الديوان » لبنان » المفتي عبداللطيف فتح الله » تذكرت ليلى والمدامع تسكب

عدد الابيات : 82

طباعة

تَذكَّرتُ ليلَى وَالمَدامِعُ تُسكَبُ

وَتِذكارُها لِلصبِّ يَحلو ويَعذبُ

أُجنُّ بِها إِنْ جَنّ لَيلٌ وكلّما

بَدا كَوكَبٌ أَو غابَ في الغَربِ كَوكبُ

وَتُلهِبُ أَحشائي المَذوبَة بِالجَوى

وَتَخفِقُ روحي وَالشّرايينُ تضربُ

فَأِنّي لِقلبي أَن يُبَلَّ غَليلُه

وَفيه لَظَى الأشواقِ بِالوَجْدِ تثقبُ

وَأَنّى يَصحُّ الجسمُ وَهوَ عَليلُها

وَأَين نَعيمُ القَلبِ وَهوَ يعذِّبُ

وَما هيَ إِلّا الشّمسُ لَو أَنّها بَدَت

لَكانَت شُموسُ الأُفقِ تَخفَى وتغرُبُ

وَكُلُّ جَميلٍ في الأَماسي هوَ اِسمُها

وَتَحوي مِن الأَوصافِ ما هوَ أَطيبُ

فَإِن شِئتَ قُل ليلى وَإِن شِئتَ عَبلةٌ

وَإِن شِئتَ قُل سعدَى وَإِن شِئتَ زينبُ

تَميلُ كَغُصنِ الرّوضِ والغُصنُ لَيّنٌ

وَتبسَمُ مثلَ الرّوضِ وَالرّوضُ مخصبُ

وَتَرنو بِطرْفٍ يَأسِر الأُسْدَ وَالمَها

وَما هوَ إِلّا ذو الفقارِ المجرّبُ

تُراسِل قَلبي في سِهامِ جُفونِها

وَتَرقُم بِالهِنديِّ فيهِ وَتكتبُ

وَمِن حَبَّةِ القَلبِ الكَئيبِ تَنَقَّشت

وَمن دَمِهِ القاني غَدَت تَتَخضّبُ

وَإِنْ أَخَذَت قَلبي وَإِنّي رقيقُها

فذاكَ لها ملكٌ ولم تكُ تغصبُ

وَإِنّ اِنشِعارَ القلبِ بِالهَجرِ وَالجَفا

وَضَبَّته وَصلٌ كَذاكَ تقرُّبُ

فَذاكَ إِناءٌ لِلمَحبَّةِ وَالهَوى

وَكُلُّ إِناءٍ لِاِنشعارٍ يُضبَّبُ

وَكُلُّ الّذي تَقضي مِنَ الصدِّ وَالجَفا

فَعِنديَ سَهلٌ وَالتباعدُ يَصعُبُ

تَصابيت حَمْلاً ثمّ طفلاً وأَشيباً

وحسنُ التصابي حيثما المرءُ أشيبُ

وَإِنّ التّصابي مِن ذَوي الشّيبِ لائِقٌ

وَما هوَ أَولى بِالشّبابِ وَأَنسبُ

فَيا أَيّها اللّاحي بِماذا تَخلُّصي

مِنَ العِشقِ بَل فيمَ التَخلُّص يُكسَبُ

وَقَد كنتُ عالَجتُ الفُؤادَ عَلى الهَوى

لِيَخلَعَهُ تَركاً يَليهِ التّجنُّبُ

فَحارَبتُهُ عاماً بِجَيشٍ عَرمرَمٍ

مِنَ العَزمِ وَالتَّصميمُ في الحَربِ يُرغَبُ

فَكانَ لَهُ التّأييد في كُلِّ مَوطِنٍ

وَكانَ لَهُ حقّاً عَليَّ التغلّبُ

فَأيُّ فَتىً يَبغي مُحارَبةَ الهوَى

وَإِنَّ الهَوى يَقوى عَلَيهِ ويُغلَبُ

وَكُلُّ فتىً يَخلو مِنَ العِشقِ وَالهَوى

فَذاكَ بَهيمٌ لَيسَ في النَّاسِ يُحسَبُ

وَإِنّي اِمرُؤٌ مِن حبَّ لَيلايَ منشأٌ

نَعيمي بِهِ لَو كنت فيهِ أعذَّبُ

كَتَمتُ هَواها والنُحولُ يُذيعُه

وَتَشهدُ عَيني حينَما الدّمعُ يسكبُ

وَقَد قيلَ لي أَظهِرْ هَواها وَبُح بِهِ

فَقُلتُ اِسكُتوا إِنّ العَذول يكذِّبُ

وَكُمَّلُ أَهلِ العِشقِ مَن كَتَموا الهوَى

وَقَد حَيَّروا العُذّالَ فيهِ وأَتعبوا

رَأَت مُقلَتي شامَت مِنَ الشَّمسِ نَظرةً

فَحالاً بَدت تَغتاظُ منّي وَتغضبُ

وَقَد سَربَلَتني في قُيودٍ مِنَ الجَفا

وَقالَت تَأَمَّلْ ما عَلَيكَ يرتّبُ

وَقَد أَرسلَتْ بي نَحوَ قاضٍ مفخّمٍ

لَهُ في عُلومِ العِشقِ وَالحبِّ مذهَبُ

فَقالَت لَهُ هَذا بِحبّيَ محصَنٌ

وَقَد شامَ غَيري فَهوَ زانٍ يعذَّبُ

فَأَثْبِتْ عَلَيهِ الرجمَ بِالصدِّ وَالجَفا

وَمِن بَعدِ ذا رَأيي عَلى الجذعِ يُصلَبُ

فَقالَ لَها سَمعاً لِما تَأمُرينَهُ

فَإِنْ شِئت ضَربَ السَّيفِ بِالسَّيفِ أَضربُ

فَجَرَّدَ سَيفاً يَخطِفُ الرُّوحَ لَمعُهُ

وَمِن حَدِّهِ الماضي أَرى الحَتفَ يقرُبُ

فَأَوقَعَهُ في الجِسمِ وَالروحِ وَالحَشا

وَقالَ عَلى هَذا يَحقُّ التغرُّبُ

فَغَرَّبَني مِن بَعدِ مَوتي وَقِتلَتي

وَقالَ الَّذي يَجني بِهذا يؤدَّبُ

تَعجَّبتُ مِنهُ كَيفَ في ذاكَ حدَّني

وَعاملَني كَالحرّ مِن حَيثُ يذنبُ

أَلَم يَدرِ أَنّي عَبدُها الحرُّ في الهَوى

وَلَيسَ بِذا حَدّي وَلَستُ أغرّبُ

وَلَكن بِشرعِ العِشقِ ما كانَ مُخطئاً

وَلا عَن طَريقِ الحقِّ فيهِ تجنبُ

فَذلِكَ في فَصلِ الحُكومَةِ عادلٌ

وَلَست لَهُ مِمّن يَلومُ ويعتبُ

فَيمناهُ لا شُلَّت ولا فُضَّ فوهُ بَل

وَلا عاشَ مَن يَجفوهُ جَهلاً ويثلِبُ

فَقُم يا نَديمي نَدخُلِ الرّوضَ وَالرُّبى

وَنَرتَعُ في ظلِّ الغَرامِ وَنَلعبُ

وَنشطحُ عِندَ الزّهرِ بِالوجدِ والهوَى

صَباحاً وَأَذيالَ الخَلاعَةِ نَسحَبُ

وَكَرِّرْ حَديثاً مِن هَواها فَإِنَّهُ

عَلى صَفحَةِ القَلبِ المُتيَّمِ يكتبُ

وَهاتِ كُؤوساً مِن لُجَينٍ وَعَسجَدٍ

تَكادُ بِأَبصارِ المُولَّهِ تَذهَبُ

وَصُبَّ بِها خَمراً وَإِيّاكَ مَزجُها

بِغَيرِ لَمى لَيلى لَعلِّي أَشربُ

وَهاتِ سَلاماً يُنعِشُ الروحَ نَفحُها

وَتجبي إِلَيها العقلَ مِنّا وَتجلبُ

وَسَمِّ عَلَيها بِاِسمِ لَيلَى وَذِكرِها

فَعِندَ اِسمِها طيبٌ لِخَمرك طيّبُ

وَمِن بَعدِ ذا فَاِسمَع أَخا الودّ وَالوفا

بَلاغَةَ ذي مَدحٍ يبين ويُعربُ

أُشنِّف بِالتمداحِ أَسماعَ سامعٍ

فَيبهجُه مَدحي سُروراً ويطربُ

وَإِنّيَ مُثنٍ حامِدٌ ثمَّ شاكِرٌ

مَزايا كَريمٍ مَدحُهُ ليَ مَذهَبُ

إِمامٌ بِمِحرابِ العلومِ مُقدَّمٌ

يَؤمُّ مُلوكَ الفضلِ حَيثُ تكتَّبوا

خَطيبٌ لَهُ ذَلَّت خُضوعاً مَصاقِعٌ

عَلى مِنبَرِ التبيانِ إِذْ قامَ يَخطبُ

بَليغٌ لَدَيهِ ذو البَلاغَةِ مفحَمٌ

وَيخرَس سَحبانٌ وقسٌّ ويعرُبُ

كَريمٌ عَلى حُسنِ المَكارِمِ يَنطَوي

شَريفٌ عَلى كَسبِ المَحامِدِ يدأبُ

هوَ الجَوهَرُ الفردُ المَصونُ عَنِ الّذي

يُماثلُه وهوَ الطّرازُ المذهَّبُ

هوَ العالِمُ النحريرُ ذو الفَضلِ والتّقى

هوَ الجَهبَذُ النّدْبُ الهُمامُ المهذّبُ

هوَ الأسَدُ المِقدامُ في كلِّ مُشكلٍ

هوَ السيّدُ الشَّهمُ اللَّطيفُ المؤدّبُ

هُوَ العالَم العلويّ يَرقى إِلى العُلا

وَفي مَركَزِ السفلي أَرى الغير يرسُبُ

لَهُ الرايةُ البيضاءُ في مَوكِبِ العُلى

على عَلَم التّفخيمِ لا شكّ تُنصبُ

لَهُ السَّعدُ بُرجٌ وَالمَعالي مَنازِلٌ

لَهُ العزُّ جاهٌ وَالمَهابَةُ منصبُ

لَهُ الشّرفُ الأَعلى لَهُ النَسبُ العُلى

لَهُ الحَسَبُ الأَغلى النقيُّ المرجِّبُ

لَهُ الحِلمُ طَبعٌ وَاللَّطافَةُ ديدنٌ

لَهُ الصّفحُ شَأنٌ وَالبشاشَةُ مشربُ

لَهُ الحِذْقُ وَصفٌ وَالبَراعةُ شيمَةٌ

لَهُ الفَضلُ قَصدٌ وَالمَعارِفُ مطلَبُ

تَرَدّى بِحُسنِ الخُلقِ مِن حَيثُ أَنّهُ

تَحَلّى بِحُسنِ الخَلْق مِن حَيثُ يعذبُ

سَقَى جِلَّقاً صَوبٌ بِغَيرِ مَضرَّةٍ

مِنَ المُزْنِ سَهلُ الوَقعِ كَالطلِّ صَيِّبُ

فَتِلكَ سَماءُ السعدِ قَد أَظهَرت لَنا

مِنَ المَجدِ بَدراً لَيسَ في الدَّهرِ يغرُبُ

وَتاهَت بِهِ عِزّاً عَلى كُلِّ بَلدَةٍ

وَحازَت بِهِ مَجداً لَهُ الفَخرُ يصحبُ

تَطاوَلت في مَدحي جَميلَ صِفاتِهِ

وَإِنّيَ في التمداحِ لا شَكّ أرزبُ

فَيا أَيّها المَولى الَّذي أَنا عَبدُهُ

وَمَنْ أَنا في نعمائِهِ أَتَقلّبُ

وَمَنْ شُكرُهُ أَضحى عَلَيَّ مُحتَّماً

وتمداحُهُ عِندي يُسَنُّ ويُنْدَبُ

وَحَمدي لَهُ فَرضٌ عليَّ مؤكَّدٌ

وَذِكري لَهُ وِردٌ عليَّ مرتَّبُ

يَتيمَةُ درٍّ لا سِواكَ لَها أبٌ

أَتَتكَ بِجَدٍّ إِذ غَدَت فيك ترغبُ

لَقَد بَرَزت شَمساً مِنَ الخِدر والخِبا

وَكانَ لَها في شَرقِ فِكري تحجبُ

وَإِنَّكَ إِذ أصدقتَها بِقَصيدةٍ

أَتَتكَ عَلى اِستِحيائِها لَكَ تخطَبُ

إِلَيكَ لَقَد زفَّت عَروساً جَميلةً

تَتيهُ عَلى الأَمثالِ فَخراً وتُعْجَبُ

وَرُبَّ عَذولٍ رامَ عَيباً يُشينُها

فَيذكره فيها اِفتراءً وَيَكذبُ

فَأَعرِضْ رَعاكَ اللَّهُ عَن لَحظِ عَيبِها

فَمِثلُكَ سَتّارٌ وَلَيسَ يُعيِّبُ

ودُمْ في سرورٍ بالهناءِ مع الصَفا

مَدَى الدّهرِ ما قد لاحَ أو غابَ كوكَبُ

وَحَيثُ اِبنُ فَتحِ اللَّهِ أَضحى بِشِعرِهِ

بِمَدحِكَ يا مَولايَ أرَّختُ يُغرِبُ

وَما قَد غَدا صبٌّ يَقولُ لِوَجدِهِ

تَذَكَّرت لَيلى وَالمَدامِعُ تُسكَبُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن المفتي عبداللطيف فتح الله

avatar

المفتي عبداللطيف فتح الله حساب موثق

لبنان

poet-Mufti-Fathallah@

1294

قصيدة

3

الاقتباسات

91

متابعين

عبد اللطيف بن علي فتح الله. أديب من أهل بيروت، تولى القضاء والإفتاء. له نظم جيد في (ديوان -ط) و(مقامات -خ)، و(مجموعة شعرية -خ) بخطه، ألقاها في صباه سنة 1200ه‍في ...

المزيد عن المفتي عبداللطيف فتح الله

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة