الديوان » العصر العباسي » ابن الهبارية » قلت أفدنيها فقال قيلا

عدد الابيات : 197

طباعة

قُلتُ أَفدنيها فَقالَ قيلا

وَلَيسَ كُل خَبَر عَليلا

كانَ بِمصر رَجُلٌ خَباز

يَقذفه بِالرفض مَن يَجتاز

وَكانَ في كُل غَداةٍ يفتح

دُكانَهُ بِالجسر حينَ يُصبِح

ثُم يَقوم قائِماً فَيَخطب

وَيَمدَح الحاكم ثُم يطنب

وَيَلعن القادر لَعناً ظاهِرا

وَلَم يَكُن بِذَنبِهِ مُساتِرا

عِشرين عاماً وَإِذا ما ذَكَروا

بَغداد كادَ قَلبهُ يَنفَطر

لِبغضها وَبُغض مَن بَناها

وَود كُل الناس لَو يَراها

وَكانَ في بَغداد خَباز دبر

لَكنه بالنسك فيها مُشتهر

فَأَمر القادر حينَ أَحضَره

وقالَ هَذي بدرة مبدره

فَاِذهَب إِلى مصر وَدَع عَنكَ العلل

وَانصب عَلى الخَباز اشراك الحِيَل

عَساكَ أَن تقدمه العراقا

فَإنَّهُ قَد شَقني شقاقا

فَمر ذاكَ الشَّيخ يَبغي مصرا

حَتَّى أَتى جيزتها وَالجسرا

وَصبح الخَباز ثُم دَفَعا

إِلَيهِ دِيناراً وَكَيداً صنعا

فلمح الخَباز ضَرب القادر

فَثارَ للغيظ كَليث خادِر

وَضَرب الشيخ إِلى أَن أثخنه

وَشَتَمَ القادر ثُم لَعنه

وَقذفَ الدينارَ عَن يَديه

تطيراً إذ اسمه عليه

فَجَلَسَ الشَّيخ قَريباً يَبكي

وَالضرب في أَضلاعِهِ وَالفَك

وَقالَ قَول وَاله كَئيب

شر الخلال بغضة الغريب

شَيخ غَريب بائس كوفي

موحد معتقد شيعي

ضَرَبتموه إِنَّها عَجيبه

مِن مثلكم في الدين مِن مُصيبه

قَصَدتكم للدين مِن بِلادي

تَبَرماً بِصُحبة الأَعادي

فَسَمع الخَباز ذاكَ فَبَكى

وَجاءَ يَسعى نَحوَهُ تَنسكا

مُعتَذِراً مِما جَرى عَلَيه

مُقبلاً لِذَنبِهِ رجليه

يَقول خلت الشيخ بَغداديا

وَلَم أَخله مُؤمِناً كوفيا

وَساءَني اسم ذَلِكَ اللعين

فَكانَ ما فعلته للدين

فَطَلَب التحليل مِما فَعَلَه

وَتابَ مِن قَسوته فَحلله

وَقالَ إِني مثلكُم خَباز

وَحَقي الإكرام وَالإِعزاز

فَاِصطَلَحا وَاِتفَقا وَاِصطَحبا

وَاِشتَرَكا وَاتجرا وَاِكتَسَبا

وَزَوج المصري مِنهُ ابنته

وَأعمل الشيخ عَلَيهِ حيلته

وَلَم يَزَل يجهَد في التشنع

وَكَثرَة النِفاق وَالتصَنع

حَتَّى إِذا حالَ عَلَيهِ الحَول

وَجاءَ شَعبان عراه الوَيل

وَلَجَّ في البُكاء وَالنحيب

فَقالَ ما يبكيكَ يا حَبيبي

قالَ لَهُ شَوقي إِلى الزياره

وَخدمة المَشاهد المُختاره

وَالبَرَكات نازِلات فيها

وَلَم يَزَل بِجُهده يطريها

وَيورِد الفاسدَ وَالصحيحا

مِن فَضلِها وَيُكثر المَديحا

حَتَّى اِشتَهى المصري أَن يَزورَها

وَقالَ إِني مزمِعٌ حُضورَها

لَكِنَّني أَخاف بَطش القادر

فَقَد عَرَفت بَغضه المخامري

وَإِنَّني أسبه مُجاهِرا

فَحَق لي أَن أغتدى محاذِرا

قالَ لهُ الشيخُ وما يدريه

بحالنا ومن به يأتيه

كَم مثلنا يَزور كُل عام

مِن جهة الحِجاز وَالشآم

وَذاكَ عَنهُ غافل لا يَدري

لأَنَّهُ مِن جَهلِهِ في سُكر

فَلَم يَزَل بِقَولِهِ يغره

وَهوَ إِلى حمامه يَجره

حَتَّى إِذا ما قَدم العِراقا

وَفارق الأَصحابَ وَالرفاقا

فَكاتب القادر بِالحَقيقه

فَأخَذَت خيولَهُ طَريقه

وَأحضَروه وَهوَ في وَثاقه

لِسوء ما قَدم مِن شَقاقه

حَتَّى إِذا ما صارَ عَنهُ القادر

أَبدى لَهُ بشر الخدوع الماكر

وَقالَ حلوا قَيده وَالغلا

وَأنكر الفعل بِهِ فحلا

وَبرَّهُ وَلَم يَزَل في حُجرَتِه

مشاهِداً وَجد في عيادته

ثُم حَباه لَيلة بِأَلف

وَزادَ في إِكرامِه وَاللطف

وَقالَ لا تَسب مَن لا تَعرفه

إِنَكَ في اِغتِيابِهِ لا تنصفه

وَرَدهُ مِن وَقتِهِ إِلى الوَطَن

وَبغضه قَد صارَ حُباً وَشجن

حَتَّى إِذا ما فَتَحَ الدكانا

وَشاهد الإِخوانَ وَالجِيرانا

قامَ عَلى عادَتِهِ خَطيباً

وَلَم يَكُن في فعلِهِ مُصيبا

وَمَدح القادر أَي مَدح

مُعتَذِراً مِن جرحِهِ وَالقَدح

وَلَم يَزَل يَدعو لَهُ وَيَشكُره

وَبِالجَميل في الدعاء يَذكره

فَبَلَغَ الحاكم ذاكَ عَنهُ

فَساءهُ ما قَد أَتاه مِنه

وَاِشتاطَ مِما أَبلَغوه وَغَضب

وَأَصبَحَ الخَباز وَهوَ قَد صلب

وَرقعة في حَلقِهِ مُعَلقَه

نَحنُ صَلَبناه فَخلوا المخرقه

بِكَف مَن كانَ لَهُ يُوالي

وَذاكَ مِن مَحاسن الأَعمال

لا يلتحف بِإثمه وَعاره

خَير الأُمور الصَّبر في المَكاره

وَالرفق في التدبير وَالتلطف

لما يَشا وَأَنتَ لَم تعنف

عادَ إِلى عادَتِهِ صَبيحُ

وَإِنَّهُ محدث فَصيحُ

قالَ فَلَما شاعَت الأَخبار

وَاِنتَشَرَت بِذَلِكَ الآثار

كَذبَها جَميعها الأَمير

بِنَقدِهِ لأَنَّهُ تَحرير

لَكِنَّهُ صَدقَها في الظاهر

تَوصلاً بِها إِلى السرائر

فَزين النعمة وَاِستَقصاها

وَمَنَّ بِالمُهجَة إِذ أَبقاها

وَقالَ إِن النفي خَير لي وَلَك

وَمَن نَفى عَن أَرضِهِ فَقَد هَلَك

فَجئت هَذا البَلَد الغَريبا

وَلَم أَجد في ربعه نَسيبا

قالَ لَهُ الطاووس قَد عَرَفته

وَكُل ما شَرَحته فَهمته

وَهوَ هَجين الأَصل حينَ ينسب

وَالعرق دَساس إلَيهِ يجذب

كانَت لَهُ أُم من العقاعق

أشبهها في هَذِهِ الخَلائق

إِن الأُصول تَجذب الفُروعا

وَالعرق دَساس إذا أطيعا

ما طابَ فرع أَصلهُ خَبيثُ

وَلا زَكا مِن مَجدِهِ حَديثُ

قَد يَبلغون رتباً في الدنيا

وَيُدرِكون وَطراً مِن عليا

لَكِنهُم لا يَبلغون في الكَرَم

مَبلَغَ مَن كانَ لَهُ فيهِ قَدم

قالَ لَهُ البوم وَلِلبوم حكم

مغالطاً في قَولِهِ وَقَد ظَلَم

خَل الأُصول فَالكَريمُ من كرم

لا يُكرم الفرع إِذا الأَصل لوم

قالَ لَهُ الطاووس حَقاً قلتا

وَنعم يا صاحب ما ذَكَرتا

لَكنَّ مَن تَقابَلَت أَطرافه

في طيبِها وَكرمت أَسلافه

كانَ خَليقاً بِالعَلاء وَالكَرَم

وَبَزَغَت في أَصلِهِ خير الشيَم

قالَ لَهُ الطاووس خَلّ ما مَضى

وَذكرهُ فَإِنَّهُ قَد اِنقَضى

واعمل لَنا في حيلة تُنجينا

مِن شَرِّ ما نَلقى فَقَد أردينا

فَقالَ عِندي حيلة عَجيبه

تَنجو بِها مِن هَذِهِ المُصيبه

نَموت فيها فَإِذا رَآنا

مَوتى بِلا مَنفَعَةٍ أَلقانا

وَأَقبل الصياد وَهوَ جَذل

فأفلتتنا مِنهُ تِلكَ الحيل

فَأظهرا المَوت فَألقى البوما

وَقالَ مَن يَأخُذ ذا المَشؤوما

وَنَتف الطاووس حَتّى سَمطه

مَحَبةً لِريشِهِ وَخرطه

فَلقي العناء وَالعَذابا

مَن شاوَرَ الأَعداء ما أَصابا

وَذَهَب الصياد عَنهُ وَبَقى

مُنطَرِحاً في حيرة لما لَقى

وَقالَ لَو أَني أَجدت ما جَرى

عَليَّ مِن جَورِ الأَنيسِ ما أَرى

فَإِنَّهُم لا يذبَحونَ مثلي

قَصدهم حسني دونَ أَكلي

فَلم فَعلتُ ما فَعَلتُ خائِفا

مِنهم فَأَصبَحت سَليباً تالِفا

كَذاكَ مَن يَستَصحب الأَعادي

يردونَهُ بِالغش وَالإِفساد

قالَ لَهُ البومُ أَخَذت ثَأري

مِنكَ وَبَردت غَليل صَدري

وَجاءهُ يَنقره وَيَضربه

وَلَم يَزَل مُجتَهِداً يعذبه

قالَ لَهُ وَيحَك ما ذَنبي أَنا

تَأخذني ظُلماً بِذَنب من جَنى

أَيؤخذُ البريُّ بالسقيم

وَالرجل المُحسن بِاللئيم

قالَ نَعم ثَأري عِندَ الجنس

وَلَيسَ يَشقى غَير ذاكَ نَفسي

قالَ جَمَعت الجَهل وَالجُبن مَعاً

عيبان ما ظَننت أَن يَجتَمِعا

جُبناً عَلى العَدو وَالجَهل عَلى

سِواه في القَبيح ناراً تَصطلي

حَتَّى إِذا أَدماهُ مرَّ عَنهُ

وَقَد شَفى الحقد القَديم مِنه

فَلَم يُطق سَعياً وَلا حِراكا

وَعايَن الحيرة وَالهَلاكا

فَجاءهُ أَبو الحصين الثَّعلب

وَما أَطاقَ هَرَبا فَيَهرب

فَاِنتاشَهُ في فَمه وَعادا

لِيُطعم الزوجة وَالأَولادا

حَتَّى إِذا جاءَ بِهِ إِلَيهم

أَلقاه مِن أَنيابِهِ لَدَيهِم

وَقد رأَي المَوت عيانا فَدَعا

رَباً لَطيفاً بِالوَرى قَد صَنَعا

لَهُ وَقَد ظَلَّ حَزيناً محرجا

مَن يَتقي اللَّه يُصادف مَخرَجا

فَقالَ لِلأُنثى أَنا عَليل

وَإِن جِسمي فاعلمي نَحيل

وَعاقل لا يَأكُل العَليلا

تحرزاً لا سيما نَحيلا

فَإِنَّهُ يعديهِ بِالسقام

وَأكثر الداء مِن الطَّعام

فَلَو صَبَرت مُدة عَن أَكلي

كَيما تَزول علَّتي وَسِلِّي

وَرُبَّما سَمنت أَيضاً فَالسمن

يطيب اللحم وَيرطب البَدَن

وَها أَنا لَدَيكُم أَسير

مثلي لا يَسعى وَلا يَطير

فَناجت الأُنثى بِذاكَ الذكرا

قالَ لها خَديعة ما ذكرا

فَغَضِبَت مِن قَولِهِ وَقالَت

أَكل العَليل علة مازالَت

تريد أَن تَقتُلنا بِلحمه

أَخاف أَن يعدينا بِسقمه

فَغلبته قال أَنت أَدرى

لَست بِدان مِنهُ حَتَّى يَبرا

قالَ لَها إِنِّي أَخاف غَدره

وَلَست بِالآمن وَيك مكره

فَاستَحلِفيه لي بِالطلاق

فَرُبَّما يَصدق في المِيثاق

قالَت لَهُ إِحلف لأَجلي فَحَلَف

لا ناله مادامَ ذا سَقمٍ تلف

فَظَلَّ يَسعى نَحوَ حجر الثَّعلب

وَيرتَعي مِن مطعم وَمَشرَب

حَتَّى إِذا صَح وَطالَ ريشه

وَصارَ لا يُمكن من يَحوشَه

طارَ إِلى غُصن رَفيع فَوقَع

عَلَيهِ وَهوَ آمن أَن يتبع

قالَت لَهُ الأُنثى وَخافَت بَعلَها

وَقَد رَأَت مِما جَنَتهُ جَهلَها

قَد خُنت بِالعُهود وَالأَيمان

غَدراً وَما الغَدر مِن الأَيمان

فَعد إِلَينا آمناً لا خائِفاً

فَلَست تَخشى عِندَنا المتالفا

فَقد أَلفناك وَعدت كَالوَلَد

وَلَست ما عشت لَدَينا مُضطَهد

قالَ لَها خدعت وَالحَرب خدع

فَاستيئسي لا تَطمَعي في أَن أقَع

وَعادَ مَسروراً إِلى أنثاه

وَقَصَّ للطيور ما عاناه

قالَت لَهُ الأُنثى عَجيب ما جَرى

وَفَضله باد لِمَن تَفَكَّرا

يخدعك البوم زَمان المحنه

وَهوَ سَفيه لَيسَ فيهِ فطنه

وَتخدع الثعلب وَهوَ داه

لَيسَ بِذي جَهل وَلا سفاه

إِذ جاءَت الدولة وَالسَّعاده

تَمت لَكَ الحيلة وَالإرادَه

وَالفَضل نَقص في زَمان الحَد

وَالنَّقص فَضل في أَوان الجد

قالَت لَهُ العَنقاء حَقاً قلتا

عَلمت يا هَذا وَما جهلتا

لَكن في الأنس عُيوباً أُخرى

وَأَنتُم مني بِذاكَ أَدرى

كُفرهم بِرَبهم وَفسقهم

وَقَتلهم أَنفسهم وَحمقهم

وَبُخلهم وَالمال غَير باق

وَحرصهم وَالعَيش بِالأَرزاق

وَجَمعهم وَقَد دَروا بِالمَوت

وَحزنهم عِندَ الردى وَالفَوت

قالَ الصبا أَتثبت المَعبودا

أَم أَنتَ مِمَن يظهر الجحودا

قالَ وَهَل يُمكن في العُقول

إِنكارك الصانع يا خَليلي

قالَت علمت أنَّهُ حَكيم

وَأنَّهُ بفعلهِ عَليم

قالَ نَعم لا شَكَ لي في حكمته

وَعلمه وَحلمه وَقدرته

قالَ فَكُلُّ ما جَرى وَيَجري

بِحكمة قدرها للأمر

فَقالَ زدني لَيسَ هَذا يَكفي

إِنَّ العَليل دائِماً يَستَشفي

قال لَهُ إِن اختلاف الخَلق

وَخَبطهم في باطل وَحَق

دلالة واضِحة للمقدره

وَلَيسَ لِلمُفسد فيها مَعذِره

وَكُلَّما ركب في المَخلوق

مِن اِختِلاف الطَّبع وَالفُروق

يَدل أَنَّ اللَّه رَب قادِر

مَقدوره يَعجز عَنهُ الحاصر

ثُم اِبتَلاهم ناهياً وَآمِرا

لِيَعلم الأَعمال وَالسرائِرا

وَمُؤمِناً مِن خَلقِهِ وَكافِرا

وَوافياً بِعَهدِهِ وَغادِرا

لِيجزِي المُؤمن بِالثَّواب

وَيجزِي الكافِر بِالعِقاب

قالَ وَما في ذاكَ قُل وأوضح

فَلَست لِلتكليف بِالمُستَصلِح

قالَ جَهلت الحَق إِن المَصلحه

بادية أَسرارها مُستملحه

لأَنَّهُ فَرَّق بَينَ الخَلق

في جُملة الأَحوال أَي فَرق

فَخَلق المَعدن وَالنباتا

وَالحَيوان خَلَقوا أشتاتا

وَالحَيوان صامت وَناطق

وَفائق في علقه وَمائِق

وَهملٌ أَهمله ما كَلفه

وَناطق كَلفه فَشرفه

كَيلا يَكون الخَلق شَيئاً وَاحِدا

فَتنقص القُدرة نَقصاً زائِدا

فَالقادِر الحَق عَلى الأطلاق

من أَوجد الأَضداد في الأَخلاق

وَجمعت صنعته الأَضدادا

تَصَرفا فيها كَما أَرادا

كَذاكَ فَاِعلَم خَلق الأَصنافا

جَميعها تَختَلف اِختِلافا

أَحسَن خَلق الفيل وَالبَعوضه

بِحكمة عَلى النهى مَعروضه

وَقتلهم نُفوسهُم فَهَكَذا

بَعضهم يَلقى مِن البَعض الأَذى

فَإِن في الوحش وَفي الطيور

ما شِئت مِن ظُلم وَمِن شُرور

وَقَد مَضى جَواب ذا وَعُذره

وَقَد بَدا لَو اِعتبرت سرهُ

فَأيقن العَنقاء أَنَّ الحَقا

كانَ مَعَ الصبا وَقالَ صدقا

فَاِنقادَ للحق وَقالَ الإنس

جنس شَريف ما بِذاكَ لَبس

ثُم دَعاني خالياً فَاِعتَذَرا

وَتابَ مِن ذمهم وَاِستَغفَرا

وَقالَ قُل للملك العَظيم

قَد تبت مِن مَقالي الأَثيم

وَبانَ ما كانَ خَفياً عَني

وَخابَ في ذَم الأَنام ظَني

لَكِنني أعجب مِن فعاله

بِنصرة الأنس وَمِن جداله

عَنهُم وَهُم أَعداؤُهُ بِالطبع

وَكُلهُم يقصده بِالسبع

وَبَعضهُم يَنفي وجود الجن

وَبَعضهُم يعمهم بِاللعن

وَبَعضهُم يطعَن في أَخلاقِهم

وَبَعضهُم يَعوذ مِن طراقهم

وَبَعضهُم ينسب كُل نكر

إِلَيهم عِندَ اِحتيال الغَدر

وَبَعضهُم يحيل بِالذُنوب

عَلَيهم وَفاحش العُيوب

ما تَستَحق الإنس مِنهُ نَصرا

بَل اِستَحَقوا مقته وَالهَجرا

قالَت لَهُ خُذ الجَواب مني

وارو الَّذي اذكر فيهِ عَني

العاقِل الفاضِل لا يُجازى

بِسَيء فَهوى مِن المَخازي

إِذا فَعلت مثل فعل الجاهل

ساويتهُ في دقة الشَّمائل

أفضل عَلى النَّظير يبدُ فَضلكا

أَحسن إِلى المُسيء يظهر نبلكا

وَاِنصف المَظلوم تَدَع سَيدا

وَأَعطِ أَعداءك تَلقى أَمجَدا

وَصية النبِي صِل مَن قَطَعَك

فَضلاً عَلَيهِ وَأَنِل من مَنعك

افعل جَميلاً تَلقَهُ وَتجزَ بِه

فَإِن فعل الناس غَير مُشتَبه

اصفح عَن الجاني وَعُد بحلمكا

يظهر خَفيَّ جَهلِهِ بِعلمِكا

وَنَحنُ نجزي عَنهُم في ذا اللسن

نُقابل القَبيح بالفعل الحَسَن

وَبَيننا الأَنساب أَيضاً توجب

غيرتنا عَلَيهم إِذ نَكَبوا

قالَ أَبِن لي موضحاً ذاكَ النسَب

فَقَد أَتيت بِالَّذي قُلت العَجَب

أَلستُمُ ناراً وَهُم مِن طين

لَيسَ الأُسود كَالظِّباء العين

وَشَيخكُم إِبليس تاهَ وَفخر

عَلى أَبيهم آدم ثُم كَفَر

قالَ نَعم فَالنَّسَب القَريب

يَعرفه المحقق اللبيب

قرابة التكليف وَالخطاب

ما بَيننا أَدنى مِن الأَنساب

نَحنُ جَميعاً أَهل عَهد اللَّه

خاطبنا بِالأَمر وَالنواهي

وَالنطق وَالعَقل فَهل صَدقتا

يا ملك الطير بِما ذَكرتا

وَالمَرء يحيي جاهِداً أَخاه

وَهوَ إِذا ما عد من أَعداه

أَما سمعت قصة العَدلين

وأَنَّها صدق بِغَير مَين

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن الهبارية

avatar

ابن الهبارية حساب موثق

العصر العباسي

poet-Ibn-Al-Habariya@

216

قصيدة

90

متابعين

محمد بن محمد بن صالح العباسي. نظام الدين، أبو يعلى، المعروف بابن الهبارية. شاعر هجاء. ولد في بغداد وأقام مدة بأصبهان، وفيها ملكشاه ووزير نظام الملك. وله مع الوزير أخبار. ...

المزيد عن ابن الهبارية

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة