إلتقيت بهيلين، يوم الثلاثاء
في الساعة الثالثة
ساعة الضجر اللانهائيِّ،
لكنَّ صوت المطر
مع أنثى كهيلين
ترنيمة للسفر
مطر،
يا له من حنين ... حنين السماء
إلى نفسها !
مطر،
يا له من أنين ... أنين الذئاب
على جنسها !
مطر فوق سقف الجفاف،
الجفاف المذهّب في أيقونات الكنائش،
كم تبعد الأرض عني ؟
وكم يبعد الحبُّ عنك ؟
يقول الغريب لبائعة الخبز، هيلين،
في شارع ضيّق مثل جوربها،
ليس أكثر من لفظة ... ومطر !
مطر جائع للشجر ...
مطر جائع للحجر ...
ويقول الغريب لبائعة الخبز :
هيلين هيلين ! هل تصعد الآن
رائحة الخبز منك، إلى شرفة
في بلاد بعيدة ...
لتنسخ أقوال ((هوميرَ)) ؟
هل يصعد الماء من كتفيك إلى
شجر يابس في قصيدة ؟
تقول له : يا له من مطر
يا له من مطر !
ويقول الغريب لهيلين : ينقصني
نرجس كي أحدّق في الماء،
مائك، في جسدي. حدّقي أنتِ
هيلين، في ماء أحلامنا ... تجدي
الميتين على ضفّتيك يغنّون لاسمك :
هيلين ... هيلين ! لا تتركينا
وحيدين مثل القمر
يا له من مطر
يا له من مطر
ويقول الغريب لهيلين : كنت أحارب
في خندقيك، ولم تبرئي من دمي
الآسيوي. ولن تبرئي من دم
مبهم في شرايين وردك. هيلين !
كم كان إغريق ذاك الزمان قساةً،
وكم كان ((أوليس)) وحشيا يحب السفر
باحثا عن خرافته في السفر !
الكلام الذي لم أقله لها
قلته. والكلام الذي قلته
لم أقله لهيلين. لكنَّ هيلين
تعرف ما لا يقول الغريب ...
وتعرف ماذا يقول الغريب لرائحة
تتكسر تحت المطر،
فتقول له :
حرب طروادة لم تكن
لم تكن أبدا
أبدا ...
يا له من مطر
يا له من مطر !
محمود درويش شاعر المقاومه الفلسطينيه ، وأحد أهم الشعراء الفلسطينين المعاصرين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة و الوطن المسلوب .محمود درويش الابن الثاني لعائلة تتكون من خمسة أبناء وثلاث بنات ...