الديوان » العصر الأندلسي » ابن خاتمة الأندلسي » تروم رضاهم ثم تأتي المناهيا

عدد الابيات : 45

طباعة

ترومُ رِضاهُمْ ثمَّ تأْتي المَناهِيا

أحبٌّ وعِصيانٌ لقد ظَلْتَ لاهيا

تَكنَّيتَ عبداً ثمَّ أكنَنْتَ إمرةً

أعبدٌ وأمرٌ ما أخالك صاحيا

جمعتَ عيوبَ الرَّدّ كِبراً وكَبرةً

وماذا يُساوي مَن تحلّى المساوِيا

أما أبصرتْ عيناكَ للحقِّ مُرشداً

أمَا سمعتْ أذْناكَ للهِ داعِيا

أبعدَ مشيبٍ تَسْتَجدُّ شَبيبةً

وبعدَ هُدىً تبغي عَمىً أو تعامِيا

لقد صاحَ داعي الرُّشْدِ لوْ أنَّ سَامعاً

ولاحَ صَباحُ الحقِّ لو أنَّ رائيا

وأشرق سِرُّ الجُودِ لو أنَّ ذا حِجىً

يُشاهدُ نُوراً أو يُجيبُ مُنادِيا

تسامَتْ لكَ الأكوان تُجْلَى عَرائِساً

فلو كنتَ ذا عَيْنين كنتَ المُناجيا

ونادتْ ألا كُفءٌ يُكافي وما أرى

لها مِنْكَ كُفؤاً إنْ خَطبتَ مُكافيا

و إلّا فما بالُ البَهارِ مُحدِّقاً

وقد كَحَلَتْ منهُ الظِّلالُ مَآقيا

وما بالُ صُدغِ الآسِ أخضرَ ناصِعاً

وما بالُ خَدِّ الوردِ أحمرَ قانِيا

وما لِثغورِ الزَّهرِ تُلفَى بَواسماً

إذا ما عُيونُ القَطْرِ ظَلْنَ بَواكِيا

ولِمْ طرَّزَ البرقُ الغَمامَ وَوَشَّحتْ

سواجِمُه البَطْحاءَ بيضاً مَواضِيا

وما للآلي الشُّهبِ رُصِّعَ نَظمُها

فأمسَتْ صدورُ الأُفقِ عَنها حَواليا

وما لبطاحِ الأرضِ أُبدعَ رَقْمُها

فراقَتْ أساريراً ورقَّتْ حَواشِيا

وما لِحَمامِ الأيْكِ تَشدو تَرنُّماً

وما لِقُدودِ القُضْب تَهفو تَعاطِيا

ولِمْ قَبَضَ النَّيْلَوْفَرُ الكفَّ خائِفاً

ولِمْ بَسَطَ السُّوْسانُ يُمناهُ راجِيا

أتحسَبُ هاتي كُلَّها خُلِقت سُدىً

لغير اعتبارٍ لا وَرَبِّكَ ماهِيا

وأنَّ قُصاراها لِلَهْوٍ ولذَّةٍ

لقد أخطأ التَّقديرُ مِنْكَ المَرامِيا

فَما خُطباءُ العُرْبِ أفصحُ واعِظاً

مِنَ الطَّيرِ يَشْدو لَوْ فَهمتَ المَعانِيا

ولا صفَحاتُ الهِنْدِ أردعُ زاجِراً

مِنَ البَرْقِ يَبْدُو لَوْ علمتَ النَّواهِيا

ولا لطَفُ الإحْسانِ أحسن مَوقِعاً

مِنَ النَّورِ يَذْكو لو عرفْتَ الأيادِيا

أيا غَائِباً عن حَضرةِ القُدسِ قد نَبا

به الطَّبعُ أن يأْتي هُدىً أو يُواتِيا

أما تَتَّقي بأْساً أما تَرْتجي نَدىً

أما تَنْتَهي وَعظاً لقد ظَلتَ هازِيا

إذا ما دَعاكَ الخَطْبُ كي تَرْعوي لهُ

تَدارككَ اللُّطفُ الخفيُّ تَلافِيا

فلا شِدَّةٌ تُعديكَ إلّا لَجاجةً

ولا فَتْرَةٌ تُجديكَ إلّا تَمادِيا

إليكَ إشاراتٌ وعنكَ عِبارةٌ

وفيكَ أماراتٌ فلا تَكُ ساهيا

وسائِلةٍ ما بالُ جَفْنِكَ والبُكا

وما عَرَفَتْني عَنْ هوىً قَطُّ سالِيا

إليكِ فَما في خاطِري فَضْلُ وُسْعةٍ

لِسَمْعكِ فَضْلاً عن حَديثِ غرامِيا

ذَريني لِغَيْري وَلْتَرُوحي لِراحةٍ

فَرُبَّتَما أعْدى أسايَ الأواسِيا

فُتِنتُ بِدُنيا جاذَبَتْني أعِنَّتي

فما ليَ لا أبكي لِذلكَ مالِيا

فَما وَجْدُ ثَكْلى أُمِّ فَرْدٍ أصابها

وَجِيُّ رَدىً فيهِ فأصبحَ ثاوِيا

تُردِّدُ فِكْراً لا تَرى عنهُ مَعْدِلاً

وتَرْجِعُ طَرفاً لا تَرى منه باقِيا

فَتستنجدُ الصَّبرَ الجميلَ لِخَطْبِها

فَلا تَلْتقي إلا خَذُولاً وناعِيا

فَتَهْتِكَ سِتْرَ الصَّبرِ عنْ بَرْح لوعةٍ

تُعيدُ بياض الصُّبح أسودَ ساجِيا

مُدَلَّهةٍ وَلهى يُطارحُها الأسى

أفانينُ شَجْوٍ مَوْحَداً ومَثانيا

بأعظَمَ من وَجدي على فَرطِ زَلَّتي

وأكبرَ منْ حُزني لقُبْحِ فَعاليا

شبابٌ مضى لم أحْلَ منهُ بطائلٍ

فياليتَ شِعري كيفَ بالشَّيبِ حالِيا

وما أسَفي أنْ مَرَّ ما مرَّ فانْقَضى

ولكنَّ هَمِّي ما بَقِيْ مِنْ زَمانِيا

فقد فَتح الرَّحمنُ أبوابَ عَفْوهِ

لِمَنْ راجَعَ الذِّكرى وأقبلَ خاشِيا

أخافُ قبيحَ العَوْد فالعُذْرُ ضَيِّقٌ

عَلَى أنَّ بابَ العَفو أوسَعُ نادِيا

إلهيَ والشَّكوى إليكَ اسْتراحةٌ

فأنتَ إلى الشَّاكي أشدُّ تَدانِيا

إلهيَ لا تَفْضَح عُواراً سَتَرْتَهُ

فماليَ مَأْمولٌ سِواكَ إلهِيا

هلكتُ ردىً إن لم أنلْ منك رحمةً

تبَعِّدُ رَوْعاتي وتدني أمانِيا

لَعَلَّ الَّذي قامَ الوجودُ بِجُودِهِ

يُعيدُ بِحُسْنِ اللُّطْفِ حاليَ حالِيا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن خاتمة الأندلسي

avatar

ابن خاتمة الأندلسي حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-Ibn-Khatma@

226

قصيدة

128

متابعين

حمد بن عليّ بن محمد بن عليّ بن محمد بن خاتمة، أبو جعفر الأنصاري الأندلسي. طبيب مؤرخ من الأدباء البلغاء. من أهل المريّة (Alme'ria) بالأندلس. تصدر للإقراء فيها بالجامع الأعظم. ...

المزيد عن ابن خاتمة الأندلسي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة