الديوان » العصر الأندلسي » التطيلي الأعمى » أبى الله إلا أن يكون لك الفضل

عدد الابيات : 77

طباعة

أبَى اللهُ إلاّ أَنْ يكون لكَ الفَضْلُ

وَأَنْ يَتَباهى باسْمِكَ القولُ وَالفِعْلُ

وألا يُفيضَ الناسُ في كلِّ سُؤْددٍ

يَعُدُّونَهُ إلا وأنتَ له أهل

وأن تقفَ العَلْيَا عليك ظنونَها

إذا رابها جِدٌّ من الأمرِ أوْ هزل

وأن تُوْسِعَ الأيامَ جوداً ونجدةً

وما ليس يخلو منه عَقْدٌ ولا حَلُّ

وَأيَّدَ سيفاً قلَّما هزَّ عِطْفَهُ

إلى الحربِ إلا والحمامُ له ظِلُّ

تغارُ عليه الشمسُ منْ كلِّ ناظرٍ

فَتُعْشِيهِ عَنْهُ وهو في مَتْنِهِ صَقْل

يَكادُ يَسيلُ الغمدُ من ماءِ جفنهِ

وفي مَضْرِبَيْهِ النارُ والطَبُ الجزل

تَرَى حَيْثُما أبْصَرْتَهُ الغمدَ كلَّه

وإن لم يُسَلّطه قتالٌ ولا قتل

وَيُفْهَمُ عنه الحلمُ في كلِّ هَزَّةٍ

وإنْ كان مما هَزَّ أعطافَهُ الجهل

وربَّ جنونٍ لا يُدَاوَى صريعُهُ

تعلَّمَ منه كيف يُكْتَسَبُ العقل

تُرَاعُ الأسودُ الغْلبُ من شَفَراتِهِ

وقد أثَّرَتْ فيها كما أثَّرَ النمل

أغاليطُ قولٍ لفَّ ألبابَنا بها

فراغٌ لنا أو للقوافي به شغل

من البيضِ إلا ما استباحَ غِرارُهُ

من الدمِ حلٌّ للسيوفِ ولا حِلّ

به ما بِأَجسامِ المحبينَ منْ ضَنَىً

وإنْ لم يُتَيّمْهُ دلالٌ ولا دَلُّ

له بمكانِ العِقْدِ والحجلِ في الوغى

مآربُ ليس العِقْدُ منها ولا الحِجل

وقد يستعينُ الشيء بالشيء لَوْطَةً

ولا نَسَبٌ يُدْنِيه منهُ ولا شَكْل

له خَلَوَاتٌ بالنفوسِ وإن جَنَتْ

عليها الليالي والتقى دونه الحَفْل

كأنَّ الذي أَخْطَتْهُ منهُ بجانبٍ

ولكنْ على أنْ لا يلذَّ ولا يحلو

له هبَّةٌ لا من أنَاةٍ ولا وَنىً

إلى حيثُ لم يَسْبِقْهُ عُذْرٌ ولا عَذْل

واسمرَ عَرَّاضِ الكعوبِ كأنه

إذا اهنزَّ صِلٌّ أو يُسَاوِرُهُ صل

وذو غلمة عبد حليفُ رجاحةٍ

يسيرُ إليها كلَّما نَبَتَ البَقْلُ

أَصَمُّ وتدعوهُ الأمانيُّ غضَّةً

فيألُو وتدعوهُ المنايا فلا يألو

جَرَى الموتُ في عِطْفَيْهِ بَدْءاً وَعَوْدةً

كما كان يَجْري فيهما الماء من قبل

ومالَ وقد أضحتْ منابتُهُ الكُلَى

كما كانَ ميَّالاً وَمَنْبِتُهُ الرمْل

ولذَّ جناهُ واللواءُ يؤودُهُ

كعهدِكَ إذ يُزْهَى به الوَرَقُ الجَثْل

وقد كان مُرّاً وهو في الخصبِ مائسٌ

فكيف تراهُ حينَ أَزْرَى به المحل

وكنَّا عَهِدْنَا النَّقْلَ يُذْويه آنفاً

فإياكَ منه حيثُ لم يُذْوِهِ النقل

ولم أرَ شيئاً مثلهَ طالَ طُوْلَهُ

إلى الموتِ إلا ما ينازِعُهُ النّبْل

ولما نَمَاها فَرْعُهُ ونجارُهُ

حَكَتْهُ وإنْ لم تَحْكِهِ فلها الفضل

وللموتِ أسبابٌ يحاذِرُهَا الفتى

وَأحْتَلُهَا ما ليسَ يَدْرَأُه الختل

تُهَابُ المنايا في عصاً أو حديدةٍ

وَتُوهِنُ ما دارت به الأعينُ النجل

وروضةِ حَزْنٍ بَيْنَ طِيْبِ نَسيمها

وبين ثَنِياتِ الحَشَا مَخْلَصٌ سهل

تسيرُ بما بينَ الأحبَّةِ من هوىً

رسائلُ منه لا تُضَيَّعُ أو رسْل

شذاً تتهاداهُ الأَصَائِلُ والضُّحَى

تَصِحُّ المُنَى في صَفْحَتَيْهِ وَيَعْتَلَ

مع الريحِ ما هبتْ له فإذا وَنَتْ

تحيرَ في أكمامها هُوَ والطل

كأنّ المدامَ الصّرْفَ باتتْ تَعُلُّها

فللطيبِ منها جانبٌ قلَّما يَخْلو

وللهِ درُّ الكأسِ شادُوا بذكرها

تَعِلَّةَ قلبٍ لا يُعين ولا يَسْلو

هِيَ الشيءُ أُطْرِيهِ ولا علمَ لي بهِ

سوى أنَّني لا أمتري أنها بَسْل

وقالوا َكَتْ ريحَ الحبيب فهاتها

وإن لم يُسَوِّغْهَا غِنَاءٌ ولا نُقْلُ

وكنتُ أظنُّ الراحَ من قَبْلِ ما ادّعَتْ

ستأنفُ من أنْ تلتقي هيَ والنّحْلُ

أتلكَ سَقَتْ أزهارهَا أمْ غمامةٌ

إذا نَفَحَتُ أيْقَنْتُ أنْ سَوْفَ تَنْهَل

من المُثْقِلاَتِ الهُضْب حتى يؤودَها

وإن حملتها حاجةٌ ما لها ثقل

إذا لَقِحَتْ حَرْبٌ بها أو بمثلها

فليسَ على طيبِ الحياةِ لها نسل

سَرَتْ ضَخْمَةَ الأكنافِ تامكةَ الذُّرَى

دلوحَ السُّرى تُتْلَى على ذاكَ أو تَتْلو

كأنّ التماعَ البرقِ في جَنَبَاتِها

مصابيحُ تُذْكَى أوْ صوارمُ تُسْتَل

وقهقهَ فيها الرعدُ من كلِّ جانبٍ

كما هَدَرَتْ في الهجمَة الفُتُقُ البُزْلُ

أرنّتْ على ذي الأثْلِ غَيْرَ حليمةٍ

فهل عندها علمٌ بما لقيَ الأَثْل

ومالتْ على أكناف لبنانَ مَيْلَةً

فسحّ عليها ديمةٌ كلُّها وبل

كذلك حتى كلُّ مندوحةٍ بها

غديرٌ وحتى كلُّ مشرفةٍ وحل

وحتى التقى في سُبْلها الصقرُ مخفقاً

وليثُ الشّرى غرثان والسّرْب والإجل

وحتى بَدَتْ شمسُ الضحى وكأنها

محياكَ لا أغلو وإن كنتُ لا أغلو

وسالتْ على روضِ الحزونِ أبَاتها

مَعَ الماءِ كالعشقِ استبدّ به الوصل

كشعريَ إذ يَلْقَى اهتزازكَ للندى

ولولاهما لم يجتمعْ للعُلا شمل

أضِىءْ يا سراجَ الدينِ وابنَ سِراجِهِ

إذا اشتبهتْ تلكَ المسالكُ والسُّبْل

وقلْ كيفَ كانَ الدهرُ إذ كنتَ شاكيَاً

ولو بَهَرَتْ فيه النباهةُ والنبل

وليس يزينُ الغمدَ حُسْنُ حُليّه

غداةَ الوغى حتى يُزَيّنَهُ النصل

شكوتَ فظلَّتْ كلُّ أرضٍ بأهلها

تميدُ ولو أنَّ الجبالَ لها أهل

وأمسكتِ الأفلاكُ عن دورانها

كأنَّ لياليكَ الطوالَ لها شَكْل

وَأَوْحَشَتِ الآدابُ حتى كأنَّها

وقد ظَعَنَتْ سلمى التَّعَانيقُ والثّقْل

وَأُلْبِسَتْ الدنيا وَأَجْمِعُ أهْلِهَا

ضَنىً ذاقَهُ بَعْضٌ وعالجه كُلُ

فلا جوّ إلا وهو أسودُ مُظلمٌ

ولا أرضَ إلا وهي مُوحشة فَلُّ

وأُبْطِلَ سحرُ الأعينِ النُّجلِ بعدما

مَضَتْ برهةٌ والسحرُ ما دونه بطل

وودّ غَريمي لو نَبَيّنَ أمْرَهُ

فأَنْصَفَنِي إذ كانَ يُعْجبه المَطْل

مُصيبي على موتِ الشباب بلحظةٍ

وأيامَ كانت قَبْلَه تَنْصُلُ الإلُّ

أأُحْسَدُ والدنيا تَضنّ بِدرِّها

عليّ وكانتْ كلُّ أخلاقها نُغْل

وأنضو على حكمِ الزمانِ وصرفه

شبابي ولا يُلْقي شبيبته الحِسْل

قَضَاءٌ من الأيامِ فَصْلٌ نَقَمْتُهُ

عليها فلا كفّني أنّهُ فصل

وأدبرَ شيطاني بحقّي وباطلي

كأنْ لم يقرّبه ذِمامٌ ولا إلّ

فلم أُتْبِعِ اللذاتِ إلا تأسفاً

لِنَهْلَتِهَا أنْ لا يكون لها عَلُّ

ولم أتعاطَ الشعر إلا تغنّياً

بذكركَ يُشْفَى أو يُدَاوى بهِ الخبل

فهل عندهُ أنْ قد أظَلّتْ بِشَارة

بِبُرْئِكَ تجلو مِنْ أمانيّ ما تجلو

وأن قد دنا وَجْهُ الرِّضَى بعدما التوتْ

به جُرُعاتٌ من هموميَ أو سَجْلُ

وأنّي قد استأنفتُ عُمْرِيْ فها أنا

وليدٌ وإن ظنّ الصّبا أنني كهل

وأنّيَ لو شئتُ ارتجعتُ غوايتي

بكل ابنِ سُبْلٍ لا يُعَرّجُهُ طِفْلُ

بأنضاءَ هَزلى نَازَعَتْها نُفُوسُهُمْ

نوىً تَتَعاطَاهَا المطيّةُ والرّحْل

إلى ابنِ أبي مروانَ حتى أجارهمْ

فتىً لا يهيمُ الجانبين ولا غفل

عَفَاءً على الأرضِ التي لا تحلُّها

ولو نَبَتَتْ فيها السماحةُ والبذل

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن التطيلي الأعمى

avatar

التطيلي الأعمى حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-Al-Tutili@

111

قصيدة

118

متابعين

أحمد بن عبد الله بن هريرة القيسي أبو العباس الأعمى التطيلي. شاعر أندلسي نشأ في إشبيلية. له (ديوان شعر - ط) و (قصيدة - ط) على نسق مرثية ابن عبدون ...

المزيد عن التطيلي الأعمى

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة