الديوان » مصر » محمود سامي البارودي » محا البين ما أبقت عيون المها مني

عدد الابيات : 55

طباعة

مَحَا الْبَيْنُ مَا أَبْقَتْ عُيُونُ الْمَهَا مِنِّي

فَشِبْتُ وَلَمْ أَقْضِ اللُّبَانَةَ مِنْ سِنِّي

عَنَاءٌ وَيَأْسٌ وَاشْتِيَاقٌ وَغُرْبَةٌ

أَلا شَدَّ مَا أَلْقَاهُ فِي الدَّهْرِ مِنْ غَبْنِ

فَإِنْ أَكُ فَارَقْتُ الدِّيَارَ فَلِي بِهَا

فَؤَادٌ أَضَلَّتْهُ عُيُونُ الْمَهَا مِنِّي

بَعَثْتُ بِهِ يَوْمَ النَّوَى إِثْرَ لَحْظَةٍ

فَأَوْقَعَهُ الْمِقْدَارُ فِي شَرَكِ الْحُسْنِ

فَهَلْ مِنْ فَتَىً فِي الدَّهْرِ يَجْمَعُ بَيْنَنَا

فَلَيْسَ كِلانَا عَنْ أَخِيهِ بِمُسْتَغْنِ

وَلَمَّا وَقَفْنَا لِلْوَدَاعِ وَأَسْبَلَتْ

مَدَامِعُنَا فَوْقَ التَّرَائِبِ كَالْمُزْنِ

أَهَبْتُ بِصَبْرِي أَنْ يَعُودَ فَعَزَّنِي

وَنَادَيْتُ حِلْمِي أَنْ يَثُوبَ فَلَمْ يُغْنِ

وَلَمْ تَمْضِ إِلَّا خَطْرَةٌ ثُمَّ أَقْلَعَتْ

بِنَا عَنْ شُطُوطِ الْحَيِّ أَجْنِحَةُ السُّفْنِ

فَكَمْ مُهْجَةٍ مِنْ زَفْرَةِ الْوَجْدِ فِي لَظَىً

وَكَمْ مُقْلَةٍ مِنْ غَزْرَةِ الدَّمْعِ فِي دَجْنِ

وَمَا كُنْتُ جَرَّبْتُ النَّوَى قَبْلَ هذِهِ

فَلَمَّا دَهَتْنِي كِدْتُ أَقْضِي مِنَ الْحُزْنِ

وَلَكِنَّنِي رَاجَعْتُ حِلْمِي وَرَدَّنِي

إِلَى الْحَزْمِ رَأْيٌ لا يَحُومُ عَلَى أَفْنِ

وَلَوْلا بُنَيَّاتٌ وَشِيبٌ عَوَاطِلٌ

لَمَا قَرَعَتْ نَفْسِي عَلَى فَائِتٍ سِنِّي

فَيَا قَلْبُ صَبْرَاً إِنْ جَزِعْتَ فَرُبَّمَا

جَرَتْ سُنُحاً طَيْرُ الْحَوَادِثِ بِالْيُمْنِ

فَقَدْ تُورِقُ الأَغْصَانُ بَعْدَ ذُبُولِهَا

وَيَبْدُو ضِيَاءُ الْبَدْرِ فِي ظُلْمَةِ الْوَهْنِ

وَأَيُّ حُسَامٍ لَمْ تُصِبْهُ كَهَامَةٌ

وَلَهْذَمُ رُمْحٍ لا يُفَلُّ مِنَ الطَّعْنِ

وَمَنْ شَاغَبَ الأَيَّامَ لانَ مَرِيرُهُ

وَأَسْلَمَهُ طُولُ الْمِرَاسِ إِلَى الْوَهْنِ

وَمَا الْمَرْءُ فِي دُنْيَاهُ إِلَّا كَسَالِكٍ

مَنَاهِجَ لا تَخْلُو مِنَ السَّهْلِ وَالْحَزْنِ

فَإِنْ تَكُنِ الدُّنْيَا تَوَلَّتْ بِخَيْرِهَا

فَأَهْوِنْ بِدُنْيَا لا تَدُومُ عَلَى فَنِّ

تَحَمَّلْتُ خَوْفَ الْمَنِّ كُلَّ رَزيئَةٍ

وَحَمْلُ رَزَايَا الدَّهرِ أَحْلَى مِنَ الْمَنِّ

وَعَاشَرْتُ أَخْدَانَاً فَلَمَّا بَلَوْتُهُمْ

تَمَنَّيْتُ أَنْ أَبْقَى وَحِيداً بِلا خِدْنِ

إِذَا عَرَفَ الْمَرْءُ الْقُلُوبَ وَمَا انْطَوَتْ

عَلَيْهِ مِنَ الْبَغْضَاءِ عَاشَ عَلَى ضِغْنِ

يَرَى بَصَرِي مَنْ لا أَوَدُّ لِقَاءَهُ

وَتَسْمَعُ أُذْنِي مَا تَعَافُ مِنَ اللَّحْنِ

وَكَيْفَ مُقَامِي بَيْن أَرْضٍ أَرَى بِهَا

مِنَ الظُّلْمِ مَا أَخْنَى عَلَى الدَّارِ وَالسَّكْنِ

فَسَمْعُ أَنِينِ الْجَوْرِ قَدْ شَاكَ مِسْمَعِي

وَرُؤْيَةُ وَجْهِ الغَدْرِ حَلَّ عُرَا جَفْنِي

وَصَعْبٌ عَلَى ذِي اللُّبِّ رِئْمَانُ ذِلَّةٍ

يَظَلُّ بِهَا فِي قَوْمِهِ وَاهِيَ الْمَتْنِ

إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَرْمِ الْهَنَاةَ بِمِثْلِهَا

تَخَطَّى إِلَيْهِ الْخَوْفُ مِنْ جَانِبِ الأَمْنِ

فَلا تَعْتَرِفْ بِالذُلِّ خِيفَةَ نِقْمَةٍ

فَعَيْشُ الْفَتَى فِي الذُّلِّ أَدْهَى مِنَ السِّجْنِ

وَكُنْ رَجُلاً إِنْ سِيمَ خَسْفاً رَمَتْ بِهِ

حَمِيَّتُهُ بَيْنَ الصَّوَارِمِ وَاللُّدْنِ

فَلا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَعِشْ

مَهِيباً تَرَاهُ الْعَيْنُ كَالنَّارِ فِي دَغْنِ

وَلا تَرْهَبِ الأَخْطَارَ فِي طَلَبِ الْعُلا

فَمَنْ هَابَ شَوْكَ النَّحْلِ عَادَ وَلَمْ يَجْنِ

وَلَوْلا مُعَانَاةُ الشَّدَائِدِ مَا بَدَتْ

مَزَايَا الْوَرَى بَيْنَ الشَّجَاعَةِ وَالْجُبْنِ

فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي الْمُدْنِ مَا شِئْتَ مِنْ قِرَىً

فَأَصْحِرْ فَإِنَّ الْبِيدَ خَيْرٌ مِنَ الْمُدْنِ

صَحَارٍ يَعِيشُ الْمَرْءُ فِيهَا بِسَيْفِهِ

شَدِيدَ الْحُمَيَّا غَيْرَ مُغْضٍ عَلَى دِمْنِ

وَأَيُّ حَيَاةٍ لاِمْرِئٍ بَيْنَ بَلْدَةٍ

يَظَلُّ بِهَا بَيْنَ الْعَوَاثِنِ وَالدَّخْنِ

لَعَمْرِي لَكُوخٌ مِنْ ثُمَامٍ بِتَلْعَةٍ

أَحَبُّ إِلَى قَلْبِي مِنَ الْبَيْتِ ذِي الْكِنِّ

وَأَطْرَبُ مِنْ دِيكٍ يَصِيحُ بِكُوَّةٍ

أَرَاكِيَّةٌ تَدْعُو هَدِيلاً عَلَى غُصْنِ

وَأَحْسَنُ مِنْ دَارٍ وَخِيمٍ هَوَاؤُهَا

مَبِيتُكَ مِنْ بُحْبُوحَةِ الْقَاعِ فِي صَحْنِ

تَرَى كُلَّ شَيءٍ نُصْبَ عَيْنَيْكَ مَاثِلاً

كَأَنَّكَ مِنْ دُنْيَاكَ فِي جَنَّتَيْ عَدْنِ

تَدُورُ جِيَادُ الْخَيْلِ حَوْلَكَ شُرَّباً

تُجَاذِبُ أَطْرَافَ الأَعِنَّةِ كَالْجِنِّ

إِذَا سَمِعْتَ صَوْتَ الصَّرِيخِ تَنَصَّبَتْ

فَتُدْرِكُ مَا لا تُبْصِرُ الْعَيْنُ بِالأُذْنِ

فَتِلْكَ لَعَمْرِي عِيشَةٌ بَدَوِيَّةٌ

مُوَطَّأَةُ الأَكْنَافِ رَاسِخَةُ الرُّكْنِ

وَمَا قُلْتُ إِلَّا بَعْدَ عِلْمٍ أَجَدَّ لِي

يَقِيناً نَفَى عَنِّي مُرَاجَعَةَ الظَّنِّ

فَقَدْ ذُقْتُ طَعْمَ الدَّهْرِ حَتَّى لَفَظْتُهُ

وَعَاشَرْتُ حَتَّى قُلْتُ لاِبْنِ أَبِي دَعْنِي

وَلَوْلا أَخٌ أَحْمَدْتُ فِي الْوُدِّ عَهْدَهُ

عَلَى حَدَثَانِ الدَّهْرِ مَا كُنْتُ أَسْتَثْنِي

وَرُبَّ بَعِيدِ الدَّارِ يُصْفِيكَ وُدَّهُ

وَمُقْتَرِبٍ يَجْنِي عَلَيْكَ وَلَمْ تَجْنِ

وَمَا الْوُدُّ فِي الْقُرْبَى وَإِنْ هِيَ أَوْجَبَتْ

وَلَكِنَّهُ فِي الطَّبْعِ وَالشَّكْلِ وَالْوَزْنِ

إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْوَدِيدَيْنِ خُلَّةٌ

فَلا أَدَبٌ يُجْدِي وَلا نَسَبٌ يُدْنِي

فَذَاكَ أَخٌ لَوْلاهُ أَنْكَرْتُ كُلَّ مَا

سَمِعْتُ بِهِ عَنْ أَحْنَفِ الْحِلْمِ أَوْ مَعْنِ

فَإِنْ لَمْ أُصَرِّحْ بِاسْمِهِ خَوْفَ حَاسِدٍ

يَنُمُّ عَلَيْهِ فَهْوَ يَعْلَمُ مَنْ أَعْنِي

عَلَى أَنَّ ذِكْرَاهُ وَإِنْ كَانَ نَائِيَاً

سَمِيرُ فُؤَادِي فِي الإِقَامَةِ وَالظَّعْنِ

أَنُوحُ لِبُعْدِي عَنْهُ حُزْناً وَلَوْعَةً

كَمَا نَاحَ مِنْ شَوْقٍ جَمِيلٌ عَلَى بُثْنِ

فَمَنْ لِي بِهِ خِلّاً كَرِيماً نِجَارُهُ

فَقَدْ سَئِمَتْ نَفْسِي مُعَاشَرَةَ الْهُجْنِ

تُجَاذِبُنِي نَفْسِي إِلَيْهِ وَدُونَنَا

أَهَاوِيلُ مُلْتَجِّ الْغَوَارِبِ مُسْتَنِّ

لَعَلَّ يَدَ الأَيَّامِ تَسْخُو بِلُقْيَةٍ

أَرَاهُ بِهَا بَعْدَ الْكَزَازَةِ وَالضَّنِّ

وَإِنِّي وَإِنْ طَالَ الْمِطَالُ لَوَاثِقٌ

بِرَحْمَةِ رَبِّي فَهْوَ ذُو الطَّوْلِ وَالْمَنِّ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمود سامي البارودي

avatar

محمود سامي البارودي حساب موثق

مصر

poet-mahmoud-samial-baroudi@

374

قصيدة

8

الاقتباسات

1889

متابعين

محمود سامي باشا بن حسن حسين بن عبد الله البارودي المصري. 1255-1322 هـ / 1839-1904 م أول ناهض بالشعر العربي من كبوته، في العصر الحديث، وأحد القادة الشجعان، جركسي الأصل من ...

المزيد عن محمود سامي البارودي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة