من الأزرق ابتدأ البحرُ
هذا النهار يعود من الأبيض السابقِ
الآن جئتُ من الأحمر اللاحقِ..
اغتسلي يا دمشق بلوني
ليُولَدَ في الزمن العربيِّ نهار
أحاصركم : قاتلاً أو قتيلْ
وأسألكم , شاهداً أو شهيدْ:
متى تفرجون عن النهر ’ حتى أعود إلى الماء أزرقَ
أخضر
أحمر
أصفرَ أو لون يحدّده النهرُ
إنّي خرجتُ من الصيف والسيفِ
إنّي خرجتُ من المهد واللحدِ
نامت خيولي على شجر الذكرياتِ
ونمتِ على وتر المعجزاتِ
ارتدتني يداكِ نشيداً إذا أنزلوه على جبل , كان سورةَ
((ينتصرون))....
دمشق. ارتدتني يداك دمشق ! ارتديت يديك,
كأنّ الخريطة صوتٌ يُفرِّخ في الصخرِ
نادى... وحركني
ثم نادى ..وفجَّرني
ثم نادى.. وقطّرني كالرخام المذاب
و نادى
كأن الخريطة أُنثى مُقَدَّسةٌ فجّرتني بكارتُها. فانفجرتُ
دفاعاً عن السرٍّ و الصخرِ
كوني دمشق
فلا يعبرون !
من البرتقاليِّ يبتدىء البرتقالُ
و من صمتها يبدأ الأمسُ
أو: يولد القبرُ
يا أيّها المستحيل يسمونك الشامَ !
أفتحُ جرحي لتبتدئ الشمسُ. ما اسمي ؟ دمشق
وكنت وحيداً
ومثليَ كان وحيداً هو المستحيل
أنا ساعة الصفر دقَّتْ
فشقَّت
خلايا الفراغ على سرج هذا الحصان
المحاصر بين المياه
أنا ساعة الصفر
جئت أقول :
أحاصرهم قاتلاً أو قتيل
أعدُّ لهم ما استطعتُ...وينشقُّ في جثتي قمرُ المرحلهْ
وأمتشق المقصلهْ
أحاصرهم : قاتلاً أو قتيل
وأنسى الخلافة في السفر العربيِّ الطويل
إلى القمح والقدس والمستحيل
يؤرِّخني خنجران :
العدوُّ
وعورةُ طفل صغير تسمّونهُ
بردى
وسمَّيته مبتدأ
وأخبرته أنني قاتل أو قتيل
((من الأسود ابتدأ الأحمرُ...ابتدأ الدمُ ))
هذا أنا . هذه جثتي
أيّ مرحلة تعبر الآن بيني وبيني !
أنا الفرق بينهما
همزة الوصل بينهما
قبلة السيف بينهما
طعنة الورد بينهما
آه, ما أصغر الأرضَ !
ما أكبر الجرحَ...
مُرّوا
لتتَّسع النقطةُ, النطفةُ ’ الفارقُ’
الشارعُ ’ الساحلُ ’ الأرضُ...
ما أكبرَ الأرضَ !
ما أصغَر الجرحَ
هذا طريق الشام.. و هذا هديل الحمام
و هذا أنا.. هذه جثتي
و التحمنا
فُمّروا ..
خذوها إلى الحرب كي أنهي الحرب بيني و بيني
خُذوها.. أحرقوها بأعدائها
أنزلوها على جبل غيمةً أو كتاباً
و مُرّوا ...
ليتسع الفرق بيني و بين اتهامي
طريق دمشق
دمشق الطريق
و مفترق الرسل الحائرين أمام الرماديّ
إني أغادر أحجاركم ليس مايو جدارا
أغادر أحجاركم وأسير
وراء دمي في طريق دمشق
أحارب نفسي... وأعداءها
ويسألني المتعبون ’ أو المارة الحائرون عن اسمي
فأجهلهُ
اسألوا عشبة في طريق دمشق !
وأمشي غريباً
ويسألني الفتيات الصغيرات عن بلدي
فأقول : أفتش فوق طريق دمشق
وأمشي غريباً
ويسألني الحكماء المملون عن زمني
فأشير إلى حجر أخضر في طريق دمشق
وأمشي غريباً
ويسألني الخارجون من الدير عن لغتي
فأعدُّ ضلوعي وأخطئ
إنَّي تهجَّيتُ هذي الحروف . فكيف أركِّبها؟
دال .ميم . شين . قاف
فقالوا : عرفنا – دمشق !
ابتسمتُ . شكوتُ دمشق إلى الشام :
كيف محوت ألوف الوجوه
ومازال وجهكِ واحدْ !
لماذا انحنيت لدفن الضحايا
ومازال صدركِ صاعدْ !
وأمشي وراء دمي . وأطيع دليلي
وأمشي وراء دمي نحو مشنقتي
هذه مهنتي يا دمشق...
من الموت تبتدئين . وكنت تنامين في قاع صمتي ولا
تسمعين...
وأعددتِ لي لغةً من رخام وبرق
وأمشي إلى بردى ’ آه مستغرقاً فيه أو خائفاً منه..
إنَّ المسافة بين الشجاعة والخوفِ
حُلْمٌ
تجسَّد في مشنقهْ
آه ’ ما أوسع القبلة الضيِّقهْ !
وَأرَّخَني خنجران :
العدوَّ
ونهر يعيش على مَهَلِ
هذه جثتي , وأنا
أفقٌ ينحني فوقكم
أو حذاء على الباب يسرقه النهرُ
أقصد :
عودةَ طفل صغير يسمّونه
بَرَدى
وسميته مبتدأ
وأخبرته أنني قاتل أو قتيل
تُقَلِّدني العائدات من النَّدَم الأبيضِ
الذاهباتُ إلى الأخضر الغامضِ
الواقفاتُ على لحظة الياسمين
دمشق! انتظرناك كي تخرجي منك
كي نلتقي مرة خارج المعجزات
انتظرناكِ..
و الوقت نام على الوقتِ
و الحب جاء، فجئنا إلى الحربِ
نغسل أجنحة الطير بين أصابعك الذهبيّةِ
يا امرأة لونها الزبد العربيُّ الحزين.
دمشق الندى و الدماءِ
دمشق النداء
دمشق الزمان.
دمشق العرب !
تُقلّدني العائدات من النَّدَم الأبيضِ
الذاهباتُ إلى الأخضر الغامضِ
الواقفاتُ على ذبذبات الغضب
و يحملك الجند فوق سواعدهم
يسقطون على قدميك كواكبَ
كوني دمشق التي يحلمون بها
فيكون العرب
قلتُ شيئا، و أُكمله يومَ موتي و عيدي
من الأزرق ابتدأ البحرُ
و الشام تبدأ مني أموت
و يبدأ في طرق الشام أسبوعُ خَلْقي
و ما أبعد الشام، ما أبعد الشام عني
و سيف المسافة حزَّ خطاياي.. حز وريدي
فقرَّبني خنجران :
العدوُّ و موتي
وصرتُ أرى الشام.. ما أقرب الشام مني
و يشنقني في الوصول وريدي..
وقد قلتُ شيئاً ’ وأُكملُهُ :
كاهنُ الاعترافات ساومني يا دمشقُ
وقال : دمشق بعيدهْ
فكسَّرْتُ كرسيّهُ’ وصنعتُ من الخشب الجبلي صليبي
أراك على بُعْدِ قلبين في جسدٍ واحدٍ
وكنتُ أُطلُّ عليك خلال المسامير
كنتِ العقيدهْ
وكنتُ شهيد العقيدهْ
وكنتِ تنامين داخل جرحي
وفي ساعة الصفر , تمَّ اللقاء
وبين اللقاء وبين الوداع
أودِّعُ موتي... وأرحلُ
ما أجمل الشام، لولا الشامُ،و في الشامِ
يبتدئ الزمن العربيُّ و ينطفئ الزمن الهمجيُّ
أنا ساعة الصفر دقّتْ
و شقَّتْ
خلايا الفراغ على سطح هذا الحصان الكبير الكبير
الحصان المحاصر بين المياه
و بين المياه
أعِدُّ لهم ما استطعتُ ..
و ينشقُّ في جثتي قمرٌ.. ساعةُ الصفر دقّتْ،
و في جثتي حبّة أنبتت للسنابلِ
سبع سنابلَ، في كل سنبلةٍ ألفُ سنبلةٍ ..
هذه جثتي.. أفرغوها من القمح ثم خذوها إلى الحرب
كي أنهي الحرب بيني و بيني
خذوها أحرقوها بأعدائها
خذوها ليتسع الفرق بيني و بين اتهامي
و أمشي أمامي
و يولد في الزمن العربي.. نهار
محمود درويش شاعر المقاومه الفلسطينيه ، وأحد أهم الشعراء الفلسطينين المعاصرين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة و الوطن المسلوب .محمود درويش الابن الثاني لعائلة تتكون من خمسة أبناء وثلاث بنات ...