الديوان » العصر الأندلسي » التطيلي الأعمى » استنفد الدمع إن الوجد قد فقدا

عدد الابيات : 57

طباعة

استنفدِ الدمعَ إنَّ الوَجْدَ قد فُقِدَا

لا يُحْسِنُ الدَّهْرُ رُزْءاً مِثْلَهُ أبَدا

وَقُلْ لِصَرْفِ الزمانِ اختلْ على ثِقَةٍ

من السّباقِ فقد أحْرَزْتَ كلَّ مَدَى

اليومَ حينَ لففتَ المجدَ في كَفَنٍ

نفسي الفداءُ على أنْ لاتَ حين فِدَا

يا حسرةً نَشَأَتْ بين الضُّلوعِ جَوىً

ما ضرَّ لاعِجَها أنْ لا يكونَ ردى

في ذمَّةِ الله قَبْرٌ ما مَرَرْتُ به

إلا اختُلِسْت أسىً إنْ لم أمُتْ كمدا

تَضَمَّنَ الدينَ والدُّنْيا بأَسرِهمَا

والعزمَ والحزمَ والإيمانَ والرَّشدا

والسؤددَ الضخمَ مضروباً سُرادِقُه

قد ودَّتِ الشمسُ لو كانتْ له عمدا

ملء القلوب جلالاً والعيونِ سناً

والحرب بأساً وأكناف النديِّ ندى

منْ لا يُقدِّمُ في غير العلا قدماً

ولا يمدُّ لغير المكرماتِ يدا

أوْدى الزمانُ وكيف اسطاعَهُ بفتىً

قد طالَ ما راحَ في أتباعه وغدا

كأنَّه كان ثأراً باتَ يَطْلُبُهُ

حتّى رآه فلم يَعْدِلْ به أحدا

يا يوْمَ مَنْعَى عبيد الله أيُّ أسىً

بينَ الجوانحِ يأبى أن يُجيبَ ندا

وأي غرب مصاب لا يكو كفه

دمعي الهتون ولا أنفاسي الصعدا

ولا البلابلُ مِنْ مثنى وواحدةٍ

باتَتْ تُسلُّ سُيوفاً أو تُسنُّ مُدى

ولا الهمومُ وقد أعْيت طوارقها

كأنما بِتنَ لي أوْ للدُّجَى رصدا

ألاَ لِتَبْكِ قَنَاةُ الدِّينِ حَطْمَتَها

لماجدٍ لم يَدَعْ في مَتْنِهَا أوَدَا

مُهَذَّبٌ لم يهزَّ الحمدُ مِعْطَفَهُ

إلا تَهَلَّلَ مجداً واستهلَّ جدا

تودُّ بيضُ الأماني كلَّما سَنَحتْ

لو حاسَنَ الحَلْيَ في أجيادها غَيدَا

قلْ للدُّجَى وقد التفَّتْ غَيَاهِبُهَا

فلو تَصَوَّبَ فيها الماءُ ما اطَّردا

إنَّ الشّهابَ الذي كُنَّا نجوبُ به

أجوازَهخا قد خبا في التُّرْبِ أو خَمدا

لهفي ولهف المعالي جار بي وبها

صَرْفُ الرَّددى وأرانا أيَّةً قَصَدا

يا صاحبيَّ ولا يحبسْكُما ظمأٌ

طال الهُيَامُ وهذي أدْمُعي فَرِدا

وحدِّثانيْ عن العَلْيا وقد رُزِئَتْ

مسنونَها اللدنَ أو مصقولَها الفَرِدَا

أجِدَّها قد عداها بعد أوْبتِهِ

عن أنْ تهيمَ بذكراه وأن تَجِدَا

واهاً وُتِرَتْهُ ثم قد عَلِمَتْ

أن لا تنالَ به عَقْلاً ولا قَوَدا

ولم تزلْ حولها للحربِ أوديةٌ

تموجُ بالخيلِ فوْضى والقنا قِصَدا

هل نافعي والأماني كلُّها خُدَعٌ

قولي له اليومَ لا تَبْعَدْ وقد بَعُدا

وهل أتاهُ وليست داره صَدَداً

أنّي أُداري عليه لوعةً صَدَدا

وهل تَذَمَّمَ هذا الرزءُ من قَلَقٍ

قام المصابُ به أضْعافَ ما قعدا

أما ويَوْمش عبيدِ الله وهو اسى

لقد تخيّرَ هذا الموتُ وانْتَقدا

يا ماجداً أنجزَ العلياءَ مَوْعِدَها

أَليومَ انجزَ فيكَ الموتُ ما وعدا

إن الفؤادَ الذي مازلت تَعْمُرُهُ

قد رِيعَ بَعْدَكَ حتى صار مُفتأَدا

غادرتَ عينيَّ ملآوينِ من عِبَر

لا تَرْقُدَانِ ولا بؤسَى لِمنْ رَقَدا

شمسَ المعالي وقِدماً كنتَ شامتَهَا

فكمْ غضِبْتَ لها من أن تَظلْ سُدى

إيذَنْ بجدواكَ تُدْرِكْنا وكيفَ با

وقد ضَمِنْتَ لنا أن لا نموتَ صدا

هيهاتِ صَرَّحَ فيك الموتُ عنْ نبأٍ

كَنَى الزمانُ به عن نَقْضِ ما عَهِدَا

إذا وَنَتْ فيكَ خَيْلُ الدَّمْعِ جَدَّ بها

مُجْرٍ من الشَّوقِ لم يَحْدُدْ لها أمَدا

وإنْ تراءى لها السُّلوانُ طَالَعَها

ضَنْكٌ من العيشِ سلَّ الروحَ والجسدا

يا ليت شعري وهل يَثني الرّدى جَزَعٌ

عاد التبلُّدُ في سَوْراته وَبَدَا

وهل يعودُ على الماضي بعائدةٍ

إذ لا تجلُّدَ للباقي ولا جَلَدا

متى تَكاثَرُ لوعاتُ الغرام به

يهَنيه إنْ ربمَّا كانتْ لها مَدَادا

يا غادياً لم يكن شيءٌ يقومُ له

إما تَوَقَّاكَ صَرْفُ الدهرِ حين عدا

تبكي عليكَ ولا عارٌ ولا حَرجٌ

هدايةٌ كنتَ من إعلامِهَا وهدى

أبا الحسينِ ولا ادعو سوى وَزَرٍ

قد طال ما غاثَ أحباباً وغاظَ عِدَا

ويا أبا الحَكَمِ السَّامِي بهمَّتِهِ

إلى المكارمِ لا نِكْساً ولا جَمِدَا

ويا أبا القاسمِ الميمون طائرُهُ

في كلِّ ما ذمّ منه الدهرُ أو حَمَدا

عزاءَكم إنَّما الدنيا وزينَتُها

بحرٌ طَفوْنا على آذيهِ زَبَدا

واستشعرِوا الصبرَ عنه فارساً نَدِساً

لا تستطيعُ الليالي حلّ ما عَقَدا

رزءٌ تداري المعالي فيه أنْفُسها

عن لوعةٍ ملأت أحشاءَها زُؤدا

جادتْ ثراهُ فروّتهُ مجلجلةٌ

تكادُ تروي صداهُ العيشةَ الرغدا

منْ كلِّ غاديةٍ ما باشرَتْ بلداً

إلا ترنَّحَ ضاحي تُرْبِهِ وشدا

سَلِ المنايا على علمٍ وتَجْرِبَةٍ

في أيِّ شيءٍ بغى الإنسان أو حسدا

تَنافَسَ الناسُ في الدنيا وقد علموا

أن سوف تقتلُهُمْ لذّاتُهُمْ بددا

تبادَرُوها وقد آدَنْهُم فَشلاً

وكاثرُوها وقد أحصتهمُ عددا

قلْ للمحدِّثِ عنْ لقمانَ أو لُبَدٍ

لم يتركِ الدهرُ لقماناً ولا لبدا

وَللَّذي هَمُّهُ البنيانُ يَرْفَعُهُ

إنّ الردى لم يغادرْ في الشَّرَى أَسَدا

ما لابنِ آدمَ لا تَفْنَى مَطَالِبُهُ

يَرْجُو غداً وعسى أنْ لا يعيشَ غدا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن التطيلي الأعمى

avatar

التطيلي الأعمى حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-Al-Tutili@

111

قصيدة

117

متابعين

أحمد بن عبد الله بن هريرة القيسي أبو العباس الأعمى التطيلي. شاعر أندلسي نشأ في إشبيلية. له (ديوان شعر - ط) و (قصيدة - ط) على نسق مرثية ابن عبدون ...

المزيد عن التطيلي الأعمى

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة