الديوان » العصر العثماني » نيقولاوس الصائغ » خطب مريع ثابت لا يصرف

عدد الابيات : 99

طباعة

خَطبٌ مريعٌ ثابتٌ لا يُصرَفُ

وقَضاءُ ربِّ فَهوَ لا يتصرَّفُ

ومصائبٌ في كل جارحةٍ لها

سهمٌ وعَضبٌ باترٌ ومُثقَّفُ

مِحَنٌ كَسَت جِسمي السَقامَ ونكَّرَت

تعريفَ شخصي فَهوَ لا يتعرَّفُ

جَدَحَت ليَ الأَيَّامُ كاساتِ الأَسى

فاساءَ طَعماً وِردُها والمَرشَفُ

واستهدَفَتني النائباتُ فلم أَزَل

طولَ المَدى لِسهامِها أَستهدفُ

وغَدَوتُ من جُورِ الرَدى متأسّفاً

أَسَفاً على أَسَفٍ ومثلي يأَسَفُ

أَنعى ومالي بينَ صَحبي مُسعِدٌ

وأَنُوحُ لكن ليسَ يوجدُ مسعِفُ

ابكي وعَبراتي دَمٌ فانا الذي

بينَ البريَّةِ من عُيوني أَرعَفُ

فالعينُ قد رقَّت وراقت أَدمُعي

اذرقَّ من أَلَمي فُؤادي المُتلَفُ

قد نَمَّ في سِرّي وباحَ بما جَرى

دمعٌ غدا يجري ولا يتوقَّفُ

لَزِمَت فُؤادي نارٌ إحراقي كما

قد لازمت مُقَلي الدُموعُ الذُرَّفُ

لِلّهِ من كَبدٍ بها جمرُ الغَضى

يذكو ولحظٍ جريهُ لا يَنشَفُ

كَبِدٌ تكَبَّدُ لوعةً لو شامَ حُر

قَتها المَجُوسيُّ انثنى يتعطَّفُ

قلبٌ تقلَّبَ بالأَسى حتى غدا

عن طيبِ مَسكِنهِ يَصُدُّ ويَأنَفُ

فاللُّبُّ في حَرَقٍ يَشُبُّ لهيبُهُ

والطَرفُ في غَرَقٍ بدمعٍ يَذرِف

والقلبُ في خَفقٍ ازالَ سُكونَهُ

والعقلُ في فَرَقٍ ووَجدٍ يَكلَفُ

فالبينُ نصَّفَنا بحُكمٍ جائرٍ

يا جائراً في الحكم هل لك تُنصِفُ

امسيتَ مختصِراً مؤلف إِخوتي

بالله من أَغراكَ أَنكَ تجحفُ

جَرَّدتَ لي يا بينُ سيفاً صارماً

مِن غِمد رُزءكَ وهوَ ماضٍ مُرهَفُ

فلأصبِرَنَّ على البِلى بعزيمةٍ

تَلِجُ المَخاوِفَ وَهيَ لا تتخوَّفُ

ولأَتبَعَنَّ بغُربتي وحشَ الفَلا

وأَظلُّ في تِيهِ المصائب أَعسِفُ

عَل الزمانَ بنا يُراجِعُ رأيَهُ

ولعلَّ أَن اللَه فينا يَلطُفُ

والدهرُ يَحلِفُ ثم يُخلِف وعدَهُ

واذا توعَّدَ بالأَذى لا يُخلِفُ

هل مَن يَرُدُّ عليَّ مَن فارقتُهُ

لأُبيحهُ رُوحي ولا أَستنكفُ

مُذ غابَ عن عينيَّ نُورُ ضِيائها

مُدَّت عليها ظُلمةٌ لا تُكشَفُ

لو تسأَلُ الأَبصارَ عن برقِ الدُجى

نادتكَ يَخطَفُ والمنيَّةُ أَخطَفُ

ما بينَ يعقوبٍ وبيني نِسبةٌ

اذ قد نأى عنا كِلَينا يُوسُفُ

يا ثمرةً ما كان أَشهى حُسنَها

فمِنَ المُحال بانها لا تُقطَفُ

يا ايها الغضُّ الشبيبةِ قُل لنا

باللَهِ كيفَ وأَنتَ غَضٌّ تُقصَف

يا بدرَ تِمّ قد عَراهُ خُسوفُهُ

والبدرُ أَنّي عند تِمٍّ يُخسَفُ

يا أيها الشمسُ التي كُسِفَت ضُحىً

والشمسُ أني في ضُحاها تكسَفُ

بالأَمسِ كُنتَ تذيلُ في بُردِ الصبا

بخَلاعةٍ فيها تَهِيمُ وتزلُفُ

ولكم ركضتَ الى ارتكاضك جارياً

فالآن مالكَ راكداً تتوقَّفُ

وكم انطلقتَ مع الهَوى بطَلاقةٍ

فالآنَ انت مقيَّدٌ ومكتَّفُ

أَتُرى ظَفِرتَ بتوبةٍ يومَ المَنا

أَثرى عليها حضُّك المستعرفُ

وهل اعترفتَ كما يليقُ بعُرفِنا

ونَحَوتَ ما ينحو بهِ المتعرّفُ

واحسرتاهُ وكم بقلبي حسرةٌ

عُقِدَت وعَقدُ عُقودِها متأَلِّفُ

يا ليتني قد كُنتُ عِندكَ مُشرفاً

يوماً وأنتَ على المنية مُشرفُ

رِفقاً فلي قلبٌ عليكَ مصدَّعٌ

وحَشى بهِ أَلَمٌ وجسمٌ مُنحَفُ

ومدامعٌ مسكوبةٌ وجوانحٌ

مشبوبةٌ وجوارحٌ تتلهَّفُ

وطويَّةٌ طُوِيَت على جمر الأَسى

وحُشاشةٌ حَرّى وقلبٌ مُكلَفُ

حتّى متى أَقضي الدُجى بلواحظٍ

تَهمِي وجَفنٍ للكَرى لا يأَلفُ

حتى مَ أَجهَرُ بالنِدا يا يُوسُفُ

فيجيبُني رَجعُ الصَدى يا يُوسُفُ

اني أُنادِي مَن مُنعتُ جَوابَهُ

فلذاك رَجعُ نِدايَ مثلي يَهتِفُ

فكأنني الخنساءُ تندُبُ صخرَها

والصخرُ لا يحنو ولا يَتَعطَّفُ

يا صاحِ إِنَّ الموتَ حُكمٌ جازمٌ

كلٌّ لهذا الكأسِ يوماً يَرشُفُ

لكنَّ موتَ الشابِ في شَرخِ الصِبا

خَطبٌ يَكادُ الصخرُ منهُ يَرجُفُ

فأَمَرُّ سُخطِ اللَهِ ما دَهِمَ الوَرى

موتُ ابنِ آدَمَ وَهوَ أَهيَفُ مُترَفُ

نار الشبيبةِ في الشَبابِ شبيبةٌ

ويلاهُ من شُبَّانها أَن يَنطَفُوا

قد تُبدَل الأَنوارُ بالظُلُماتِ في

قلب النَهارِ من الحيوةِ وتَغدِفُ

فالشمسُ يَغرُبُ في الظَهيرةِ ضَؤُها

والأَرض تُظلِمُ بالاثيم وتَخسِفُ

آهاً لمن أَلِفَ الزمانَ مَصابَهُ

فكأَنَّهُ ببِلاهُ صَبٌّ مُشغَفُ

كم ذا أَيا كُرَةَ البلى نحوي الخطو

بُ بصَولَجانِ يدِ النوائبِ تُخذَفُ

أبتاه ثِق باللَهِ وارضَ بحُكمِهِ

فهو الذي احكامهُ لا تُعرفُ

فاحزَن على ابنكَ حُزنَ داودٍ على

آبيشَلُومَ وما بذاك تكلُّف

فالاصلُ يُرجَى بعد قطع فُروعِهِ

أَن تَنبُتَ الاغصانُ منهُ فيُخلِفُ

من ذا الذي يحيى وليسَ يَرى فسا

داً مثلما قال النبي الأَشرَفُ

هذي الشريعةُ ليسَ يُنقَصُ وضعُها

هل مُخلِفٌ عن أمرها يتخلَّفُ

ان كانَ ماتَ ابنُ الالهِ وأُمُّهُ

ما بال منهُ كل نفسٍ تأَنَفُ

فالموتُ مُعفٍ كلَّ أَحقابِ الوَرى

إِن يعتفوا منهُ وان لم يعتفوا

مستظهراً ابداً على أجيالِهم

إِن يختفوا عنهُ وان لم يختفوا

والموتُ لو هجنتهُ أَلسِنةُ الوَرى

فيهِ مزايا جَمَّةٌ لا تُوصَفُ

منها تذكُّرُهُ الذي من أجلهِ

هجرَ الحواسَ القانتُ المتقشِّفُ

وهو الذي بدوامهِ يَذَرُ الفَتَى ال

نِحريرَ للجسم الكثيفِ يُلطِّفُ

ولقد اقولُ على الحقيقةِ إِنَّهُ

امرٌ خطيرٌ نافعٌ مُستطرَفُ

اذ حدَّتِ اليونانُ حدّاً صادقاً

أَنَّ التذكُّرَ بالمنونِ تَفَلسُفُ

كم من أُناسٍ من هذيذهم بهِ

رَجَعوا عن الغَيِّ المُضِلّ واعطفوا

كم فاسق لما تذكَّرَ حتفهُ

إِنصاعَ وَهوَ العابدُ المتعففُ

فالموتُ ثم الخوفُ منهُ كلاهما

ثم الخطيةُ ذا بذا متأَلّفُ

سَيُحاكِمُ اللَهُ الأَنامَ وانهُ

يَجزيهمِ عدلاً بما قد أَسلَفوا

يا صاحِ ان خيراً فخيرٌ أو يكُن

شرّاً فشرٌّ إِنَّ رَبَّكَ مُنصِفُ

ان الذين إلى التُرابِ مآلهم

طُرّاً فهل لهُمُ بان يتصلَّفوا

يا تاركاً نَهجَ الهِدايةِ سالكاً

وعَثَ الغَوايةِ تائهاً يتخوَّفُ

تُب عد ومل عف حد وقل سل طع وسد

فجزاءُ مَن عَمِلَ الصَلاحَ مفوَّفُ

وارقُب حِمامك فهو ذِئبٌ خاطفٌ

والذئبُ شِيمتُهُ يروغُ فيخطَفُ

واندب على ماضي الزمانِ وحالك ال

أَشقى وما يأتي به المستأنفُ

يوماً تُدانُ بهِ الأَنامُ جميعهم

ويَضُمُّهم للحَشر ذاك المَوقِفُ

يوماً بهِ لا يُرتجى بشَفاعةٍ

الا التي بعبيدها تتلطَّفُ

من لم يُفَكَّ خِتامُ سِفرِ بَهائِها

كلا ومعناهُ فليسَ يُحرَّفُ

بِنتُ الإِلهِ وأُمُّهُ وعَرُوسُهُ

شَرَفُ الملائكِ وَهيَ منهم أَشرَفُ

ان كنتَ يا هذا بذَنبِكَ مُثقَلاً

يَمِّم حِماها فَهيَ عنكَ تُخفِّفُ

واعطِف فُؤادَكَ نَحوَها فتشيمُها

بالجُود والإِحسانِ نحوك تَعطِفُ

لا ترجُ الاها فليسَ بذا الوَرى

منها أَرَقُّ على العبادِ وأَرأَفُ

ها إِنَّ من فُتِقُوا بأَسهُم وِزرِهم

لولا حُنُوِّ البِكرِ مَريَمَ ما رُفُوا

يا آثمينَ ثِقُوا بمريمَ انها

غوثُ البريَّةِ فاقصِدوها واكتَفُوا

واستدرِكوا إِحسانها لكنَّكم

بالإِحتشامِ إِزاءَ حضرتها قِفُوا

يا صاح ان اوعدتَها بمحبَّةٍ

لا تُلفَ مِمَّن بالمحبَّةِ لم يَفُوا

تحلو محبَّتها بقلبي كُلَّما

قد لام فيها عاذلٌ ومُعنِّفُ

قد راق نظمي في رقيقِ نشيدِها

لكنَّها منهُ أَرَقُّ والطفُ

كَرِّر على سَمعي نِظامَ مديحِها

فمَسامِعي بمديحها تتشنَّفُ

وانعِش بشَجوك قلبَ عانٍ قد غدا

بثَناءِ مريمَ وَهوَ صَبٌ مُشغَفُ

في رَوضةٍ فيحاءَ من اظلالها

قد مُدَّ من فوقِ الأَزاهر رَفرَفُ

منها شِفا ضُعفي ارومُ بذِلَّةٍ

فرَجايَ في إِحسانها لا يَضعُف

يا صُفوةَ الرَحمن يا كَنزَ الشِفا

إِشفي ضَنى جِسمي لأَنّي مُدنَفُ

قَسَماً وحُبِّكِ ان حُبَّكِ مذهبي

وبغيرِ حُبِّكِ في الورى لا أَحلِفُ

اني احوزُ بذِكرِ فضلكِ نَشوةً

فكأَنَّ مدحكِ يا بتولةُ قَرقَفُ

فلكِ السلامُ من الذي منكِ ابتدا

متجسِّداً وهو الالهُ الأَشرَفُ

ما زُخرِفَت ابياتُ مدحكِ في الوَرى

اذ لم يُفاخِر حُسنَ مدحكِ زُخرُفُ

وتخلَّصت ببَراعةِ المدحِ الذي

حُسنَ الخِتامِ بهِ وفيهِ يُتحَفُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن نيقولاوس الصائغ

avatar

نيقولاوس الصائغ حساب موثق

العصر العثماني

poet-nicolaos al-sayegh@

342

قصيدة

33

متابعين

نيقولا (أو نيقولاوس) الصائغ الحلبي. شاعر. كان الرئيس العام للرهبان الفاسيليين القانونيين المنتسبين إلى دير مار يوحنا الشوير. وكان من تلاميذ جرمانوس فرحات بحلب. له (ديوان شعر - ط) وفي ...

المزيد عن نيقولاوس الصائغ

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة