الديوان » العراق » محمد مهدي الجواهري » أبا الشعر .. تغن بتموز

عدد الابيات : 82

طباعة

أبا الشعرِ قُلْ ما يُعجب الابنَ والأبا

وهل لك إلا أن تقول فتُعجِبا ؟

وهل لك والدنيا تُغنّي بمولدٍ

ل " تموز " إلا أن تُغني فتُطربا ؟

وهل لك عُذرٌ والقوافي تُحيلُها

متى شئتَ " قيثاراً " و " ناياً " مُشبِّبا ؟

أبا الشعر يا من عانقَ الأرض زهرةً

وشوكاً فردّته أديماً مُخضَّبا

ويا من تَبَنّاه " التمرُّدُ " يافعاً

وكهلاً، ومن ناغى التمرد أشيبا

تَغَنَّ ب " تموزٍ " فتَموّز ماردٌ

تخطّى عقيماتِ العصور وأتعبا

تمادَى به جَدْبُ الليالي ليُخصِبا

وطال به عُسرُ المخاضِ ليُنجِبا

وجاءَتْ به من مشرق الأرض غمرةٌ

عصوفٌ لتستذري به الشمسُ مَغرِبا

تُنصِّبُ " عملاقاً " عليه مَخايلٌ

تُزكِّيه في " العشرين " شيخاً مُجرِّبا

ومدَّ ذراعيه ليَحضُنَ أُمَّةً

تَرَعرَعَ في الأحلام منها تَحسُّبا

وصاعَدَ من أطماحِه فتصاغَرَت

لعينَيهِ أُمّاتُ المطاليب مطلبا

نَعِمتُمْ صَباحاً قادةَ "البعثِ" أصيَداً

يُسدِّدُ خَطْوَ الصِيدِ منكم وأغلَبا

وذَوبٌ من "الحرف" المُضيء يَصوبُكم

بأعبقَ من صَوْبِ الغمامِ وأطيَبا

وأنداءُ " ريحانٍ " تَضوَّع رَوحُه

وطاب به روضُ " القصيدِ " فأعشَبا

تحيَّةَ من أوصَى بخيرٍ ضميرَه

وألزمه صِدقَ الوفاءِ وأوجبا

تمرَّستُمُ بالحكم لم تترُكوا به

شبا مِضرَبٍ إلاّ تثلَّم مِضرَبا

وقارعتُم الجُلَّى، وقُورعتُمُ بها

ولم تسألوا من ذا يكونُ المُغلَّبا

ووُرِّثْتُمُ "سبعاً وخمسين" لم تُلِح

بغير دم الفادين للركب كوكبا

وحُمِّلتُمُ ثِقلينِ قََسطاً وجائراً

ولم يُدْرَ أيٌّ منهما كان أصعبا

وسايرتُم "تَمّوز" دَرباً تعثَّرَت

به ذكرياتٌ ما أمرَّ وأعذبا

وعانيتُم "خمساً" عُجابٌ شُجونُها

و "خمساً" بما حُمِّلْتَه كُنَّ أعجبا

تَعاصَت على التاريخ حتى تَحيَّرَتْ

به صفحاتٌ كيف يُملَى ليُكتَبا

وحار الرُواةُ المخلصونَ فلم يكن

ليصدُقَ فيه المرءُ إلا ليكذِبا

أُطيحَ بها هامُ الطُغاةِ فكُوِّرَتْ

على هام من هزَّ الطغاةَ وأرعَبا

ودَقَّت بأجراس الخلاص فأطبقَتْ

على من دعا يومَ الخلاصِ وقرَّبا

وأُبدِلَ من عهدٍ رثيثٍ بآخَرٍ

جديدٍ ولكن أشوهَ الوجهِ أحدبا

وجاشت به الأضغان جُبناً، وغَدرةً

ولؤماً، وإسفافاً، وعِرقاً ومذهبا

وأبدَت جُلودٌ ناعماتٌ صميمَها

فكنَّ " ضِباعاً " جائعاتٍ، و " أذؤبا "

وضجّت " سجونٌ " من خليطٍ مُنافرٍ

كما ضمّ " نُزلٌ " مُوحِشٌ من تغرَّبا

تلاقت على بُهْمٍ وبَرٍّ وفاجرٍ

كما خبطت عشواءُ ليلٍ لتحطِبا

ولاحت ل " تَموّز " رُؤى أمِّ واحِدٍ

وقد أسلَمَتْه القابلاتُ ليُصلَبا

وأغفَى عمٍ للطائشات تقودُه

وجانبَ واعٍ قسطَه فتَهرَّبا

و " صوَّف " من لم يعرف " الديرَ " عُمرَه

وقد خذلته نُهزةٌ فترهّبا

وقارع كأس الموت بالصبر صامِدٌ

وأفرغَ من أسآرها ما ترسَّبا

ونِمتُمْ على جَمر الغَضَا تَحضُنونَه

ب " ساعةِ صِفرٍ " خوفَ أن تتسرَّبا

وخاطَرْتُمُ: إنَّ المنيّةَ كالمُنى

كفاءٌ بسُوحِ المجد أن تُتَطلبا

ودوَّت فلا والله مارنَّ مثلُها

على سامعٍ ممن حَبا أو تنصَّبا

تلاقى عليها الخَلقُ لم يُبقِ مِطرفاً

من البيتِ لم يَسحبْ ولم يُبق مَسحبا

وشعّت وقد عَيَّ اللسانُ، ضمائرٌ

ترِفُّ على سُمْر الوجوه لتُعرِبا

عَطَفْتُم به من بعد ما كادَ نَقمةٌ

على خُدَع الأحلام أن يتَنكَّبا

وفَجَّرْتُم منه الينابيعَ ثرَّةً

من البذل لم يتركْ لها أمسِ مَسرَبا

وأنعشتُمُ فيها رُؤى " الغدِ " بعدَما

أطارت بما مَنَّتْه " عنقاءَ مُغرِبا "

وجئتُم ب " تمّوزٍ " جديدٍ مُسعِّرٍ

يلوبُ على ما فات أسيانَ مُغَضبا

فأسفر عن " عَشْرٍ " وِضاءٍ كما انجلى

سنا الفجرِ عن ليلٍ تطاول غيهبا

سنا الفجرِ إلا غيمةٌ ثم تنجلي

وإلا رمادٌ ثم يُذرى به هَبا

كشفتُم بها من وَجهه ما تقطَّبا

وقوَّمتُمُ من جِذعه ما تخشَّبا

وأبدَلْتُمُ تِلك المغارِمَ مَغنماً

وصيّرتمُ تلك المخَاسِرَ مَكسَبا

وأُفرغْتُمُ قلباً بقلبٍ فأخصَبا

وطوَّعتُمُ شكساً وإلباً فأصحبا

وقُلتُم: عِما خيراً ل " زابٍ " و " دجلةٍ "

وللنخلِ والزيتون: أهلاً ومرحبا

وسرَّحتمُ الآلاَف صعَّدَ فوقها

بلاءُ السجونِ المُطبقاتِ وصوَّبا

وأشركْتُم في حُكم " حِزبٍ " محبَّبٍ

أخي ثقةٍ " حِزباً " وثيقا مُحبَّبا

أبا "هَيثمٍ" يا مُوسعَ الناسِ حلمَه

أفاءَ عليهم ظلَّه وتَحدَّبا

ويا ابن "الحسين" الفذِّ شهماً سَمَيْدَعاً

مَهيباً، وَثُوباً قبلَ أن يتوثَّبا

ويا ذادةَ " الصفَّين " قُطراً، وأُمةً

يَربُّونَ من مجديهما ما تأشَّبا

نداءُ صَريحٍ جَنَّبَ العُجْبَ نفسَه

وإن راح صَبّاً بالرجولات مُعجبا

تخيَّرَ حُبَّ الناس والخيرِ مذهباً

وفرَّقَ فيهم روحَهُ فتَشَعَّبا

وساقاكمُ حلوَ البيانِ قصائداً

من اللُطفِ كادت أن تسيل فتَشربا

لَممتُمْ على شَعْثٍ كما انصَبَّ سحرةً

نسيمٌ على قَطْر النّدى فتذوّبا

سَرايا صُفوفٍ خيِّراتٍ تألبتْ

وأنتُم على " مُستعمِرٍ " ، وتألّبا

وظلّتْ وإياكم ثلاثينَ حِجّةً

تشُدُّ على اليافوخ منه لتضرِبا

وآليتُما أنْ لا تُبقِّي يداكما

على ذَنَبٍ حتى تقُصَّ المُذنَّبَا

أحاقَ بهم بَغْيُ الطُغاةِ، وعُذّبُوا

بأسياط " جَلاّدَ " بكم قد تعذّبا

ومسَّهمُ الضُرُّ الذي نال منكُمُ

وطالوا كما طُلتم على الضُرِّ مَنكِبا

وطُوردَ في عُرض البلاد وطُولها

ذووهم، وجابُوا الأرض شرقاً ومَغرِبا

سواعدُكم يومَ الكفاح وبُوعكم

إذا ما تأتَّى ساعدٌ، وتهيَّبا

وبينَكُما كالأمسِ للمُلتَقَى غدٌ

ويبقى " غدٌ " أدنى لساعٍ وأقربا

ويفتقدُ الغَمْرُ الشُّجاعُ دُروعه

وإن لم يحاربْ خوفَ أن يُتحرَّيا

فلا تأخذوهُمْ في هَناةٍ وأُختِها

فمن ذا الذي لم يعترف فيه مَثلَبا

ومن ذا الذي جَبَّ الخطايا تَنَزُّهاً

وعاف الورى في " طينهم " وتربّبا

وحسبُ الفتى أن تستبدَّ هَناتُه

بتهذيبه، حتى يعودَ المُهذّبا

ونِعْمَ صديقُ القَوم مَن إنْ تقطَّعَت

بهم وَبه الأسبابُ يَوماً تَسبّبا

وأحسنُ من عاتبتَ، أولمتَ، صاحبٌ

ألامَ على مَحض الوِدادِ، وأعتَبا

فلا تخذِلوا منهم "حليفاً" مُقرّبا

ولا تُشمِتوا فيهم وفيكم مُجنَّبا

أهيبوا ب " تَمّوزٍ " ليُضفى قُلوعه

على الحُبِّ " طاووساً " مُدِلاّ ويسحبا

وزيدوا على ما لوَّنَتْ من جماله

مَساعيكُمُ لوناً من الحُسنِ مُشرَبا

ويا "عيدَ تَمّوزٍ" لك المجدُ خالداً

ولا زلت سؤلاً للجموع، ومَأرَبا

فلا زَحَمتْك الطارئاتُ بِثقلها

ولا زَعزَعَتْ منك الكيانَ المُطَنَّبا

ولا خَبَطَت صَفْواً أكُفٌّ لئيمةٌ

ولا رنَّقتْ للكوثر العَذْب مَشْرَبا

وعُوذتِ سُوحَ " الرافدين " ولا غَدَت

ضفافُك بعد اليوم للمَوت مَلعبا

ولا عُدتِ مَرماةً يُزاحِمُ موكبٌ

رَمْلك الموّارِ بالدم مَوكبا

ولا أظلَمَتْ منك البيوتُ ولا ذَكا

بها خِنجرٌ " ضَوَّى " وطَلْقٌ تلهّبا

أبا الشعر قلْ ما يُعجبُ الابنَ والأبا

وهل لكَ إلاّ أن تقول فتُعجِبا ؟

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد مهدي الجواهري

avatar

محمد مهدي الجواهري حساب موثق

العراق

poet-jawahiri@

216

قصيدة

2

الاقتباسات

2341

متابعين

محمد مهدي الجواهري (26 يوليو 1903 – 27 يوليو 1997): شاعر عربي عراقي، يعتبر من بين أهم شعراء العرب في العصر الحديث. تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي، على جمال ...

المزيد عن محمد مهدي الجواهري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة