الديوان » العصر الايوبي » العماد الأصبهاني » لو كنت تعلم منتهى برحائه

عدد الابيات : 70

طباعة

لو كنتَ تعلمُ منتهى بُرَحائه

حابَيْتَ إبقاءً على حَوْبائهِ

ولكنتَ تتركُ في الغرام ملامَهُ

كيلا يزيدَ اللّومُ في إغرائهِ

لا تنكرِنْ ضحكي أُريكَ تجلُّداً

ضحكُ الحيا بالبرقِ عينُ بكائهِ

ما كنتُ أَعلمُ دمعَ عيني مفشياً

سِرّاً لهم أَشفقتُ من إفشائهِ

حتى جرى في الخدِّ منّي أَسْطُراً

فعرفتُ أَنَّ الشوقَ من إملائهِ

ما كان أَعذبَ بالعذيْب لدى الصبا

عيشاً أَمنتُ فناءَهُ بفنائهِ

إذ كاسمهِ ماءُ العُذيبِ وأَهلُه

في العزِّ تحسدُهم نجومُ سمائهِ

والحيُّ شمسُ الأفقِ تخبأ وجهها

منه حياءً من شموسِ خبائهِ

أَيامَ لم أُبصرْ جميلاً فيهمُ

إلاّ وفاءَ إلى جميل وفائهِ

ومقرطقٍ أَلفيتُ قلبي آبقاً

منّي له فالقلبُ قلبُ قبائهِ

قلق الوشاحِ محبُّه قلقُ الحشا

فكلاهما ظامٍ إلى أَحشائهِ

ويشدُّ عَقْدَ نِطاقهِ في خصْره

حَذرَاً عليهِ لضعفهِ ووهائهِ

بدرٌ فؤادي في محبّةِ وجههِ

بدريُّةُ المَعدودُ مِنْ شهدائهِ

إشراقُ غُرَّةِ وجههِ في صدغهِ

يُبدي لكَ الإصباحَ في إمسائهِ

منشورُ إقطاعِ القلوبِ عِذارُه

فالحسنُ جندٌ وهو مِن أُمرائهِ

وله الشّبابُ الغضُّ أَبدعَ كاتبٌ

إذ خَطُّهُ المرقومُ مِن إنشائهِ

وشّى بخطِّ عِذارهِ وجناته

ما أَحسنَ الخضراءَ في حمرائهِ

دبَّ الدُّخانُ إلى حواشي خدِّه

إذ أَشعلتْ نارُ الصِّبا في مائهِ

في عارضيهِ سوادُ أَبصارِ الورى

قد شفَّ من ماءِ الصِّبا لصفائهِ

والصُّدغُ منه لعارضيهِ معارضٌ

وسوادُ ذاكَ الخطِّ من أَفيائهِ

ومن المحبِّ ولم يَدَعْ رمقاً له

هلا أَخذتَ زمامَهُ لذمائهِ

أَعدى سقامُ اللّحظِ منه محبّهُ

يا محنتي منه ومن أَعدائهِ

وسقامُ مقلته زيادةُ حسنها

وأَراهُ في جسمي زيادة دائهِ

يا صاحبيَّ الصّاحبين من الهوى

قد طالَ عهدُكما بكأس طلائهِ

لا تطمعا في أَن أُفيق فإنني

يا صاحبيَّ سكرتُ من صهبائهِ

لا تسمعاني فيه ما أَنا كاره

إنَّ المحبَّ يصدُّ عن نصحائهِ

ولقد أصمَّ عن الكلام تغافلاً

لأنزِّه الأسماعَ عن فحشائهِ

أَروي حديثَ الحادثات وخطبُها

لي يخطبُ الأهوالَ من أهوائهِ

يخفي الزَّمانُ سناي في إظلامه

إخفاءَ ألثغ سينه في ثائه

لما مضيتُ له براني صرْفهُ

مثلَ اليراعِ فبرْيُهُ لمضائهِ

حتّامَ أَرضى الضيّمَ من أَدوانه

وإلى متى أُغضي على إقذائهِ

إحفظْ لسانكَ أَنْ يطولَ فإنّما

قصرُ اللِّسان يكُفُّ من غلوائهِ

والشّمعُ قطعُ لسانه من طوله

وحياتهُ سببٌ إلى إدرائهِ

ومقاسمٌ في ثروتي لما رأى

عدمي غدا مستأثراً بثرائهِ

قوَّمتُ في زمن الشّدائد غصنَهُ

فاعوجَّ إذْ هبّتْ رخاءُ رُخائهِ

ونفعتُهُ لمّا تناهى ضرُّهُ

فأعضته السّراء من ضرائهِ

قلبي من الإشفاق محترقٌ له

كالشّمعِ وهو يعيشُ في أضوائهِ

متناومٌ عنّي إذا ناديتُهُ

ولطالما استيقظتُ عندَ ندائهِ

إنْ أستزِدْهُ يزدْ كراهُ وزائدٌ

تحريكُ مهدِ الطِّفلِ في إغفائهِ

ولئن جفاني الدَّهرُ في أحداثهِ

فلأَصبرنَّ على فظيعِ جفائهِ

فاللهُ يفعلُ ما يشاءُ بخلقهِ

وجميعُ ما يجري لنا بقضائهِ

فاستعدِ من ريبِ الزَّمانِ بصاحبٍ

تعدي فضائله على عدوائهِ

واشك الزَّمانَ إلى شهابِ الدِّين كي

يُبدي رياضَ الخصبِ في شهبائهِ

ونداهُ نادِ فإنَّ أنديةَ المنى

مخضرّةُ الأَكنافِ مِن أَندائهِ

وهو الشّهابُ حقيقةً فالفضلُ من

أَنوارِهِ والطولُ من أَنوائهِ

كالشّمسِ في آرائهِ كالغيثِ في

آلائه كالصُّبحِ في لألائهِ

للهِ راحتُهُ ففيها راحةٌ

لمؤمّليهِ ومرتجي نعمائهِ

فعداتُهُ يغنونَ مِن إعطابهِ

وعفاتُه يحيونَ من إعطائهِ

يُغضي حياءً والمهابةُ كلها

في أنفس الأَعداء مِن إغضائهِ

ويغضُّ عيناً للوقارِ ونورُهُ

لتغضُّ عينُ الشّمسِ دونَ لقائهِ

إنْ كان ما غَثّتْ معاني مدحه

منّي فما رَثّتْ حبالُ حِبائهِ

أَبني المظفرِ ما يزالُ مظفراً

راجيكمُ أبداً بنيلِ رجائهِ

وإذا عرا خطبٌ ملمٌّ مؤلمٌ

داويتمُ بالجودِ من أَعدائهِ

يا مَنْ علا يحكي أَباهُ وجده

زانَ العلاء بجدِّه وإبائهِ

يعني الزَّمانُ بمنْ عنيتُ بأمرِهِ

حاشاكَ تترك عانياً بعنائِهِ

فانصرْ أَبا نصرٍ على زَمَنٍ أَبى

نصري لفضلٍ أَنتَ من أبنائهِ

واشفعْ تشفّع وعده بنجازه

أَنّى يخيبُ وأَنتَ مِن شفعائهِ

ذكِّرْ بحالي الصاحبَ المولى الذي

يقوى أَميرُ المؤمنينَ برائهِ

وقل استجار كريمُ بيتٍ بي وذو ال

بيتِ الكريمِ يجدُّ في إحيائه

والمستجيرُ بنا مجارٌ لم يزلْ

ولو أَنَّ هذا الدَّهرَ من أعدائهِ

شافِهْ أميرَ المؤمنينَ بحالهِ

فأَرى شفاهكَ موجبٌ لشفائهِ

قلْ للإمامِ علامَ حبس وليّكم

أولوا جميلكمُ جميل ولائهِ

أو ليس إذْ حبسَ الغمامُ وليّه

خلّى أَبوكَ سبيلَهُ بدعائهِ

لولاكَ كان رويُّ شعري ظامئاً

لا يطمعُ الراوونَ في إروائهِ

والفضلُ بينَ بنيهِ أَوْكدُ نسبةً

فأغثْ كريماً أَنتَ من نسبائهِ

وأَفاضَ في شكر العوارف عارفاً

بقصور باعِ الشُّكرِ عن نعمائهِ

وتأَمّلَ الخطَّ الكريمَ فأَشرقَتْ

أَنوارُ حُسن العهدِ من أَثنائهِ

وجرى معينُ الجود من تيّارهِ

وسَرَى نَسيمُ المجد من تلقائهِ

أَضحى ظهيرُ الدين أفضلَ صاحبٍ

يستمسكُ الرَّاجي بصدق ولائهِ

والسّعدُ في آلائه والنجحُ في

آرابهِ والنّصرُ في آرائهِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن العماد الأصبهاني

avatar

العماد الأصبهاني حساب موثق

العصر الايوبي

poet-Al-Imad-Al-Asbahani@

176

قصيدة

50

متابعين

محمد بن محمد صفي الدين بن نفيس الدين حامد بن ألُه، أبو عبد الله، عماد الدين الكاتب الأصبهاني. مؤرخ، عالم بالأدب، من أكابر الكتاب. ولد في أصبهان، وقدم بغداد حدثاً، فتأدب ...

المزيد عن العماد الأصبهاني

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة