عدد الابيات : 68

طباعة

سجا البحرُ وانداحَتْ ضفاف نديّةٌ

ولوّح رضراض الحصى والجنادلِ

وفُكَّتْ عُرىً من موجةٍ لصقِ موجةٍ

تَماسَكُ فيما بينها كالسلاسل

وسُدَّتْ كُوىً ظلّت تسدُّ خصاصها

عيونُ ظباءٍ، أو عيونُ مَطافل)

ولفّ الدُجى في مُستَجدِّ غُلالةٍ

سوى ما تردّى قبلَها من غلائلِ

سوى ما تردَى من مفاتِنِ سَحرةٍ

وما جرَّ تِيهاً من ذُيول الأصائلِ

وما حملَ " الاصباحُ " شوقاً إلى الضُحى

من الوَرَقِ النَديان أشهى الرسائلِ

وخَيّمَ صَمتٌ فاستكنَّتْ حَمائمٌ

وقَرَّ على الأغصانِ شَدوُ البلابلِ

تَثاءبَ " أملودٌ " ولُمتْ كَمائمٌ

ودبَّ فتورٌ في عُروقِ الخمائلِ

وخُولِطَ لونٌ في شَتيتٍ مَخَالفٍ

لما يتراءى أوْ شبيهٍ مُشاكِلِ

كأنَّ الدُنى مَلَّتْ تَدلِّي شخوصها

بوضح السّنى فاستُبدِلتْ بالمخايِلِ

رؤى تستبيحُ الجِنُّ في صَبواتها

بها ما بنى إنسيها مِنْ هَياكِلِ

سَجا البحرُ حتى لا تُعيدُ ضِفافُه

صدى رَعَشاتٍ مُتعَباتٍ قَلائِلِ

وحتى ليبدو في غرابةِ حالِهِ

وغربتِه عن نفسِه جِدَّ ذاهلِ

وطال عليه في عبوس دُجُنَّةٍ

ترقُّبُ "ضحاك" من الشرق قابل

ولم تبقَ إلاّ وثبةٌ من مُصابرٍ

ضعيف القُوَى كالمُقْعَدِ المتحامِل

فيا لكَ طَلْقاً رهنَ أسيانَ موحشٍ

ونابهَ ذكرٍ في خفارةِ خامِلِ

خلا الربعُ مأنوسَ الرّحابِ وأقفرتْ

ملاعبُهُ من " زغردات " الهلاهل

وماتتْ به الأصداءُ، وارتدَّ لاهثا

هُتافُ الصبايا كالخيولِ الصواهلِ

وجفّت رِمالٌ " للمسابحِ " بللت

شفاهاً عَطاشَى من " عِذاب " المناهلِ

وأعولَ مهجور " المساحب " وانطوت

منازلُ " غيدٍ " عامراتِ المنازلِ

سجا البحرُ رفّافَ السنى وتَراقصتْ

لئاليءُ تستهوي عيونَ الصياقَلِ

وغُصَّ بأشباحٍ إليه صواعدٍ

على أُخرياتٍ من سماءٍ نوازلِ

إذا هزهَزتُه الريحُ واسرَّحتْ به

خيوطٌ من الأضواء مثلُ الجدائلِ

وأَلحمه وَمضٌ من " البرقِ " ناعسٌ

وسدّاه شفٌّ من غيومٍ نواحل

حسبتَ " عريشاً " منْ عناقيدِ كرمةٍ

تَدلّى " وحرشاً " من حقولِ السنابلِ

وخلتَ النجومَ الزُهرَ صَيْداً لصائد

يُنشّرُ من أشباكِهِ والحبائلِ

تَنفْس عميقاً أيُّها " الشيخ " لم يَهِنْ

بجريٍ على فرطِ المدى المتطاولِ

ولم يُنسِه التيّاهُ مِنْ جبروته

عناقَ الشواطي، واحتضانَ الجداولِ

ولا زادَهُ إلاّ سَماحاً وعزةً

تخطي شعوبٍ فوقَهُ وقبائلِ

فيا روعةَ الدُنيا يسامرُ رَكبَها

ويحملُ أسرارَ العصورِ الأوائلِ

لك الخيرُ هل جيلٌ تقضّى ولم تكنْ

شهيداً على أعراسِهِ والغوائلِ

وهل شع إلا عنك نورُ عَباقر

ووحيُ أساطيرٍ، وبدعُ فَطاحِلِ

وهل سُعِّرتْ نارٌ لحربٍ ولم تثِرْ

عُبابكَ يَغلي حِقدُها كالمراجلِ

غزتكَ أساطيلُ الطُغاةِ، وطوَّحتْ

بحابل حُوتٍ فيك أقواسُ نابِلِ

ومرّرتَ منها جحفلاً بعد جحفلٍ

وردّك مُلتاثاً غبارُ الجحافلِ

وجازتك غضباناً كأنَ فضولها

جراحٌ بِحُرِّ اللوحِ بادي المقَاتِلِ

ويا " خالداً " تَهزا أساريرُ وجهِهِ

بمغزى خلودٍ عادمِ الوجهِ زائلِ

وبالخلقِ منحوساً مُعنّىً يروعه

بما يَبتني من عاجل خوفُ آجلِ

عَبدتك " صُوفيّاً " يَدينُ ضميرهُ

بما ذَرّ فيه من قرون الدخائلِ

ويُسرج منه بالندامةِ " مَعبداً "

تشكّى طويلا منْ دُخَان المشاعِلِ

وعاطيتُكَ النّجوَى معاطاةَ راهبٍ

مُصيخٍ إلى همسٍ من الغيب نازلِ

ولوّنتُ أحلامي بما لُوِّنتْ به

مَغانيك من كونٍ بسحركِ حافلِ

وغنّاكَ قيثاري فلم تُلَف نغمتي

نشازا، ولا لحني عليك بواغِلِ

وتشهدُ أُمّاتُ القوافي تشاغَلتْ

بها أكؤسُ السُّمّارِ إنَّكَ شاغلي

فيا "صاحبي" لا تُخل عينيّ شُدَّتا

لطيفكَ من وجهٍ لشخصك ماثِلِ

ولا تُنسِني نَفْساً هَوتْكَ فتيَّةً

وناغاك بُقيا جِذْعِها المُتآكِلِ

هوىً لمْ يمِلْ يوماً، وكم ضجَّ خافقي

بأهوَائه من مستقيمٍ ومائلِ

مفازةُ إعصارٍ تظلُّ رمالُها

تَقاتَلُ فيما بينها دونَ طائلِ

ويا مُخجلي فيما تشطُّ مزاعمي

جنوحا، وفيما تدعي من شمائل

تُنفِّضُ ما يُضفي الغرور، وتَرتدي

أمامك زيَّ القابعِ المتضائلِ

ويُفزِعُها ما بين أطماحِ ماردٍ

مُقيمٍ، وأطماعِ ابن يومين راحلِ

ترى جامحاً لا ضحكة للقوابل

ولا دمعةً تمري عيونَ الثواكلِ

ولا مُصعراتٍ للسماءِ مُتونَهُ

ويحطمُ مسمارٌ عظامَ الكواهلِ

ترى مُشرقاً لا الجوُّ رحبا بغالقٍ

عليه ولا ضوءُ الشموس بآفلِ

مهيباً كريماً باسطاً من ذراعه

تُعَبّدُ ما اسطاعتْ دروبَ السوابل

ويحنو على الشُمِّ الجوارى كما اختفتْ

نَطاسيَّةٌ بالمثقلاتِ الحواملِ

سجا البحرُ إلا من شراعٍ مُهوِّمٍ

يحومُ على صمتِ الدجى كالمخاتلِ

وخفقِ مصابيحٍ كأن خوالجي

تغلغَلنَ فيها من مُليحٍ وناصلِ

تغامزن بي يعجبن من وجد ساهر

ويمنحن خلو البال طرف المُغازل

على الشاطئ الأقصى كأن رفيفَها

على الشاطئ الأدنى بَريدُ المراحلِ

مَعالمُ كونٍ غامضاتُ سرائرٍ

فهن لمن يرتادُها كالمجَاهِلِ

وما أصغرَ الدُنيا على جهلِ ساحلٍ

لفرط التجافي والتنافي بساحل

سجا البحرُ، وانشقَ الثَرى عن هواجسٍ

تَرعرعُ في مستوبئ الظلِّ قاحلِ

وبتُّ أُساقي نَبعَها غيرَ آبهٍ

بحقٍ أنمّي زرعَها أمْ بباطلِ

اقولُ أُغنّيها فَتنبو مسامعي

وأُحصي مسَاويها فتكبو أناملي

وأمضي أُعانيها فترتدُّ يقظتي

جحيما، ونومي مثلَ حزِّ المناجلِ

وتزدادُ قُبحاً إذْ أُعالج قُبحَها

بمكذوب ظَنٍّ للمعاذير فائِلِ

ولست بدارٍ هل أسمى أشرّها

بأُمِّ المآسي، أمْ بأمِّ المهازلِ ؟

نبذة عن القصيدة

معلومات عن محمد مهدي الجواهري

avatar

محمد مهدي الجواهري حساب موثق

العراق

poet-jawahiri@

216

قصيدة

2

الاقتباسات

2341

متابعين

محمد مهدي الجواهري (26 يوليو 1903 – 27 يوليو 1997): شاعر عربي عراقي، يعتبر من بين أهم شعراء العرب في العصر الحديث. تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي، على جمال ...

المزيد عن محمد مهدي الجواهري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة