الديوان » العصر العباسي » ابن الهبارية » خرجت من بعض ضروب البصره

عدد الابيات : 211

طباعة

خَرَجت مِن بَعض ضُروب البَصره

في رفقة مِن عامر للعمره

حَتّى إِذا كُنا عَلى رَمل الحمى

وَقَد خَبطنا جَوف لَيل مظلما

في لَيلة باردة مطيره

رِياحها شَديدة كَثيرة

قالَ أَصيحابي اِنزلوا فعرسوا

فَاللَّيل داج وَالرِّفاق نعسوا

فَعرس القَوم بِواد ذي شَجر

وَلَم أَزَل أربؤهم إِلى السحر

في لَيلة ذات رِياح وَمَطر

لا نجم في سَمائِها وَلا قمر

حَتّى إِذا الفَجر بَدا للناظر

وَحانَ حينَ رحلة المُسافر

هَب أَصيحابي مِن الرّقاد

إِلى ظُهور الإبل وَالجِياد

وَثوروا وَانطلقوا خلست

وَقُلت لا ضير إِذا احتبسَت

فَظلت في أَصل كناس للحمر

وَقَد سكرت بِاللغوب وَالسهر

فَنمت للحين جَميع يَومي

ثَم اِنتَبَهت فَرقاً مِن نَومي

فَقُمت مَرعوباً مَع الأَصيل

جوعان عَطشان بِلا دَليل

اعتكر اللَّيل وَزادت حيرَتي

في جنحِهِ وَجوعَتي وَخيفَتي

وَلَم أَجد في الحَزم غَير المَكث

في مَوضِعي خَوف التوى وَاللبث

وَقُلت إِن سرت بِغَير هادي

ضَللت في أضواج هَذا الوادي

وَخِفت مِن سِباعه وَجنه

وَلَم أَبل مِن سَهلِهِ وَحُزنِهِ

ثَم هَجَمت في مَكاني جاثِماً

وَكُنتُ في ذاكَ الهُجوم حازِما

وَلَم أزَل انظُر في النَواحي

وَأرهب الجَرس مِن الرِّياح

حَتَّى بَدا شَخص فَحدقت النَّظَر

وَلَم أَكد أثبتهُ مِن الحَذَر

ثُم بَدا لي فَرَأيت رَجُلاً

شَيخاً يُناجي صاحِباً مكتهلا

قَد أَكثَرا الخِصام وَالجِدالا

وَأَعلَنا الشِّجار وَالمَقالا

وَافتخرا وَكَثرة المُفاخرة

تَدعو إِلى العِناد وَالمُشاجرة

فَكانَ قَول الشَّيخ قومي الهند

الحُكماء العُلماء اللد

لَهم علوم وَحلوم وَفطن

وَحكمة بالغة إِذ تمتحن

لَو لَم يَكُن من فضلِهم إِذ يختبر

فَضل الرِّجال منصف وَيعتبر

إِلا الَّذي أَبدوه في الشطرنج

لِلناس مِن علم سَديد النهج

جد عَظيم لَقبوه هَزلا

يَصير الرأي الأفين جزلا

فيهِ إِشارات إِلى مَواعِظِ

نافِعة لِكُل واع حافِظ

قَد رَسَموها لِلهُدى مِثالاً

أَن الحَكيم يَضرب الأَمثالا

يَعنون أن العَيش في التَدبير

وَلَيسَ بِالقسمة وَالتقدير

وَالمَرء لِلأَفعال مُستَطيع

مُحكم يحفَظ أَو يضيع

وَذَلِكَ العَدل بِلا خِلاف

لَو وفق الرِّجال لِلإنصاف

قالَ لَه الكَهل وَقَومي الفرسُ

الحُكماء ما بِذاكَ لَبس

لَهُم سِياسات وَتَدبير حسن

كَالشّرع عَدلاً في الفُروض وَالسنَن

وَملكهم معتضد بِالحكمه

كَأَنَّهُم قَد أيدوا بالعصمه

لا نَعبد الأَصنام وَالأَوثانا

وَلا نَرى الظُلم وَلا العُدوانا

وَالعَيش بِالرزق وَبِالتقدير

وَلَيسَ بِالرَأي وَلا التدبير

وَقَد وضَعنا النرد لِلمثال

لَو فطنت بَصائر الرِّجال

وَما قَصدنا بِالفصوص اللعبا

حاشا لَنا لَكن قَصَدنا الأَدَبا

وَإِنَّما سمى لعباً حيله

تَخفى بِهِ ما فيهِ مِن فَضيلَه

وَإِنَّما يَعشقه الرِّجال

لأَنَّهُ لَعب كَما يُقال

وَلَو دَروا أَن المُراد الأَدَبُ

بِوضعِهِ وَصُنعِهِ ما لَعبوا

فَالحَق قَد تعلمه ثَقيل

يأباه إِلا نَفَر قَليل

وَأَنما أَخفيت المَصالح

وَموه القَول الشَّفيق الناصح

وَدَلَستُ بِظاهر اللذات

كَم راحة تَكمن في أَذاة

كَمثلما رَكبت الأَلحان

وَوضعت للحكمة العيدانُ

يَظنها الجاهل لَهواً وَلَعب

وَلَو دَرى بِوضعِها ماذا طُلب

مِن راحة الروح وَبَسط النفس

وَهزها لطبعها بِالأنس

لَم يَستَمع قط الغناء وَنَفر

عَنهُ لان الحَق ما فيهِ وَطر

قالَ لَهُ الهندي هَذي حجَتي

سَلَكت فيما جئته مَحجتي

شَطرنجنا لمثل هَذا وَضعا

أَول فَن في العُلوم اِخترعا

وَفَضله باد بِغَير مين

ما أَوضَح الصُّبح لذي عَينين

وَإِن بُرهاني فيه ظاهِر

وَالحَق لا يَدفعه المكابِرُ

يَكفيك مِن شاهد ما ذكرته

أَمر بِعَيني هَذهِ نَظرته

أعدل قاض قَلد العيانُ

وَلَيسَ فَوقَ حُكمِهِ بُرهانُ

إِن الأَمير المزيديَّ صدقه

بِنَفسِهِ الفاضلة الموفقة

نالَ العُلا وَساسَ أَمر ملكه

حَتّى غَدا منتَظِماً في سلكه

وَلَيسَ شَيء غَيره يُساعده

بَل كُل شَيء في الوَرى يُعانده

الوَقت وَالقِران وَالرِّجال

وَهوَ بِلُطفِ رَأيهِ يَحتال

بِجده وَلطفه وَكَده

وَحذقه في كَيدِهِ لا جنده

فبان أَن الأَمر بِالمحاله

كَفى بِما ذَكَرتهُ دَلاله

أَول رَمز في اِعتِبار الطَّبَقه

لأَنَّها عِندَهُم محققه

لا يَلعَبنَّ أَبَداً مَع مُحسن

مجود فذاكَ فعل الأَرعن

كَذاكَ لا تُحارب القويا

مِن العَدو إِن تَكُن ذَكيا

فَإِن من حارب من لا يَقوى

بِحَربِهِ جَر عَلَيهِ البَلوى

وَحارب الأَكفاء وَالأَقرانا

فَالمَرء لا يُحارب السلطانا

وَإِن من رُموزِها لَو يعتبر

لاعبها بِأَمرِها وَيَفتَكر

يا أَيُّها الإِنسان كُن في الدنيا

كَلاعب الشطرنج وانحُ المَعنى

محترِزاً مِن العَدو مُحتَرس

تَنج وَتَسلم مِن أَذاه وَتكس

فَالحين في الأَهوان وَالتجوز

وَالحَزم كُل الحَزم في التحرز

وَانتهز الفُرصة إِن الفُرصة

تَعود إِن لَم تَنتهزها غَصه

وَاِسبق إِلى الأَجود سَبق ناقِد

فَسَبقك الخَصم مِن المكابد

كَسَبق أَهل الشام أَصحاب عَلى

كَيداً إِلى ماء الفُرات السلسل

فَلَم يَزَل أَهل العِراق هيما

حَتّى جَلوا دُجى الوَغى البَهيما

وَالشاه لا يخضر عِندَ الشاه

فَإِنَّها مِن أَعظَم الدَّواهي

وَقَد رَأينا أَمس في زَمانِنا

وَحَسبنا المُدرك في عياننا

لَما أَتى طغرلنكُ بَغذاذا

وَلَم يَجد مِنهُ امرؤ معاذا

جاءَ إِلَيهِ الملك الرحيم

مُستَقبلاً فَقالَ لا تريم

واستحضر الشطرنج للملاعبه

إِشارة مِنهُ إِلى المُحارَبه

حَتّى إِذا تَوَسطا في اللعبِ

جاءَ ابن ميكال بِأَمر عجب

صافح عَمداً شاهه بِشاهه

للطفه في الكَيد وَانتِباهه

فرد ذاكَ ابن بويه منكراً

فَلج طغرلنك حَتّى أَكثَرا

قالَ لَهُ وَغلط الرحيم

وَقَد لعمري يَغلط الحَكيم

ما جَرت العادة أن الشاها

يَدخل بيتَ الشاه قالَ آها

فَلم دخلت بَيتنا وَضحكا

أخطأ غرّ للرسوم تركا

ثُمَ أَشارَ أَن خذوه فاخذ

وَقامَ مِن بَين يَديهِ وَجبذ

فَكُن كَثير الحفظ وَالتوقى

وَسالِكاً فيهِ سَبيل الرفق

وَفتش الأُمور عَن أَسرارِها

كَم نكتَةٍ حتفك في إظهارها

لا تشرهن فَتَأخُذَن ما تَرَكا

وَانظر لِماذا ترك الرخ لكا

فَرُبَّما كانَت لَهُ مَكيده

في تَركِهِ عادته السديده

انظر وَفَكر أَبَداً في العاقبة

فَإنَّها عَن العُقول غائِبَه

لا تشرهن إِلى حطام عاجِل

كَم أكلةٍ أَودَت بِنَفس الآكل

وَبِئست العادة فاحذرها الشره

وَقس بِما رَأيته ما لَم تَره

وَاكرم الخيم العَفاف وَالظلف

وَالأُم الأَخلاق حرص وَصلف

وَاحذر فَكَم من سَكرة مَسمومه

حرص النُّفوس عادَةٌ مَذمومه

لا سِيما ما كانَ مِن عَدوّ

كَم صَبوَة جاءتكَ مِن سلو

لا تَفتح الدست وَلا الحَرب مَعاً

وَاِقنَع بسلم ما وَجَدت مقنعا

وَاِدفع اِساءات العِدى بِالحُسنى

وَلا تخل يُسراك مثل اليُمنى

وَاحفظ قَليل المال وَالكَثيرا

وَاحرس صَغير الجُند وَالكَبيرا

لا تحقرن راجِلاً في الفَيلَق

فَرُبَّما غلبته بِالبيذق

لا تَعطين شَيئاً بِغَير فائِدَه

فَإِنَّها مِن السَّجايا الفاسِدَه

لا تَيأَسَن مِن فَرج وَلُطف

وَقوة تَظهر بَعدَ ضَعف

فَرُبَّما جاءكَ بَعد الياس

روح بِلا كَد وَلا التِماس

فَإِن رَأَيت النَّصر قَد لاحَ لَكا

فَلا تَقصر وَاحتَرز أن تهلكا

وَالبَغي فَاحذره وَخيم المَرتع

وَالعُجب فَاتركه شَديد المَصرَع

عِند تَمام البَدر يَبدو نَقصه

ورُبَّما ضر الحَريص حِرصه

كَم بطرَ الغالب بَغيا فَتَرك

عَنهُ التوقي وَاِستَهانَ فَهلك

فرقع الخرق بلطف واجتهد

وَامكر إِذا لَم يَنفَع الصدق وَكَد

كَذاكَ في صَفين كانَ الأَمر

لَم ينج أَهل الشام إِلا المَكر

لَما رَموا بِالصيلم العَظيم

وَعَجِزوا دَعوا إِلى التَحكيم

وَاحرص لِتَأخذ بِالخداع ما له

وَلا تبق رجمة رِجاله

لا تحقرن مِنهم صَغيراً محتقر

فَرُبَّما أَسالَت النفس الأبر

أضعفهُ ما اِستَطَعت أن ضعفه

يدني وَإِن طالَ مَداه حتفه

وَأَبذل لَهُ نَفائس الأَموال

تَدفع بِها شَدائد الأَهوال

فَالمَرء يفدي نَفسه بِوَفره

عَساه أَن يَنجو بِهِ مِن أَسره

كَذاكَ في الشطرنج يَفدى الشاه

بِغَيرِهِ مِن فَرط ما يَغشاه

وَإِن أَتى في جَحفل عَظيم

مِن المَوالي وَمِن الصَّميم

فَإِن تَكُن كثرتهم مجتمعه

لطمع في النَّهب قَد جاوا مَعَه

فَاشغلهم بِالنهب عَنهُ واعكر

عَلَيهِ وَهوَ آمن لَم يَشعر

كَذاكَ قَيس بن زُهير فعلا

بِآل بَدر إِذ أَتوه جَحفَلا

لَما أَتى حُذيفة بن بَدر

في عَدَد سَد فجاج البر

قالَ الرَّبيع عِندَها لِقَيس

أَشر فَأَنتَ حُوَّلٌ ذو كَيس

فَقالَ قَيس ناصِحاً يا عَبس

الحَق باد لَيسَ فيهِ لَبس

ما فيهم ذو حَنق عَلَينا

وَما لَهُم مِن برةٍ لَدَينا

بَل كُلُّ مَن جاءَ لحرص وَطَمع

وَلَو حَوى شَيئاً مِن النهب رجع

وَلَم يُحارب عَن بَني ذبيان

مخاطراً بِالنفس وَالحصان

فخلَّفوا الأَموال وَالأَثقالا

وَغادَروها لَهُم أنفالا

فَكانَ ما دبَّر قَيس وَافترق

جَيش الفَزاري جَميعاً وَانطلق

وَجاءَهُم وَهُم عَلى الهباءة

فَساءَ قَيساً أعظم المساءة

وَرُبَّما ضرَّك بَعض مالكا

وَساءَكَ المحسن مِن رِجالكا

حَتّى تَود أنهُ لَم يَكُن

يَوم رَأَيت شَخصه في الزَّمَن

إِن اعتضاد الشاه بِالفرزان

مَوعِظَة في السر للسلطان

لِيتَقي في الخَطب بِالوَزير

مُفَوضاً إِلَيهِ في الأُمور

وَكُل إِنسان فَلا بُدَ لَه

مِن صاحب يَحمل ما أَثقَله

معاضد في رَأيهِ وَنصحه

موافق في حَربِهِ وَصُلحه

وَصاحب للسر ذي كتمان

مخالص في السر وَالإعلان

وَالشاه قَد يَحمل في الأَحيان

وَحربهُ أغيظ للأقران

وَذاكَ عِندَ شدة شَديده

وَشَوكة وَشيكة حَديده

سار ابن مَروان لِحَرب مصعب

وَقالَ إن سارَ سِواي يغلب

وَالحَزم كُل الحَزم في المُطاوَلَة

وَالصَّبر لا في سُرعة المُزاوَلَة

بِذاكَ شَيخ العَرَب المُهلبُ

في حَربِه الشراة كانَ يغلب

لا تحرج الخَصم فَفي إحراجِه

جَميع ما تكره مِن لجاجه

إِن عدياً إِذ تَعَدى الحَدّا

وَجاءَ في قَتل بَجير إِدَّا

واحرج الحرث لاقى شرا

وجر من إحراجه ما جرَّا

وَالعقد كَالخندَق في التّحصين

وَضَربه العَرضي كَالكَمين

فَإِنَّما الرِّجال بِالإخوان

وَاليَد بِالساعد وَالبَنان

كَذَلِكَ السُّلطان بِالرِّجال

وَالمال لا ملك بِغَير مال

لا تَطلب الغاية بِاللجاج

وَكُن إِذا كَوَيت ذا إنضاج

فَما أَتى القائم مِن أَهل اللعب

ذو قُوة ظاهرة إِلا غلب

وَقل ما يَلعَب بِالقَوائم

إِلا فَتى بِالحَرب غَير عالم

فَإِنَّهُ بَغى عَلى الرِّجال

وَذاكَ مِن دَقائِق الخلال

فَالبَغي داء ما له دَواء

لَيسَ لملك مَعهُ بقاءُ

لا تَغترر فيها بِفَضل قوتك

فَرُبَّما وَقَعت جوف هوتك

قَول زُهَير إِذ بَغى لِخالد

عَلى الَّذي أذكر مِنهُ شاهِدي

إقنع إِذا حارَبتَ بِالسلامة

وَاحذر فعالاً توجب الندامة

فَإن رَأَيت وَجه غَلب لائِحاً

فَكُن لأَقفال الدسوت فاتِحا

فَالتاجر الكَيس في التِّجارة

مَن خافَ في مَتجره الخَسارة

يَجهَد في تَحصيل رَأس ماله

ثُم يَروم الربح بِاحتياله

وَإِن هُوَ اِستَخفى عَن المُبارَزَه

فَأنتَ أَحظى مِنهُ بِالمناجزه

فَاخدعه كَي يَظهر لِلقاء

إِن الخِداع آية الدهاء

كَذلكَ المَنصور كادَ اِبنَي حسن

فَظَهَرا بَعد اختِفاء للمحن

مِن عقد الفيل أَو الفرزانا

أَو غَيرِهِ وَطَلب الأَمانا

فَكَيدُهُ حَتّى يَحل عقده

مفتتحاً بِيَده ما سَدَّه

هَذا قَليل مِن كَثير ما ذكر

بلعب الشطرنج فافهم وَاعتبر

قالَ لَهُ صاحِبه اسمع وافهم

فَإِنَّما العُلوم بالتعلم

في النرد أَيضاً حكمة عَظيمة

تدركها الخَواطر السليمة

في الناس من تسعده الأَقدار

وَفعله جَميعه إِدبار

فَلا يَزال بِقَبيح خُرقِة

يُفسد حال جَاهه وَرزقه

حَتّى تَرى سعوده نحوساً

وَيَنثَني ذاكَ النَّعيم بوسا

كمثل من تسعده الفُصوص

وَفعله مُزيف مغموص

كَما جَرى في نَوبة المخلوع

وَقصة الطائع وَالمُطيع

وَمِنهُم بِعكسه اللبيب

الجاهد الموفق الأَديب

إِن كاده الدَّهر بِسوء عنفه

قابل بَلواه بِحُسن لطفهِ

فَنالَ بالرفق وَبِالتَأَني

ما لَم يَنَل بالحرص وَالتعني

فَيَغتَدي وَهوَ الفَقير ذا نَشب

وَعقله وَلُطفه كانَ السَّبب

فَلا يَبين سوء فعل دَهره

عَلَيهِ مِن تَدبيره في أَمره

مثل عَليل يَلزم الدواء

فَيَقهر الأَمراض وَالأَدواء

فَذاكَ مثل مَن يَجور الفصُّ

عَليهِ فَهوَ بِالأَذى مُختَص

وَهوَ بِحُسن اللعب وَالتَدبير

يَسد خرق الفَص بِالتقدير

يَصلح إِفساد الفُصوص حذقه

وَيَرقع الخرق العَظيم رفقه

كَذَلِكَ المَأمون في تَدبيره

نالَ المُنى في البُعد مِن سَريره

وَمِنهُم مَن يَجمَع الحالين

فَيَغتَدي وَهوَ سَخين العَين

مثل بَني بويه لَما اِنقَضَت

أَيامهُم ما اِصطَلَحوا حَتى مَضَت

فَمثل ذاكَ الجاهل المَجدود

وَعَكس ذاكَ العاقل المَحدودُ

كمحسن في نَقلِهِ وَضَربِهِ

مثل معين جَدِّهِ بلبه

مثل ابن مَنصور وَلا مثل لَهُ

فَلا تشبه مَجده يا أَبلَه

أَورثه المَجد دَبيس جده

ثُم أَعانَ الإرث مِنهُ جده

فَقالَ سَيف الدَّولة المَسعود

كَأَنَّهُ في قَومِهِ مَعبود

بِرَأيهِ وَجوده وَبَأسِه

وَحكمه وَرفقه بِناسه

يَرتَبط الدَولة وَالسَعادة

وَيَقتَضي بِشُكرِها الزِيادة

فَهَذِهِ فيهِ رُموز أَربَعه

فَاغتاظَ مِنهُ خَصمهُ إِذ سَمِعَه

فَقالَ أَيضاً وَهوَ غَير آفك

في قَولِهِ وَالصدق دين الناسك

في مَدحِهِ النرد وَفيهِ حكمة

أُخرى لِمَن كانَ بَعيد الهمة

لأنهم حَكوا بِهِ أَمر الفلك

وَالجارِيات الزهر في ذات الحبك

يَطلب بَعضاً فَيَنال كلا

كَم مكثر عادَ بِهِ مقلا

فَبَعضهُم يَأنيه ما يُريد

فمثله في أَمرِهِ السعيد

وَبَعضهُم يَأتيه ضد ما رَجا

فَيَغتَدي مِنها مُغيظاً مُحرجا

وَبَعضهُم في مَوضع مُستأسر

كَأَنَّه معتقل محير

فُهوَ أَسير في يَدَيها عان

مُحتَرق القَلب لَما يُعاني

وَكُلما عاتبها وَسَبها

غَيظاً عصته وَأطاعت رَبها

كَذاكَ مَن يُنكر حُكم رَبه

وَلا يَكون راضِياً بِكسبه

وآخذاً ما جاءهُ بِشُكر

فَقَد أَتى في فعله بنكر

قالَ لَهُ الهندي وَهوَ صادق

لَكن لَنا فَضل عَلَيكُم سابق

تَصنيفنا كَليلة وَدمنة

يقضي لَنا بحكمة وَفطنة

كَم فيهِ مِن مَوعظَةٍ وَعلم

وَحكمة تعجب أَهل الفهم

قالَ لَهُ الفرسيُّ في سِواه

لَو كُنت ذا علم بِه معناه

قال وَما رَأَيتهُ قالَ أَجَل

ذاكَ لِنَقص فيك لَيسَ يحتمل

لَيسَ يضر البَدر في سَناه

أَنَّ الضَرير قَط لا يراه

كَم حكمة ضَجت بِها المَحافل

مَليحة وَأنتَ عَنها غافل

سَمعت بِاللَّه حَديث الناسك

إِذ راعَهُ اللَّيل بلص فاتك

فَقال لم أسمعه فاذكر أسمع

لا تَنفَع الأَخبار إِلا مَن يَعي

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن الهبارية

avatar

ابن الهبارية حساب موثق

العصر العباسي

poet-Ibn-Al-Habariya@

216

قصيدة

90

متابعين

محمد بن محمد بن صالح العباسي. نظام الدين، أبو يعلى، المعروف بابن الهبارية. شاعر هجاء. ولد في بغداد وأقام مدة بأصبهان، وفيها ملكشاه ووزير نظام الملك. وله مع الوزير أخبار. ...

المزيد عن ابن الهبارية

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة