عدد الابيات : 68

طباعة

تَعَجَّلَ بِشْرَ طلعتِكَ الأفُولُ

وغالَ شبابَكَ الموعودَ غُولُ

وطافَ بربعكَ المأنوسِ ليلٌ

تزولُ الدَّاجياتُ ولا يَزولُ

وأثقلكَ الحِمامُ فلستَ تصحو

ويصحو الرَّوضُ أثقلَهُ الذُّبولُ

وقاسَمَكَ الرَّدى مَنْ تَصطفيهِ

كما يَتقاسَمُ الشَّفَقَ الأصيلُ

لعمرك إن سائمة الرزايا

لها في سوحنا مرعى وبيل

يظل الحي إثر الميت فيها

يودّ لَوَ أنّه عنه البديل

يسمِّم لحمه موهوم ظنٍ

ويخطف لبَّه لمح ضئيل

وينهَشُهُ على التِّذْكار وحشٌ

شروبٌ من حُشاشتِهِ أكول

وحيداً عند معترك الليالي

ينازله من البلوى قبيل

يزيد تفكراً فيزيد همّاً

وتستدعي له العُقَد الحلول

ويبتعث الدخائل قد تناسى

دفائنها، فيقتله القتيل

أسلتُ الآهة الحرّى تلاقتْ

عليها دمعةٌ حرَّى تَسيلُ

على " قَمريْنِ " لَفَّهُما حفيرٌ

تُجَرَّرُ فوقَه حُزناً ذُيولُ

وآخرَ ثالثٍ حلوٍ كشملٍ

يُلَمُّ على الرَّدى منه فُلولُ

فيالكَ مَوقفاً جَلَلاً فظيعاً

يَنوءُ بِثِقْلِهِ " الشيخُ الجليلُ "

تَنازَعَ وجْهَه فَبَدا شفيفاً

مَهيبُ الحزنِ، والصبرُ الجميلُ

عجبتُ له وبعضُ العَجْبِ حَمْدٌ

وبعضُ الشكِّ حُكْمٌ لا يَفيلُ

أمن صُلْبٍ بركبٍ من " نعوشٍ "

يُسارُ، ولا يَخورُ، ولا يَميلُ ؟!

وتُمتَحنُ الرجولةُ في محكٍ

يُمازُ به المزيَّفُ، والأصيلُ

وعند النفس شامخةً سفوحٌ

مطامنةٌ، ومن دَعَةٍ سهول

يراوحها على الضراء رَوْحٌ

وفي " النكباء " أنسام قيول

فلا تَبعدْ " محمَّدٌ " المُزَكّى

دعاءَ مُحاوِلٍ ما يَستحيلُ

ذكرتُكَ فاستجدَّتْ شاخِصاتٌ

كأن غيابَها عندي مُثُولُ

خِصالٌ كلُّها شرفٌ رفيعٌ

ونفسٌ كلُّها خُلقٌ نبيلُ

وطبعٌ صِيغَ من أدبٍ ولُطفٍ

كعطرِ الزَّهرِ فوَاحٌ خجولُ

ورُحتُ أعيشُ غصَّةَ ذكرياتٍ

سجالٍ ما تُشيحُ، وما تُنيلُ

أعقّب ما تغيَّبَ من رؤاها

كما يتعقّب القِدحَ المجيل

أُسَرُّ على تَمثُّلِهنَّ أني

وُجِدتُ على هُدَى فيما أقولُ

ويُؤلمني بهنَّ مزيدُ عِلمٍ

وقد يُتَحَسَّدُ الرجلُ الجهولُ

فهنَّ بأمسِ في عيني سِراجٌ

وهنَّ اليومَ في كبدي نصولُ

أقولُ أصونُهنَّ من التشكِّي

فيأبى ذلك البرَحُ الدَّخيلُ

فلا وَأبيكَ ما نَهنهتُ نفسي

على أيٍّ وأيَّتما تَميلُ

تركتُ القلب يَعصِره التياعٌ

فيمضي رسلَهُ جَفنٌ بَليلُ

وعالجتُ الأسى بأسىً جديدٍ

على أنَّ الطبيبَ هو العليلُ

وقد يُوقَى بفرط الوجدِ وَجدٌ

وقد يشفى بحرقتهِ الغليلُ

وكم همٍّ به انفرجتْ همومٌ

وقد عُمّين وارتمت السدول

وتلتئم الفُروع على التأسي

بما مدّت وشائجَها الأصول

وقفت على القُبور وليس فيها

حبيبٌ لي ولا صَحبٌ حُلول

فقلت مسلماً ودمي دموع:

بُيوتُ أحبّةٍ هذي الطُّلول

أبثُّكَ يا " ابنَ أحمدَ " هدهداتٍ

بهنَّ يُسامِرُ الخِلَّ الخليلُ

أتعلمُ أنَّ طيفَكَ لا يحولُ

يَحومُ فيزحفُ الرَّبْعُ المُحيلُ

بأشباحٍ تُحالُ بناتِ يومٍ

ويعدلُ ساعةً منهنَّ جيلُ

وأخيلةٍ يُراعُ بها خَليٌّ

وهنَّ لواجِدٍ نِعْمَ المخيلُ

صدى قَدَمٍ هنا، ومَدِبُّ همسٍ

هناكَ يَشلُّه فزَعٌ مَهولُ

وعُشٌ عافَهُ نَسرٌ مَهيضٌ

يُلَمُّ بهِ على شَعَثٍ نَسيلُ

وألواحٌ كوجهِ الصُّبحِ بيضٌ

يُجلَّلُ بالسوادِ لها فُضولُ

وخيلٌ سابقتْ بَرقاً .. وكادتْ

ولكنْ خانَها لَحظٌ كليلُ

وأرسالٌ من " الفُرسانِ " تَهوي

فيلقَفُهنَّ من " وحش " رَسيلُ

و " أغْرِبَةٌ " على جَدَثٍ، و " رفشٌ "

وأتربةٌ يغص بها المُهيلُ

ولفحُ عَجاجةٍ، ورؤى دُخانٍ

على سفح، ونبعٌ سَلسبيلُ

وحُورٌ يَبْتَرِدْنَ به، وحشدٌ

من " البجعاتِ " أسرابٌ شُكُولُ

وَنَضْحُ " دمٍ " على الجُرفْينِ يُسقى

به زرعٌ، وينتهضُ " النخيلُ "

وسيلٌ يرتمي شفقاً، فَتُدحى

به أرْضٌ، ويَصطبغُ المسيلُ

وتضحكُ غيمةٌ، وتعودُ " جِنُّ "

ملائكةً وتزدهرُ الحُقولُ

أبا المغوارِ " هيثم " حَوَّطَتْهُ

بإخوتِهِ مَغاويرٌ فحولُ

تَعَزَّ .. ولا يَحُنْكَ كريمُ صبرٍ

وأنتَ لكلِّ مَكرُمَةٍ عَديلُ

يحزُّ النفسَ أنْ يُمسي حزيناً

عرينُكَ أيُّها الأسَدُ الثَّكولُ

ولكنْ ما السبيلُ ؟ وكلُّ حيٍّ

سيقطعُ يومَه هذا السبيلُ

هي الدنيا أساطيرٌ تدولُ

وأفراسٌ مُغَفّلةٌ تجولُ

ودارٌ يَستديرُ بها عَذابٌ

عليه يُصلبُ " الحيُّ " النزيلُ

ومجزرةٌ تُساطُ بها جِباهٌ

وَتَسحقُ عندَها الغُرَرَ الحُجولُ

كَفَيْءِ الشَّمسِ تأكلُنا تِباعاً

بما يتأكًّلُ الظلُّ الظليلُ

و " ذَرّاً " نستطيرُ بها شَعاعاً

ونُمحقُ .. لا المثالُ ولا المثيلُ

وتذبحُنا سُيوفٌ من غُيوبٍ

عَويلُ النائحاتِ لها صَليلُ

على أنَّ " المصابَ " إذا تلاقتْ

عليهِ الناسُ يَسْهُلُ أو يَحولُ

بكى لمصابكَ الشَّعبُ الأصيلُ

وردَّ على الرَّعيلِ بهِ الرَّعيلُ

وصاحَ يُوزِّعُ الحَسَراتِ ناعٍ

وطارَ بها إلى الدنيا رَسولُ

تَعَزَّ " أبا محمد " إنَّ حُزناً

يُشَارَكُ فيهِ عن ألمٍ بَديلُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد مهدي الجواهري

avatar

محمد مهدي الجواهري حساب موثق

العراق

poet-jawahiri@

216

قصيدة

2

الاقتباسات

2341

متابعين

محمد مهدي الجواهري (26 يوليو 1903 – 27 يوليو 1997): شاعر عربي عراقي، يعتبر من بين أهم شعراء العرب في العصر الحديث. تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي، على جمال ...

المزيد عن محمد مهدي الجواهري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة