الديوان » العصر العثماني » نيقولاوس الصائغ » ممنع عهد لم يضع عنده عهد

عدد الابيات : 59

طباعة

ممنَّعُ عهدٍ لم يَضِع عِندَهُ عهدُ

لأَمنَعِ وِدٍ لا يُهانُ بهِ وِدُّ

بَعُدتُ ولم تَبعُد علي مَحَبَّةٌ

لِرَبِّ إِخاءٍ لا يغيِّرهُ البُعدُ

وما انا ممن يخلف الوعد خيمه

فما مخلف بالوعد إلا الفتى الوغد

تُطِّلُني بالقُرب وَهيَ تَعِلَّةٌ

فهل نَهلةٌ لي منك يا أيُّها الوِردُ

كأنكَ أمسٌ أو سِهامٌ أو القَضا

تَمُرُّ بإِسراعٍ وليسَ لها رَدُّ

سدَدتُمُ دوني بابَ وصلكمُ فهل

لإِسكندرِ القرنينِ ما بيننا سُدُّ

وما كلُّ ذي هجرٍ يؤَلِّمُ هجرُهُ

ولا كلُّ معشوقٍ يَلَذُّ بهِ الوجدُ

من الوصلِ ما يُستعذَبُ الهجرُ دُونَهُ

ويَعذُبُ أما غاضَ وِردُ الوَفا الصَدُّ

يُسهِّدُني ذِكرُ الليالي التي مضت

سَهدتُ ولكن حَبَّذا ذلكَ السُهدُ

فجَفنُ عُيوني لا يُلِمُّ غِرارُهُ

وأَنَّي كَرَى عينٍ على حدها حدُّ

تملَّكتَ كُلِّي بالصنيعِ وإِنَّني

لديكَ فُؤادي والحُشاشةُ والكِبدُ

فهَبكَ حُساماً والديارةُ غِمدهُ

فهلَّا لسيفٍ أَن يُباعِدَهُ الغِمد

سقتكِ الغوادي يا معاهدَ معهدي

ويا عهدَنا باللَه باكَرَكَ العهد

رَعَى اللَه ديراً أنتَ فيهِ ولا تَزَل

عليهِ ظِلالٌ بالنعائِم تمتدُّ

وأحيىَ الحيا أَحياءَهُ ورُبوعَهُ

وحيَّى مغانيهِ الملائكُ والوَفدُ

فواللَهِ إِنّي لستُ أَجحَدُ حُبَّهُ

فشرُّ الوَرَى مَن كانَ شِيمتَهُ الجحدُ

فان أَنسَ ذاك الحُبَّ والوُدَّ تَنسَني

يميني ويُخبَن ثم يُخبَر بها الزَندُ

تَلَذُّ ليَ الأشواقُ فيهِ كأَنَّها

حَلاوةُ قندٍ أو خلائقهُ الشهدُ

أثيرٌ خطيرٌ حازمٌ مُتَهذِّبٌ

أثيلٌ فضيلٌ جِهبِذٌ ما لهُ نِدُّ

وأبلغُ من أَملَي وأفصحُ من رَوَى

وأبهى الوَرَى خُلقاً وخَلقاً إذا عُدُّوا

صنائعهُ النُعمَى وأقوالهُ الهُدَى

وأفعالُهُ الحُسنَى وسِيماؤُهُ الرُشدُ

وأثوابُهُ التقوى وبُردتُهُ الحِجَى

ومَوطِنُهُ العُليا وحِليتُهُ الرِفدُ

مَخايلُهُ روضٌ وأَخلاقُهُ الصبا

ونَفحتُهُ زَهرٌ ونَكهتُهُ الرَندُ

فكلٌّ من الصَلصالِ اصلاً وطِينةً

ولكنَّ ذا من أصلهِ المِسكُ والنَدُّ

سليلُ كرامٍ قد حَيي فيهِ ذِكرُهم

كأَن لم تَمُت أَسلافُهُ الأَبُ والجَدُّ

إذا فاهَ خِلتَ اللؤلؤَ الرَطبَ مَلفِظاً

وكم منهُ في جِيدِ النفوسِ لهُ عِقدُ

غَنائي وذُخري واعتِمادي وسيِّدي

ومَن لي بهِ مولىً واني لهُ عبدُ

فمني اليهِ المدحُ والسُحبُ تستقي

من البحرِ ماءً وهو للبحرِ يرتدُّ

فتىً كادَ من تهذيبهِ كلُّ جامحٍ

مع الشاءِ يألفنَ الأساودُ والأُسدُ

يُخلِّصُ بينَ الماءِ والراحِ رأيُهُ

ويألَفُ ضِدّاً من سكينتهِ الضَدُّ

بسيطٌ وأَعراضُ الفضائِلِ قائِمٌ

بها شخصُهُ القُدسي وجوهرُهُ الفردُ

وَداعةُ موسَى قد ثوت في جَنانِهِ

وغَيرةُ ايليَّا يلينُ ويشتدُّ

فيخضلُّ من ترغيبهِ العودُ يابساً

وتَيبَسُ من ترهيبهِ القُضُبُ المُلدُ

تلينُ لهُ في وعظهِ وخِطابهِ

قلوبُ الورى لو أَنَّها الحَجَرُ الصَلدُ

ويَهجُرُ جمعَ المال سامعُ وعظِهِ

ولو أَنَّهُ فيما تكلِّفُهُ الخُلدُ

فكم طامعٍ بالعيش اصبحَ ناسكاً

لِأَن عادَ سِيماهُ الزَهادةُ والزُهدُ

إذا قام يوماً خاطباً تُبصِرُ الوَرَى

لفرطِ تَباكيهِم لهم مُقَلٌ رُمدُ

تَسُحُّ الدِما لا الدمعَ حتى تَخالُهم

كأَنَّ شُؤُوناً منهمُ غالَها الفَصدُ

يُدَكدِكُ طُورَ الإِثم من كل صَعقةٍ

بأَغوارِ أَنجادِ القلوبِ لها رَعدُ

تكادُ تُضِيءُ النارُ من نَفَثاتِهِ

ويلمعُ جهراً من جوانحِهِ الوَقدُ

ويُضرِمُ من عزم الحَرارةِ أَنفُساً

ويَقدَحُ ناراً ليسَ يَقدَحُها الزَندُ

كانَّ بهِ موسى بسينا وشعبُهُ

هَلُوعٌ وقد وافاهُ من ربِّه العهدُ

لهُ زَأَراتٌ تبايعوهنَّ أَجمَعَت

فرائصهم في المِنبَرِ الاسدُ الوَردُ

فهل إِن بُوقاتِ القيامةِ شُرَّعٌ

وهل تلكمُ الاشباحُ أَخرَجَها اللحدُ

فان كان مجدُ اللَهِ يَسلُبُهُ الوَرَى

بإِثمٍ بهِ للَهِ قد يُوجَبُ المجدُ

أَصُورةَ بِرِّ اللَهِ في الناسِ حيَّةً

فريدةَ حسنٍ ليسَ قبلٌ ولا بعدُ

ومرآةَ عدلِ اللَه من دونِ شُبهةٍ

لك المجدُ بعدَ اللَهِ والشُكرُ والحمدُ

شأَوتَ الوَرَى فضلاً فمالكَ سابقٌ

ولا لاحقٌ لو ظَلَّ طولَ المَدَى يعدو

وليسَ لَمِا أدركتَ في الدهرِ مُدرِكٌ

ولو جَهَدَ الساعي وأَجهَدَهُ الجَهدُ

فهذا هُوَ القِدحُ المُعلَّى وانَّهُ

لكلِّ سِهامٍ عن إِصابتهِ صَردُ

واسبق في الغاياتِ كُلّاً لِأَن غدا

يُقصِّرُ عن إِدراكهِ الفَرَسُ النَهدُ

سميُّ بشيرِ البِكرِ مريمَ والتي

بها انجابَ ليلٌ بالضلالةِ مسودُّ

بتولٌ وأُمٌّ حيَّرَ الفَهمَ امرُها

أَبَى اللَه ان يَحوِي فضائلَها حدُّ

أَبَت ان تَرُدَّ السائليها لأنها

لها مُزنُ جُودٍ ما لسائلهِ ردُّ

هيَ الحُسُنُ الموموقُ من كل مُتَّقٍ

فما هندُ ما بينَ الانامِ وما دعدُ

نِعِمَّا سُعودي حُبُّها وسَعادتي

ولاحظَّ لي من دونهِ لا ولا سعدُ

حِماها غدا للمستجيرِ حِمايةً

ولا غورَ يَحميهِ سِواها ولا نجدُ

عليها سلامُ اللَه ما غرَّدَت ضُحىً

حَمامةُ روضٍ فوقَ أَدواحِهِ تشدو

وسارت مَطِيُّ العِيسِ سارعةً إلى

حِماها بمدحٍ ظلَّ سائقُها يحدو

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن نيقولاوس الصائغ

avatar

نيقولاوس الصائغ حساب موثق

العصر العثماني

poet-nicolaos al-sayegh@

342

قصيدة

33

متابعين

نيقولا (أو نيقولاوس) الصائغ الحلبي. شاعر. كان الرئيس العام للرهبان الفاسيليين القانونيين المنتسبين إلى دير مار يوحنا الشوير. وكان من تلاميذ جرمانوس فرحات بحلب. له (ديوان شعر - ط) وفي ...

المزيد عن نيقولاوس الصائغ

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة