الديوان » عمان » أبو مسلم البهلاني » ريب المنون مقارض الأعمار

عدد الابيات : 167

طباعة

ريب المنون مقارض الأعمار

وحياتنا تعدو إلى المضمار

والنفس تلهو فوق تيار الردى

يا ليتها حذرت من التيار

قرت على رنق وزخرف باطل

مثل القرار على شفير هار

ماذا يغر المرء من محياه في

دنياه وهي قرارة الأكدار

يتساقط المغرور في لهواتها

تفريه بالأنياب والاظفار

كشفت سرائرها ونادت جهرة

بعيوبها في سائر الأعصار

لم يبق شيء من شئون صروفها

في نحت أثلتنا على الاضمار

نفقت تجارتها وما باعت على

غرر ولا كذبت على التجار

يتهافت العمار في هلكاتها

فعل الفراش على لهيب النار

تجري إلى شهواتها سعياً على

أنقاض ما هدمت من الأعمار

نصبت حبالتها وأنذرت الردى

وكأننا صمم عن الانذار

صدعت بما جبلت عليه ولم تدع

ذكرى ولا عظة وراء ستار

شر الغرور سكون ذي بصر إلى

عيش تمزقه يد الأخطار

عبر تلونها الصروف وأنفس

تفنى وآثار على آثار

هل زاد عيشك ذرة عن هذه

لو كنت في الدنيا على استبصار

هلا اعتبرت وفي حياتك عبرة

مما تصرفه يد المقدار

لا تستمر لك السلامة لمحة

وغوائل الأيام في استمرار

ما بالنا نبكي الفقيد ونحن من

حب الذي أرداه في استهتار

شغف النفوس بما يراقبه الفنا

أثر الهوى ومحبة الأوطار

جسر المنون أمام وجهك عابر

ولسوف تعبره مع السفار

شمر لتعبره مخفا سالماً

من ثقل ما أوقرت من أوزار

ليس العظات بما يقول مذكر

مثل العظات بمصرع الأعمار

كم للمنون لو اعتبرنا من يد

في سلبها الأرواح بالتذكار

ما الحزن الفتنا لمقصود الردى

يغتال في الايراد والأصدار

أترى يجد البين فينا هازلاً

ويريحنا بمصارع الأخيار

كلا ولكن الحياة بهيمة

تجري عليها مدية الجزار

خلقت لما خلقت له من حكمة

وتعود تتبع دعوة الجبار

مزمومة نير القضاء يقودها

مربوبة لمشيئة المختار

كتب البقاء لنفسه مستأثراً

بإماتة الأحياء والأنشار

وإذا اعتبرت حياتك الدنيا تجد

أن الحياة مظنة الأعذار

ما بين معركة وأخرى يبتغي

أملاً لباقية ذوو الأبصار

لو كان يشترك البقاء لغادرت

غيل المنية أنفس الأبرار

يا صرعة الموت انتقرت خيارنا

وتركت أمتنا بغير خيار

ناهيك من إطفاء أنوار الهدى

غشى الظلام وضل فيه الساري

ناهيك من اعدام أحبار التقى

فالدين لا يبقى بلا أحبار

ناهيك من قعص السراة فإنهم

سور لدين المصطفى وسواري

ناهيك من هلك الكرام فما بقي

رسم الكرام ولا حماة الجار

ويلاه أوحشت الديار من الألى

كانوا خلائف سنة المختار

أو كلما نجمت فضيلة سيد

قدرتها وتراً من الأوتار

أسرعت في الأغواث والأقطاب

والاعلام والابدال والأخيار

مهلاً فما أبقيت ثم بقية

نزح القطين وجف روض الدار

ما زلت تعتقرين كل أعزتي

فالجو خاو والديار عواري

أفقدتني شهب الفضائل كلهم

ويلاه من شهبي ومن أقماري

ويلاه أين سماؤها ونجومها

وشموسها ذهبوا كأمس الجاري

من كل أروع لوذعي كامل

يهتر عرفاً كالقنا الخطار

عمد الديانة قطبها قوامها

سحب المكارم أبحر الأنوار

تتلألأ الأكوان من عرفانهم

كالشمس تملأ هيكل الأقطار

أنضاهم التسبيح والترتيل

والتهجيد بين جوانح الأسحار

خبت إذا جن الظلام رايتهم

طاروا إلى الملكوت بالأسرار

غر إذا سجد الظلام على الفضا

سجدوا على الثفنات كالأحجار

قطع النحيب صدورهم وكأنما

وضعوا السحائب موضع الأشفار

قربانهم أرواحهم ونعيمهم

دأب على السبحات والاذكار

حصروا الشريعة والحقيقة والمعا

رف والكمال بأنفس الأطهار

فهم غياث الكائنات وسرهم

مدد النفوس ومنبع الأنوار

نقلتهم الآجال من درا الفنا

وتبؤوا سعداء عقبى الدار

سلكوا بمحياهم وبعد مماتهم

إذ وفقوا بمسالك الأبرار

درجوا وأصبحت العراص عقيبهم

من فقدهم مغبرة الآثار

يا موت أفنيت الأعزة فاقتصد

إن كنت ترحم عبرة الأحرار

بأولئك الأبرار كنت معززاً

بأولئك الأبرار كنت أباري

أزرى إذا ضاق الخناق بحادث

وهم إذا انطمس الطريق مناري

يا موت وقعت فيهم سلب الهنا

وأقامني للنوح والتذكار

ترك الحمام النوح إذ ناوحته

واستبردت كبدي لهيب النار

لم أسلهم حتى رزئت بصدعة

أخذت بقية سالف الأكدار

أخذت بكظم الدين وانتحت السما

فبكت لها بالمدمع المدرار

واستأثرت بقلوب حزب محمد

للّه فجعة ذاك الاستئثار

ما الهول في يوم النشور أشد من

هول النعى بسيد الأبرار

العالم القطب المجدد عمدة الع

لماء طراً كعبة الأسرار

ليث المعارك مربع الفضل الذي

رفع المنار ولات حين منار

غوث البسيطة معلم الدنيا

أبيّ الضيم مولانا عزيز الجار

حامي حمى الاسلام حجته

مع الدين سيف الملة البتار

بحر المعارف والكمال مسدد الأ

عمال في الاقبال والادبار

السالمي أبي محمد المني

ف الذكر طود المجد بدر الساري

تمضي وترسلها العراك مروعة

والليل داج والذئاب ضواري

مهلاً همام الاستقامة ما الذي

غادرت من هول ومن اذعار

قومتها فتقوت فهجرتها

يا هجرة طالت على السفار

ارجع إليها حيث قل حماتها

ارجع فديتك يا غريب الدار

ارجع إلى الاسلام تمم نصره

فالعز تحت عزائم الأنصار

ارجع فإن الاستقامة أرملت

ارحم يتيمك وهو دين الباري

ارجع تشاهد كيف دمع السيف

والعسال والأقلام والأسفار

ارجع وما ظني بأنك مشتر

بجوار ربك جبرة الأشرار

أدعوك للجلى وأنت عظيمها

عهدي وأنت لها شديد الغار

أدعوك للأمر الذي تدعى له

شيم الرجال وهمة الأحرار

أدعوك للخط الذي أعيا على

رأي الفحول وانفذ الأنظار

أدعوك إذ فرغت يدي من كل من

يدعى لنائبة وحفظ ذمار

أدعوك إن كنت السميع لدعوتي

لخطابة التبشير والأنذار

أدعوك للحرب العوان وكنت في

لهواتها تكفي كفاء الغار

أدعوك للقرآن تكشف سره

وتبين منه غوامض الأسرار

أدعوك للسنن المنيرة إنها افت

قرت مقاصدها إلى الأبصار

أدعوك للاجماع والأحكام وال

أديان والتذكير والتذكار

هيهات يا أسفاه لا رجعى وقد

جثمت عليك صحائف الأحجار

يسون بالآثار بعد صحابها

ومثار حزني فيك بالآثار

يا طلعة الشمس استري عنا الضيا

وخذي الحداد مشارق الأنوار

سفران إن هديا لرشد ارشدا

من فجعتي قلبي لغير وقار

كنت النصير كان لي صبر الحصا

فأصبت في صبري وفي أنصاري

أقدرت لي جلداً يقاوم نكبتي

فاليوم لا جلدي ولا أقداري

ناهيك من جلدي يقيني بالرضا

والسخط في أن المقدر جاري

وبأن هذا المرء عرضة طارف ال

حدثان تحت مخالب الأقدار

ما غاض من عيني رأيت عديله

من طرف داجية وطرف نهار

لم تصغ نادبة لندبة جارها

هي تستعد لندبة في الدار

سول لنفسك أن تعيش معمراً

لكنه أمد إلى مضمار

تلك المصائب مدركات صيدها

سيان في فر وفي استقرار

أمعنت في هذي الصروف بصيرتي

وسبرت ما تقضيه بالمسبار

فرأيت برد العيش احسان العزا

والاطمنانة تحت حكم الباري

يا من أذاب الصخر حر مصابه

من ذا تركت لدولة الأحرار

وزعت بين الدين والوطن الأسى

توزيعك الطاعات في الأطوار

ودعوت في الاسلام دعوة مخلص

ثابت إليك بها ذوو الأبصار

ثابت إليك عصائب وهبيه

من أسد ذي يمن وأسد نزار

عشقوا المنايا واستماتوا في الهدى

من قبل صفين ويوم الدار

حنيت ضلوعهم على جمر الغضى

من حب ربهم وخوف النار

غضبوا لربهم فشدوا شدة

متكاتفين على هدى عمار

ملأ اليقين صدورهم فاستصغروا

عند اليقين عظائم الأخطار

لعزائم الأعيان فيهم وازع

ديناً وحاشاهم لزوم العار

باعوا لمرضاة الاله نفوسهم

اربح ببيعتهم ونعم الشاري

ورضوا لأعباء الخلافة كفأها

سبطالنجاد موفق الأنظار

فلك الجلالة والنبالة والتقى

يبدي المحيا عن ضياء نهار

ورث المهنا وابن كعب وارثاً

والصلت من أجداده الأطهار

أخذ الامامة كابراً عن كابر

أخذ الثمار جواهر الأشجار

عرفته عاهلها ومفرق تاجها

ولطالما لغبت من الانكار

عاذت به فأعاذها وأقامها

عمرية الميزان والمعيار

رقبته حتى أمكنتها نظرة

أزلية من نجمه السيار

فاقتادها عزماً وحزماً آتيا

بمعاجز طمست عن الأبصار

زهراء بين السالمي وسالم

نشأت وبين حماتها الأخيار

لم توف حق الشكر حتى استرجعت

صبراً بفقد الصابر الشكار

صبراً إمام المسلمين فإنه

حكم على كل البرية جاري

صبراً فعنك الصبر والتأساء يؤ

خذ بل وكل فضائل الأحرار

ما دامت الدنيا على أحد ولا

دامت على السراء والأضرار

عارية هذي النفوس ولازم

أن يسترد العدل كل معار

ومواهب الأيام حرص كلها

إذ سوف تنزعها بغير خيار

ولبئس عيش ريثما استحليته

كرت عليه غارة الأغيار

لا يستقر له اللبيب لأنه

وقفت شَعوبُ له بباب الدار

رأت البصائر ما يعاقب عيشنا

فالرأي أن نحيا على استبصار

يا شعر أجمل في الرثاء فإن لي

قلباً من الأحزان كالأعشار

هل زاد في الخنساء إلا كربها

شعر تردده ولبس صدار

يا صبر إن قر الأحبة في الثرى

فأثبت لدي ولا تمل قراري

لا خل إلا الصبر بعد فراقهم

إن لم يزله نازل الأقدار

رحم الاله أحبة غادرتهم

ولزمت صحبة دهري الغدار

ما كان في أملي التخلف بعدهم

والعيش في الأشجان والتذكار

لكنه الحدثان يطلب وقته

ومنية تأتي على مقدار

عرجوا عن الدنيا وأعرج في الهوى

شتان بين قرارهم وقراري

تبكيهم الحسنى إلى من أحسنوا

ويضاحكون الحور في الأجبار

آليت لا أنفك أندب أثرهم

ما دام تذرف أعين الأحجار

آسي وأجرح ما تكن خواطري

بنوازع الأحزان والأكدار

مددي بهم وشفاء قلبي ذكرهم

وبحبهم يطفى لهيب أواري

بحياتهم ومماتهم أسرارهم

توحي مواهبها إلى أسراري

درجوا وجاء السالمي عقيبهم

يحيي الرسوم بسيبه المدرار

حتى تدافعت الرياض نضارة

بالسنة الزهراء لا الأزهار

حتم المصير له إلى دار البقا

ولنعم دار بدلت من دار

حيا الاله ضريحه بالروح وال

ريحان بالآصال والابكار

يا عام لا يبعد فقيد الدين ط

لاع الثنايا معقد الاكبار

حزن على حزن وهول مدهش

يمضي المدى والغم في تكرار

يا عام لا عادت لبطشك عودة

كافيك منها بطشة الجبار

ارحم عيال اللّه قد حزبتهم

أخطار ملتهم على أخطار

يا عام أزهقت الديانة خطة

كالنار ذات ذوائب وشرار

أطفأت أزهر كوكب ملأ الفضا

ضوءاً وجئت بظلمة الأكدار

ختمت له الحسنى ووافى ربه

متقبلاً لمزية الأطهار

عفا عن الدنيا خميصاً بطنه

منها سوى ما كان سهم الباري

يا من أجاب الدعوتين لربه

لم لا تلبي دعوتي وجواري

لمعاهد الاسلام بعدك رنة

وعهود فضلك كالنجوم سواري

قدست من غوث وقدس مشهداً

غبطته فيك عوالم الأنوار

شط المزار مع الحياة وويلتا

بعد الممات متى يكون مزاري

ومن السعادة أن أمرغ جبهتي

بعبير تلك التربة المعطار

يا وافد الرحمن أيّ كرامة

لقيت في عدن وأيّ جوار

بمنازل الشهداء ترتع آمناً

حتى رضيت لخوفنا الكرار

حلقت للطاعات خطفة طائر

فحللت مسرح جعفر الطيار

بعت الحياة فنلت أربح بيعة

لكنها رجعت لنا بخسار

للّه ما سنة لك البشرى بها

ولنا بها كالنار في اعصار

تأريخها ما طال ما لحب الردى

الصبر أحرى يا أولى الأبصار

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن أبو مسلم البهلاني

avatar

أبو مسلم البهلاني حساب موثق

عمان

poet-Abu-Muslim-Al-Bahlani@

248

قصيدة

1

الاقتباسات

144

متابعين

ناصر بن سالم بن عديِّم بن صالح بن محمد بن عبدالله بن محمد الرواحي البهلاني العماني أبو المهنا الشهير بأبي مسلم: شاعر قاض صحافي من كبار شعراء عمان كان في ...

المزيد عن أبو مسلم البهلاني

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة