض والأزهار. وكان ممن يحضر مجالس سيف الدولة. تنقل بين ...

المزيد عن الصنوبري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة