أبثُّك ما فِي النّفس لست أُرائي
أَنا بعض قَتلى حبّك الشهداءِ
ألِفتُ البكا إِذ عَزَّ فيك عزائي
إِلى أَن بَكتْ أَرضي معي وسمائي
وإِنّي لراضٍ عنكَ في هذه الحالِ
بفيض دموعي فيك سكباً على سكْبِ
بعطفك في ذاك الرضى قبل ذا العتْبِ
بما بيننا من عفّةٍ زمن القربِ
بما جرّدت عيناك من صارِمٍ عضْبِ
أَجِرني من الخَدِّ المطرَّز بالخالِ
تَغيّبتَ فالأعداءُ بي منك تشمتُ
تؤلِّف شملي تارةً وتشتّتُ
تكاد الرُّبى من ماءِ عيني تنبتُ
تُترجم عمّا في ضلوعي فأسكتُ
على أنّ قلبي لا صَبورٌ ولا سالِ
ثَوَيْنا ونحن اثنان والله ثالثُ
ثلاث ليالٍ لا ترانا الحوادثُ
ثياب سوانا دنّستها الخبائثُ
ثقاة الهوى ماتوا وإنِّي لَوارثُ
فَرُبَّتَ حالٍ ناسبت بين أشكالِ
جنا الورد ذا أم خدُّك المتضرّجُ
جنيت بلثمِي فالشقيق بَنَفْسَجُ
جمالٌ مُوشَّى بالنَّعيم مدبَّج
جرى فوقه ظِلٌّ من الخُلد سجسجُ
فحيّيتُ من حورِ الجنان بتمثالِ
حبيبٌ يجدّ الشوقُ بِي وهو يمزحُ
حرام على عيني الكرى حين ينزحُ
حياتِي كموتِي لا بل الموت أروحُ
حروب الهوى تُمسِي عليَّ وتُصبحُ
تُغير على قلبِي وصالح أعمالِي
خليليّ كم من أشيبٍ مثل شارخِ
خليعٍ لحكم الشّيب بالحبّ فاسخِ
خِضاَبٌ وغَيٌّ لا أبالي بلاطخ
خِراد الصّبا يحللن عقد المشائخِ
وَهذا الّذي يسبِي المحبّين أمثالِي
دعا فأجاب القلب لا أتجلّدُ
دليلُ اِشتياقي زفرةٌ تتجدّدُ
دنا أجلي حتّى متى أنا مُبعد
دمي هدرٌ لا يؤخذ المُتقلِّدُ
شرانِي رخيصاً في الهوى وأنا غالِ
ذللت وذلّ العاشقين لذيذُ
ذوى عود صبرِي فالعزاء جديدُ
ذَرونِي لدائِي لست منه مُعيذُ
ذباب حُسام اللحظ منه هذوذُ
فها أنا قتّالٌ به كلّ قتّالِ
رُزئتُ ولكنَّ المحبَّ صبورُ
رجوت دُنُوِّي منك وهو عسيرُ
رسول الهوى لحظٌ إِليك يشيرُ
رعاةُ الخنا والكاشحون كثيرُ
بودِّي فلا تكشف لهم سرّ إرسالِي
زيارةُ طيفٍ وعده ليس يُنْجَزُ
زهيت به حبّاً وقُربك مُعْوِزُ
زُجِرتُ وقلبِي بالصّبابة يُحْفَزُ
زفيرُ الهوى من غيظه يتميّزُ
فهلّا رثى حبِّي وقصّر عذّالِي
سلبتنِيَ اللّبّ الّذي أنا لابسُ
سقى اللّه عهداً منك مغناه دارسُ
سُررت به فالعيش ريّانُ مائِس
سأندبه والقلب راجٍ وآيِسُ
وأبكي على ما كان في الزمن الخالي
شعارِي ضنى جسمي وجمرُ الغضا فَرْشِي
شفائي بلحظ العين من أعين الوحشِ
شَوادِنُ يَصرَعن الأسودَ بلا غِشّ
شوارد إلّا أنّها بيننا تَمشي
وَسيّدُها ذو الخال غاية آمالي
صفا الودُّ لولا جحفل منك ناكصِ
صهيل وزأْرٌ واِرتعاد فرائصِ
صلادم تحمي السّربَ من كلّ قانص
صَدقت وربّ المشعرات الرّواقصِ
بِبطن مِنىً ما فيك حَوْلٌ لمحتالِ
ضللنا فلمّا لاحَ منكَ وميضُ
ضمنتَ لنا أنّ الحَنادِسِ بيضُ
ضِياءٌ جناح اللّيلِ منه مهيضُ
ضُحىً في دجىً لَوْ عِيدَ فيه مريضُ
كأَجفان من أهوى ولكنّه سالِ
طللتَ دمي ما أنت إلّا مسلّط
طعينُ الهوى ما هكذا يتشحّطُ
طبيبي حبيبي والعوائِد تغلط
طويل سقامي وهو فِيَّ مفرّطُ
وما ضرَّه لو كنت منه على بالِ
ظفِرت بلاحٍ لحيه ليس غائظُ
ظنينٌ وما للعاذلين حفائظُ
ظرُفْتُ فلم تصرف هواي المواعظ
ظُباه ضياء العين وهي اللّواحظُ
أَبت لي صون النفس والعِرضِ والمالِ
عرفت ذنُوبِي هل إليك شفيعُ
عثرتُ أَقِلْنِي أو فسوف أَضيعُ
عقابك مثلي أنت عنه رفيعُ
عُبَيْدٌ ذليل سامعٌ ومُطيعُ
ومولىً عزيز من طِرازِهمُ العالِي
غلطت وهل عذري لديك بسائغ
غضبت وما قدرِي هناك ببالغِ
غرور لشيطان من الأنس نازغ
غرام وهمٌّ ثم هِمْتُ بفارغِ
وذا عجبٌ سخط الرّعايا على الوالِي
فديتك أنِّي من جوى الحبّ مُدنفُ
فما لي أُعنَّى في الهوى وأعنَّفُ
فراقكَ لي ظلمٌ متى أَنت تُنصف
فأسعدُ بالوصلِ الّذي كنت أعرفُ
وأرضى بإدلال الحبيب وإذلالِي
قَلِقْتُ وما قلبِي إذاً بمُطيق
قلى بعد وُدٍّ من يُفرّجُ ضيقي
قُطِعْتُ وسدَّ الكاشحونَ طريقِي
قدِيرٌ على بلواي غير شفيقِ
يُقطّع بين الهجر والوصل أوصالي
كَشفت قناعي فيك واِنقطع الشكّ
كأن لم يكن حلمٌ لديَّ ولا نُسْكُ
كرام الهوى مثلي شَكوا مِثل ما أَشْكُو
كؤوسَ رحِيقِ الحبّ خاتمها مِسْكُ
ولا سيما من حبّ هذا الرَّشا الغالِي
لواحظها ممّا يمرّضها قتلي
لمَاهُ حياتِي لو شفانِيَ بالوصلِ
له مهجتي فَليَقضِ بالجَور والعدل
لها وعليها وهي منِّيَ في حِلِّ
وإن زادنِي سُقْماً وضَنَّ بإِبلالِ
مُدِلٌّ مُدَالٌ في القلوب مُحَكَّمُ
مُحِلٌّ لوصلي تارةً ومُحَرِّمُ
معانِي الهوى من غُنْجِ عينيه تُفْهَمُ
مَلُولٌ فمن يهواه يشقى وينعَمُ
بِلا ونعم ما بين تيهٍ وإدلالِ
نكثتَ وساءت بي عليكَ ظنونُ
نصيح المُعَنَّى بالمِلاحِ ضنينُ
نهتني النُّهى والعُذْرُ فيك مُبِينُ
نَعوني وقالوا ميّتٌ فدفينُ
ولو زُرْتَ قبري قمتُ أسْحَبُ أذْيالِي
هوىً قلتُ للنّاهين عنه سأنتهي
هَزِئْتُ بهم لا عنه بل فيه أنتهي
هوايَ سَنَى وجهِ الحبيب المموّهِ
هلالِي وروْضي إن أردت تنزُّهي
فمن خدّه نُقْلِي ومِن فِيهِ جِرْيالِي
وَصُولٌ قَطُوعٌ ذو عَفَافٍ وذُو عَفْو
ولا بدّ لي منه على المُرّ والحلْوِ
وفَى لِي فكنّا في سرورٍ وفي لهو
ولكنَّها الدّنيا مكدّرَةُ الصّفوِ
فَتلكَ الليالي أدبَرَتْ بعد إقبالِ
لأستمطرنّ العينَ خِلْواً وفي الملا
لآلٍ ويتلوها عقيقٌ وكيف لا
لأسعدتني لو كنتَ مِثْليَ مُبتلى
لأَنْتَ مُنَى نفسي كما كنتَ أوَّلا
وَلَو متُّ وَجداً ما اِنقضت فيك أشغالي
يرانِي قتيلاً في هواه فَيَسْتَحْيي
يقول غداً آتيك مُسْتنكرَ الزِّيِّ
يُمنِّي بوصلٍ ثمّ في وعده يُعيي
يُريدُ ويأْبى حاجة الميّت الحيِّ
وأَحْسبُ تَعْليلي يُجَدِّد إِعلالي
علي بن عبد الغني الفهري الحصري، أبو الحسن.
شاعر مشهور، له القصيدة التي مطلعها:|#يا ليل الصب متى غده|كان ضريراً، من أهل القيروان، انتقل إلى الأندلس ومات في طنجة. اتصل ببعض الملوك ...