الديوان » العصر الأندلسي » ابن أبي الخصال » قضاء من الرحمن ليس له رد

عدد الابيات : 81

طباعة

قضاءٌ من الرّحمنِ ليس لَهُ رَدُّ

وسَكرةُ مَوتٍ ليس من وِردِها بُدُّ

وكأسٌ أدارتها يدُ العدلِ بَينَنا

فيَشرَبُها المَولى كما يشرَبُ العَبدُ

سَقت أُمَّ عَمرٍ والّذين سقتهمُ

دِراكاً وكانت لا يُنَهنِهُها الصَّدُّ

وما أخطأَت خيرَ الثلاثةِ عندَها

ولا قصَّرت عن خيرِهم عندَنا بَعدُ

وشبَّ عن الطَّوق المعارِ فَردَّهُ

وما اعتاضَ منهُ مِن شبيبتِهِ رَدُّ

ومِن قَبلُ ما أردَت أَباهُ حياتُه

وطوَّقَهُ من قبلِ تَطويقِهِ الحَدُّ

وأمثَلُ ما قالُوهُ فَرَّ لوجههِ

وأَجفَلَ مذعوراً كما تجفلُ الرُّبدُ

وعُزّزَ منه القارظانِ بثالثٍ

فأصبَح رَهناً لا يَرُوحُ لا يَغدوُ

وساءَتهُ من قبلِ المَسرّةِ نفسُه

به وَهوَ لغوٌ لا خَطاءٌ ولا عَمدُ

وما كانَ إلّا نَصلَ أَروعَ ماجدٍ

تَجلّى لوقتٍ عن مضاربهِ الغِمدُ

وعمرو بن هند غالَه نَفثُ أرقمٍ

بكفّ ابن ليلى وَعدُه بالرّدى نَقدُ

وجَرَّ على هندٍ عُقوقاً بِبِرِّهِ

فيا ليتَ لم تَرُم قتوَها هندُ

فأُمِّنَ منه كلُّ شيءٍ يخافهُ

وكم ذُعِرَت منهُ المُلَملمَةُ الصُّلدُ

وكرَّت على الزَّباءِ إِثرَ جذيمةٍ

وحُمَّ لها من مثل ما جَرَّعت وِردُ

ولو ملّكتهُ رأيَهُ يومَ بَقّةٍ

لما فاتَهُ من يومِ مكروهِها وَعدُ

وَما بلغ الثأرُ المنيمُ قتيلَها

وهل تَبلغُ الأنباءُ مَن دُونَهُ اللَّحدُ

ولم تُحصِنِ الزبّاء قُنّةُ شاهقٍ

تُساميهِ أَوهامُ الخطوبِ فيرتَدُّ

ولا نَفقٌ يستبطِنُ الأرضَ غامضٌ

طَوتهُ كما يُطوى الضَّميرُ فما يبدو

وجَرَّت على مَغنى قصير ذيولَها

ولم تُنجِهِ منها العَصا وهيَ تَشتَدُّ

وإن خالَهُ من شدَّةِ الركضِ ناجِياً

فَما كانَ إِلَّا بَينَ أَنيابها يَعدُو

وأَينَ من الجعديّ آلُ محرّقٍ

تولُّوا فلا سِبطٌ يُعَدّ ولا جَعدُ

تذكّرَهُم والأَرضُ منهم بَلاقِعٌ

فلم يتمالَك دمعهُ وهُوَ الجَلدُ

ولم ينسَ حسّانٌ لأَولادِ جَفنةٍ

أَواصِرَ إِحسانٍ على الدَّهرِ تَمتَدُّ

ولم ينسَهُ ابنُ الأيهم النَّدبُ بالنّدى

وَلِلأَرضِ والإسلامِ بينَهُما بُعدُ

ولم يبكِهِ إلّا الوفاءُ ومَعشرٌ

كرامٌ على آثارهم ينبتُ الحَمدُ

وما أوحشَ الدُّنيا بِمَن أَنِسَت بهِ

ومن حَيثُ يأتي الأُنس يُستشعَرُ الوَجدُ

وكم بينَ أطباقِ الثَّرى من موسَّدٍ

له المُقرَبان المُهرُ والسّابحُ النّهدُ

ومنظورِ أَوباتِ السِّفار كأنَّما

هلالٌ على فِطرٍ أهَلَّ به السَّعدُ

رَقيقِ حَواشي الحِلمِ والعِلمِ والنُّهى

ولكنُّهُ في كلِّ حادثةٍ صَلدُ

أَخي عَزماتٍ لو طُبِعنَ صَوارماً

لقَصَّر عنها كلُّ ما طبَعَ الهِندُ

تألَّفَ من سِرِّ المكارمِ شَخصُه

فلا نظرةٌ فيهِ لعينٍ ولا نَقدُ

وأَبلَج يَلهُو بالمَعالِي برَاعَةً

فَتَدرِي المَعالي أَنَّ شِيمَتَهُ جدُّ

حُلىً لم تَكُن لُبساً لغير ابنِ مالِكٍ

وهَيهاتَ يَأبى اللَهُ ذلكَ والمَجدُ

سَيُعرِبُ عنكَ الدَّهرُ أَنّكَ فَردُهُ

وأَنَّكَ لِلعليَا ومُدّتها حَدُّ

وتَبكيكَ عَينٌ لم تَنل منكَ نَظرَةً

وتُوحِشُ أَرضٌ ما رماكَ بها عَهدُ

ويَفقِدُكَ الإسلامُ والبِرُّ والتُّقى

وهذا الكلام النَّثرُ والنَّائلُ السَّردُ

أَلستَ من الأَقيَالِ أَقيالِ حِميَرٍ

إلى كُلّ فَيَّاضِ النَّدى سَيبهُ عِدُّ

ومُنتَجع الأَكنافِ مُرتَبع الذرا

بِمالِكهم يَحدُو الرَّكائِبَ من يحدُو

لَعَمري لَقد أَدّى نُعيمٌ وعُقبةٌ

إليكَ العُلا كفّاً يَصُولُ بها زَندُ

إذا صدَرت عن ماجِدٍ عَنَّ ماجِدٌ

مَحاسِنُه شَتّى وسُؤددهُ فَردُ

تَسَلَّمتَها لَمّا دنَت عن مُحَمَّدٍ

أَبيكَ أَبٌ لم يُخزِهِ الأَبُ والجَدُّ

إذا حَلَّت الأنسابُ غَوراً فَإِنّما

مَحلُّك مِن أَعلى ذَوائِبها نجدُ

وما المَجدُ إلّا كَوكَبٌ كُلّما سَرى

فمصعَدُهُ سَهلٌ ومَسلَكَهُ قَصدُ

فَيا قَمر العليا ويا رائدَ الحَيَا

ويا جَبَل الدُّنيا أَمثلك يَنهدُّ

عَزيزٌ عَلَينا أَن تَحُلَّ بِوَهدَةٍ

وما كانَ حقّاً من منازِلكَ الوَهدُ

وأَنَّكَ مَهما نَوَّهَ القَومُ للِقرى

تُنادي فلا بِشرٌّ لَدَيكَ ولا رِفدُ

بعيدٌ على أَن الديارَ قريبةٌ

مقيمٌ وكم تاهت بكَ الضُمرُ الجُردُ

وما كُنتَ إلا الغَيثَ طَبّقَ نَفعُهُ

وسَدّ خَصاصَ الأَرضِ من وَبلِهِ سَدُّ

كذلك ما اختَصَّت بفقدكَ بُقعَةٌ

وصَوبُ الحَيا في كلّ أرضٍ لهُ فَقدُ

وإن لحِمصٍ لو علمتَ عصابَةً

حَيازِيمُهُم من حَرِّ ثُكلِك تَنقَدُّ

وفي حضرَةَ المُلكِ استَهلَّت مدامِعٌ

عَليكَ ولم تَظلِم كما انتثَر العِقدُ

فَمَن لِبَنِي الآمالِ أَنضَتهُم السُّرى

ولَفّتهُم النّكباءُ والليلُ مُسوَدُّ

ومَن لليَتامى والأَرامِل أَصبَحُوا

وقد مَسَّهُم ضرٌّ وقد شَفَّهُم جَهدُ

ومَن للعُنَاة البائسينَ يَفُكُّهُم

وقَد ضَمّهُم سِجنٌ وأَوثَقُهُم قِدُّ

ومَن لِسَبيلِ البِرِّ يُحيِي رُسُومَها

وقد أَصبحَت سَحقاً كما أَخلقَ البُردُ

مَكارِمُ قد ضاعَت ثغورُ حُقُوقِها

فليسَ لَها من بَعدِه أَبداً سَدُّ

وهَوَّن خَطبَ الشَّامَتينَ مصانِعٌ

لها دونَ هذا الحُرّ أَلسِنَةٌ لُدُّ

وبيتٌ بنَاهُ فوقَ أَفئدةِ العِدا

إذا حاوَلُوا أن يَظهَرُوا مَجدَهُ رُدُّوا

أَساطِينُ خُرسٌ ناطقاتٌ بِفَضلهِ

مُخَلَّدةٌ والفضلُ آيَتُهُ الخُلدُ

أقامَت صُفوفاً أَو صُفوناً كَأنّها

لِزُوَّار بيتِ اللَهِ تحرسُهم جُندُ

وعَذبٌ إذا ما ذاقَهُ ذُو كشاحَةٍ

تَجَرّعهُ حَرّاً ومَورِدُهُ بَردُ

وإنّ الّذي سَقّى العبادَ لِوَجهِه

مليٌّ بِسُقيَا من شرائعها الشَّهدُ

لِتَشكُر دمشقٌ نِعمَةً يَمنِيَّةً

إلى الصِّيدِ من حَيّ المَعافِر تعتَدُّ

وتندُب فتَاها النَّدبَ غَيرَ مُدافعٍ

إذا ثَوَّبَ الداعُونَ أَو طلَعَ الرَّندُ

وتعرف له معروفَهُ الشامُ كُلّها

وإن جَحَدُوا فالشَّمسُ ليسَ لَها جَحدُ

لقَد رَدّ صَرفَ الدَّهر عَنهُم مكانُه

فَبينهُم منهُ وَبَين الرّدى سَدُّ

فَقُل للذي يَبغي مساعِيَ مَجدِهِ

عَجزتَ ولم يُبلَغ نَصِيفٌ ولا مَدُّ

ويا حاسِديهِ قد قضى لِسَبيلِهِ

فهل عِندَكُم في نَيلِ سؤدده عِندُ

أَفيقُوا من الدَّاءِ العُضَالِ وسَلِّمُوا

فما نارُهُ إلا لكُم وله الزَّندُ

سَقى اللَه قَبراً ضَمَّهُ كُلّ ضاحِكٍ

مِنَ المُزن يَحدُو عَينَ بارِقهِ الرَّعدُ

ولا بَرِحَتهُ رَوضَةٌ نَفَحَاتُها

كَما فُتَّ مِسك أَو كما حُرِقَ النَّدُّ

ولا زالَ في فَرحٍ ورَوحٍ ورَحمَةٍ

ومنها لهُ عَرشٌ ومنها له مَهدُ

وشَبَّ على تِلكَ السِّيادَةِ أَحمَدٌ

وإِن شبَّ في قَلبِ العَدُوّ له حِقدُ

فصانَ الذي شادَتهُ آباؤُه له

وأَغنى الذي أَغنَوا وسَدَّ الذي سَدُّوا

ودانَت له الدُّنيا ودامَت بهِ العُلا

وساعفَهُ حَظٌّ وساعدَهُ جَدُّ

ولاقاهُ ما أَولاهُ من كلِّ صالحٍ

لأَمثالِهِ إِن أَنصَفوا يُوضَعُ الخَدُّ

مآثِرُ فاتَت عَدَّ كلِّ مُحصِّلٍ

وأَنَّى لها والرَّملُ من بعضها عَدُّ

ومنها جِبالٌ راسياتٌ مُنيفَةٌ

ومنها بحورٌ زاخراتٌ لها مَدُّ

سأبكيك لا أني قضيتُ مَذمَّةً

فحقُّكَ لا يُقضى ولكنّهُ جُهدُ

وما عَبرَتي من عبرةِ ابنِ مفرِّغٍ

وقَد فَضَّها في غَيرِ مَحمدَةٍ بُردُ

ولكن كما تبكي لِصَخرٍ تُماضِرٌ

مَدامِعُ تُجريها الأُخوَّةُ وَالودُّ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن أبي الخصال

avatar

ابن أبي الخصال حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-Ibn-Abi-al-Khisal@

108

قصيدة

74

متابعين

محمد بن مسعود بن طيّب بن فرج بن أبي الخصال خلصة الغافقي، أبو عبد الله. وزير أندلسي، شاعر، أديب، يلقب بذي الوزارتين، ولد بقرية (فرغليط) من قرى (شقورة) وسكن قرطبة ...

المزيد عن ابن أبي الخصال

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة