جَرَسَ الغُروب الداكنَ الأصواتِ! ماذا
يطلبون الآن منكَ؟ بَحثتَ في
بُستانِ آدمَ ، كي يواري قاتلٌ ضَجِرَ أَخاهُ،
وانغلقتَ على سوادِكَ
عندما انفَتَحَ القتيلُ على مَدَاهُ،
وانصرَفْتَ إلى شُؤونكَ مثلما انصرفَ الغيابُ
إلى مشاغله الكثيرة. فلتَكُنْ
يَقِظاً. قيامتُنا سَتُرْجَأُ يا غرابُ!
لا لَيْلَ يكفينا لنحلُمَ مَرَّتَين. هناكَ بابُ
واحدٌ لسمائنا. من أَين تأتينا النهايةُ؟
نحن أَحفادَ البدايةِ . لا نَرَى
غَيْرَ البداية، فاتّحدْ بمهبِّ لَيْلِكَ كاهناً
يَعِظُ الفراغَ بما يُخَلِّفُهُ الفراغُ الآدَمِيُّ
من الصدى الأبديِّ حولكَ...
أَنْتَ مُتَّهَمٌ بما فينا. وهذا أَوَّلُ
الدَمِ من سُلاَلَتِنا أمامَكَ، فابتعدْ
عن دار قابيلَ الجديدةِ
مثلما ابتعَدَ السرابُ
عن حِبْر رِيشكَ يا غرابُ
لِيَ خلْوَةٌ في ليل صوتكَ... لي غيابُ
راكضٌ بين الظلال يشدُّني
فأشدُّ قَرْنَ الثور. كان الغَيْبُ يدفعني وأَدفعُهُ
ويرفعُني وأَرفعُهُ إلى الشَبَح المُعَلّقِ مثل
باذنجانةٍ نَضَجَتْ . أَأَنت إذاً؟ فماذا
يطلبون الآن منّا بعدما سرقوا كلامي من
كلامك، ثم ناموا في منامي واقفينَ
على الرماح. ولم أَكُنْ شَبَحاً لكي يمشوا
خُطَايَ على خُطايَ. فكُنْ أَخي الثاني،
أَنا هابيلُ ، يُرْجِعُني الترابُ
إليكَ خَرُّوباً لتجلسَ فوق غُصْني يا غرابُ
أَنا أَنتَ في الكلمات. يجمعنا كتابُ
واحدٌ. لِيْ ما عَلَيْكَ من الرماد ، ولم
نَكُنْ في الظلِّ إلاّ شاهِدَيْنِ ضحيَّتَيْنِ
قصيدتينِ
قصيرتينِ
عن الطبيعة ، ريثما يُنْهي وليمَتُه الخرابُ
ويضيئك القرآنُ:
﴿ فَبَعَثَ اللهُ غراباً يبحث في الأرض لِيُرِيَهُ كيف يواري سوءة أخيه، قال: يا ويلتي أَعجزت أن أكون مثل هذا الغراب ﴾
ويضيئك القرآنُ،
فابحثْ عن قيامتنا ، وحَلِّقْ يا غُرَابُ!
محمود درويش شاعر المقاومه الفلسطينيه ، وأحد أهم الشعراء الفلسطينين المعاصرين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة و الوطن المسلوب .محمود درويش الابن الثاني لعائلة تتكون من خمسة أبناء وثلاث بنات ...