النوافذ تَنجحُ نحو الفراشاتِ... زرقاءَ...
حمراءَ. أَعرف خطَّ السحاب وفي أيِّ
بئرٍ سَيَنْتَظِرُ القُرَوِيَّاتِ في الصيف. أَعرفُ
ماذا تقولُ الحمامةُ حين تبيضُ على فُوهَّةِ
البندقيَّةِ. أَعرفُ مَنْ يفتح البابَ للياسمينةِ
وهي تفتِّح أَحلامنا لضيوف المساءْ...
لم تَصِلْ بعد مَرْكَبَةُ الغرباءْ
لم يَصِلْ أَحَدٌ . فَاترُكِيني هناك كما
تتركين التحيَّةَ في مدخل البيت. ليْ أَو
لغيري ، ولا تحفلين بمن سوف يسمعها
أَوَّلاً. واتركيني هناك كلاماً لنفسيَ:
هل كنتُ وحدي "وحيداً كما الروحُ في
جَسَدٍ"؟ عندما قلتِ يوماً: أُحبُّكُما،
أَنتَ والماء. فالتمَعَ الماءُ في كُلِّ شيء،
كجيتارةٍ تركت نفسها للبكاءْ!
لم تصلْ بعد جيتارة الغُرَباءْ
فلنكُنْ طيّبين! خُذيني إلى البحر عند
الغروب، لأسمع ماذا يقولُ لكِ البحرُ
حين يعودُ إلى نفسه هادئاً هادئاً.
لن أُغيِّر ما بي. سأندسُّ في مَوْجَةٍ
وأَقولُ: خُذيني إلى البحر ثانيةً. هكذا
يفعلُ الخائفون بأَنفسهِمْ: يذهبون إلى
البحرِ حين تعذِّبهم نجمةٌ أَحْرَقَتْ نفسها في السماءْ
لم تصل بعد أغنيةُ الغرباءْ
أَعرف البيت من خَفَقان المناديلِ. أُولى
الحمامات تبكي على كتفيَّ. وتحت سماءِ
الأناجيلِ يركضُ طفلٌ بلا سَبَبٍ. يركُضُ
الماءُ، والسروُ يركضُ، والريحُ تركُضُ في
الريحِ، والأرضُ تركُضُ في نفسها. قلتُ:
لا تُسرعي في الخروج من البيت... لا
شيءَ يمنَعُ هذا المكانَ من الانتظار قليلاً
هنا، ريثما ترتديت قميصَ النهار، وتنتعلين
حذاء الهواءْ
لم تصل بعد أُسطورةُ الغرباءْ...
لم يَصلْ أَحَدٌ. فاتركيني هناك كما
تتركين الخُرافَةَ في أَيِّ شخصٍ يراكِ، فيبكي
ويركض في نفسه خائفاً من سعادتِهِ:
كم أُحبٌكِ، كم أَنتِ أَنتِ! ومِنْ رُوحِهِ
خائفاً: لا أَنا الآن إلاّ هِيَ الآن فيَّ.
ولا هِي إلاّ أنا في هشاشتها. كم أَخافُ
على حُلُمي أَن يرى حُلُماً غيرَها في
نهايةِ هذا الغناءْ...
لم يصل أَحَدٌ
ربما أَخطأ الغرباءُ الطريقَ
إلى نُزْهَةِ الغرباء!
محمود درويش شاعر المقاومه الفلسطينيه ، وأحد أهم الشعراء الفلسطينين المعاصرين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة و الوطن المسلوب .محمود درويش الابن الثاني لعائلة تتكون من خمسة أبناء وثلاث بنات ...