الديوان » العصر المملوكي » ابن أبي حصينة » جادت يداك إلى أن هجن المطر

عدد الابيات : 56

طباعة

جادَت يَداكَ إِلى أَن هُجِّنَ المَطَرُ

وَزانَ وَجهُكَ حَتّى قُبِّحَ القَمَرُ

أَمسَت عُقولُ البَرايا فِيكَ حائِرَةً

فَلَيسَ يُدرى هِلالٌ أَنتَ أَم بَشَرُ

لَو كُنتَ في عَصرِ قَومٍ سارَ ذِكرُهُمُ

في الجاهِلِيَّةِ لَم تُكتَب لَهُم سِيَرُ

وَلَو لَحِقتَ زَمانَ الوَحيِ ما نَزَلَت

إِلّا بِتَفضِيلِكِ الآياتُ وَالسُوَرُ

إِنَّ العُصُورَ وَأَهلِيها الَّذينَ مَضَوا

مُذ مَرَّ ذِكرُكَ بِالأَسماعِ ما ذُكِرُوا

أَبدَعتَ في كُلِّ شَيءٍ أَنتَ فاعِلُهُ

فَلَم يُقَس بِكَ لا بَدوٌ وَلا حَضَرُ

هَجَّنتَهُمُ وَأَبانَ الفَضلُ نَقصَهُمُ

حَتّى لَأزرَت عَلى سُكّانِها الحُفَرُ

لا يَنعَتِ الناسُ جَوّاباً وَلا زُفَراً

فَما يُدانِيكَ جَوّابٌ وَلا زُفَرُ

ما الخَبرُ كَالخَبَرِ المَروِيِّ مُذ زَمَنٍ

يا صاحِ هَل يَتَساوى الخُبرُ وَالخَبَرُ

مَضى الزَمانُ وَمِن أَنبائِهِ أُمَمٌ

رامُوا مَرامَكَ في الدُنيا فَما قَدَرُوا

إِنَّ المَحَلَّ الَّذي أَصبَحتَ مُدرِكَهُ

دُونَ المَحَلِّ الَّذي أَصبَحتَ تَنتَظِرُ

إِذا صَعِدتَ مِنَ العَلياءِ في دَرَجٍ

تَسَبَّبَت دَرَجٌ مِن فَوقِها أُخَرُ

لا يَنتَهِي لَكَ إِقبالٌ إِلى أَمَدِ

وَلا يَنُصُّ إِلى وَقتٍ لَكَ العُمُرُ

تَرقى وَتَلقى نُجُومَ الجَوِّ هابِطَةً

فَأَنتَ تَصعَدُ وَالعَيُوقُ يَنحَدِرُ

كانَ الزَمانُ بَهِيماً وَاِتَّفَقتَ لَهُ

فَغَيَّرَت لَونَهُ أَيّامُكَ الغُرَرُ

أَمّا يَداكَ فَقَد أَمسَت مُسَلَّطَةً

عَلى النُضارِ فَلا تُبقي وَلا تَذَرُ

أَفنَت كُنُوزَكَ وَاستَبقَت جَميل ثَناً

يَعفُو الزَمانُ وَلا يَعفُو لَهُ أَثَرُ

لا أَقفَرَت شَجَراتٌ عَرَّقَت وَزَكَت

فُرُوعُها فَزَكا مِنهُنَّ ذا الثَمَرُ

أَما الثُغُورُ فَقَد سُدَّت بِمُنتَجبٍ

ماضِي العَزِيمَةِ ما في عُودِهِ خَوَرُ

جَلدٍ عَلى نُوَبِ الأَيّامِ مُصطَبرٍ

لَولا نَداهُ لَقُلنا إِنَّهُ حَجَرُ

أَحَبُّ شَيءٍ إِلَيهِ في مَمالِكِهِ

أَن يُجمَعَ الحَمدُ لا أَن تُجمَعَ البَدرُ

يُهدي إِلى التُربِ طِيباً طِيبُ أَخمَصِهِ

حَتّى يَقُومَ مَقامَ العَنبَرِ العَفَرُ

مُبارَكُ الوَجهِ لا مِيثاقُهُ حَرِجٌ

عَنِ الوَفاءِ ولا مَعرُوفُهُ عَسِرُ

يُجِدي وَيُردي فَإِمّا وَاهِباً نِعمَاً

أَو سالِباً فَهوَ لا حُلوٌ وَلا صَبِرُ

أَثنَت عَلى فَضلِهِ العِيسُ الَّتي دَمِيَت

أَخفافُها وَالسُرى وَالسَفرُ وَالسَفَرُ

أُنظُر لِتَنظُرَ شَيئاً جَلَّ خالِقُهُ

يَحارُ فيهِ وَفي أَمثالِهِ النَظَرُ

طَوقاً عَلى المَلِكِ المَيمُونِ طائِرُهُ

كَأَنَّهُ هالَةٌ فِي وَسطِها قَمَرُ

وَحُلَّةً مِن أَدِيمِ الشَمسِ مُشرِقَةً

لا يَستَطيعُ ثَباتاً فَوقَها البَصَرُ

تَوَقَّدَ التِبرُ حَتّى لَو دَنَوتَ بِهِ

مِن غَيرِ لَفحٍ رَأَيتَ النارَ تَستَعِرُ

قَد كَفَّها عَن كَثِيرٍ مِن تَوَقُّدِها

خِرقٌ يُرى الماءُ مِن كَفَّيهِ يَنعَصِرُ

هَذا وَمِن أَنجُمِ الجَوزاءِ مِنطَقَةٌ

مُرَصَّعٌ حَولَها الياقُوتُ والدُرَرُ

وَصارِماً ذَكَراً قَد نابَ حامِلُهُ

عَنِ الخَليفَةِ هَذا الصارِمُ الذَكَرُ

أَطاعَهُ كُلُّ شَيءٍ طاعَةً حُتِمَت

حَتّى القَضاءُ وَحَتّى الحَينُ وَالقَدَرُ

مِمّا تَخَيَّرَهُ عادٌ وَخَلَّفَهُ

لِلسّادَةِ الغُرِّ مِن أَبنائِهِ مُضَرُ

كَأَنَّما حُمِّلَت مِنهُ حَمائِلُهُ

عَقِيقَةً أَو جَرى في غِمدِهِ نَهَرُ

وَطامِحَ الطَرفِ نَهداً في سَبائِبِهِ

طُولٌ يُحَبُّ وَفِي أَرساغِهِ قِصَرُ

كَأَنَّما فَوقَ هادِيهِ وَلَبَّتِهِ

مِنَ الحُلى جَمَراتٌ ما لَها شَرَرُ

يَمشِي بِأَروعَ لا يَهُفو بِهِ زَلَلٌ

عَنِ الرَشادِ وَلا يَقتادُهُ الغَرَرُ

وَرايَةٌ باتَ مَعقُوداً بِذِروَتِها

مِن فَوقِهِ العِزُّ وَالتَأيِيدُ وَالظَفَرُ

كَرَوضَةٍ مِن رِياضِ الحَزنِ مَونِقَةٍ

مِنها اللَياحُ وَمِنها الأَخضَرُ النَضِرُ

تَلتَفُّ أَطرافُها وَالرِيحُ تَفتحُها

كَما تَفَتَّحَ مِن أَكمامِهِ الزَهَرُ

تَهتَزُّ مِن فَرَحٍ وَالسَعدُ شامِلُها

كَأَنَّما عِندَها مِن سَعدِها خَبَرُ

مِن خَلفِ أَطوَلَ مِنها باعَ مَكرُمَةٍ

في المَجدِ لا مَلَلٌ فيهِ وَلا ضَجَرُ

أَناخَ وَفدٌ عَلى وَفدٍ بِساحَتِهِ

وَعَرَّسَت زُمَرٌ في إِثرِها زُمَرُ

تَلقى مَوارِد فَخرِ المُلكِ مُترَعَةً

لا الوِردُ يَنقُصُها شَيئاً وَلا الصَدَرُ

يَغدُو وَتَقدُمُهُ الأَعلامُ حائِمَةً

كَالطَيرِ نازِحَةً عَن سَعدِها الطَيَرُ

خَفّاقَةًكَقُلوبِ الشانِئِينَ لَها

إِذا تَمَكَّنَ مِنها الخَوفُ وَالحَذَرُ

وَهَت بُحُورُ العِدى وَالنُجبُ حامِلَةٌ

تِلكَ القِبابَ عَلَيها الوَشيُ وَالحبَرُ

خُوصٌ تَهادى بِأَنماطٍ مُصَوَّرَةٍ

تَكادُ تَنطِقُ في حافاتِها الصُوَرُ

مَواهِبٌ مِن إِمامٍ قَد بَذَلتَ لَهُ

مَحَبَّةً مِنكَ ما في صَفوِها كَدَرُ

يا مَن تُقَصِّرُ في أَوصافِهِ كَلِمِي

إِنّي إِلَيكَ مِنَ التَقصِيرِ مُعتَذِرُ

جَلَّت مَعالِيكَ عَن فَهمِي وَضِقتُ بِها

ذَرعاً وَما بِيَ لا عِيٌّ وَلا حَصَرُ

أَنتَ الغَمامُ وَما لِي بِالغَمامِ يَدٌ

أَعُدُّهُ وَهوَ جَمُّ الوَبلِ مُنحَدِرُ

زَهَت بِطَلعَتِكَ الدُنيا وَعَزَّ بِكَ ال

عَمُودُ وَالدِينُ وَالإِسلامُ وَالثَغَرُ

عُمِّرتَ لِلمَجدِ عُمراً لا اِنقِضاءَ لَهُ

إِنّي إِلى عُمرِكَ المَمدُودِ مُفتَقِرٌ

وَدُمتَ تَطلُبُ ما تَهوى فَتَبلُغه

وَتَبتَغِي كُلَّ مَمنُوعٍ فَتَقتَدِرُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن أبي حصينة

avatar

ابن أبي حصينة حساب موثق

العصر المملوكي

poet-Ibn-abi-Hussaynah@

132

قصيدة

19

متابعين

(388-457 هـ/998-1065م) الحسن بن عبد الله بن أحمد بن عبد الجبار بن أبي حصينة أبو الفتح الشامي. شاعر من الأمراء ولد ونشأ في معرة النعمان بسورية انقطع إلى دولة بني ...

المزيد عن ابن أبي حصينة

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة