الديوان » د. عمرو فرج لطيف » هالا * من ديوان منحوتة إغريقية

 

"هالا"

شيطانةٌ ؛

تعرفُ كيفَ يُقال الكلامُ

وكيف الهوى يتم شِواؤهُ

وكيفَ تغدو المحبَّة مع الشوقِ

 خليطا رائعا فى طبقِ سلاطةِ الاحتياج.


"هالا"

قديمةٌ لها حداثة التيِه

حديثة لها عبقُ الماضي

لها عينانِ إغريقيتان

ونظرةٌ من حديدِ تذوبُ حنينا

وقت الحُبِّ لتقتُل كُلَّ قُلوبِ الطامعين

لها غمازتان ماكرتان

استطاعتا بدهائهما أن يحولاني من صيادٍ ماهرٍ

إلى مُجرَّد سمكة في بحر الغرام

تتمنَّى لو ترمى إليها بغمَّازاتها

 لتلتهمها بشغفٍ.. في ليلةِ ود.


"هالا"

تصبح خطيرةً جدا حين ألمسها

ومُثيرةً جدا حين أحضنها

وتصبح كُلَّ شىءٍ حين أتورَّط فيها.


"هالا"

حين تُنادينى: (يا "بابا")

أكادُ أغيبُ..

لا من جمالِ الصوتِ

 ولا من غنجِ الروحِ

 ولا من صفاء القلب

ولكن من مجرد الوصولِ إلى الفكرةِ التي تقول

إن "هالا" تحتلّني بكُلِّ ارتياحِ وبكُلِّ انسياب

وبلا أدنى مجهود

وأنا برغم جميعِ النداءات

 بأن أُنقذ نفسي وأسبح ضد التيار

وبأن أعود إلى حيث كل رجال الشرق

إلى حيثُ لا وجع ولا لهفة ولا ود

ولا صد ولا شوق

أعطيها مفتاح قلبي

وحبلاً لتوثق به يدى ورجلى وبعضُ شَعراتِ صدرى

لترمينى غريقا في بحر حبها

وعلى الله حُسنُ الختام.


"هالا"

حين اُفكرُ فيها أكادُ أضيعُ من نفسي

فهي قادرة على أن تُنسيني الدنيا

وأن تُحيلني إلى هواء وإلى بُخار وإلى نسيم.


"هالا"

تعرفُ كيف تحولني من حالتي الصلبة

إلى حالة شبه سائلةٍ تتحمَّمُ فيها

وإلى حالةٍ غازيةٍ تتنسمُ بها

وإلى وضعٍ لا أكاد أعرف بهِ نفسي.


"هالا"

حين يجىءُ ميعادُ الشوقِ والحنين

أظل مُنتظرا منها مجرَّد تلميحٍ بأنَّها ستأتى

تمرُّ الثواني بطيئة كسُلحفاة

وأنا مثل طفل أقطف أوراق الورد

ستأتي؟

لا لن تأتي!

ستأتي؟

لا لن تأتي!

وحين تجىءُ تتحولُ السُلحفاةُ إلى أرنبٍ سريعِ العدو

والوردُ إلى جُنينةَ عِشق

وتظل هُناك كلمة واحدة على لسان روحي:

"أُحبَّكِ"


"هالا"

حين تُغنِّي لي، أكادُ أقولُ لها: (كفى

فقد أموتُ بين يديكِ من شدةِ الجمال)

وأنا طوالِ عُمري أُمارس فنَّ القتلِ فى الغرام

وأنتشى من شدةِ العشق

ومن خفةِ الوصلِ ومن لحنِ الكلام

فاقتُليني ببطء ولا تُسعفيني

واكفليني بحق الإله.


"هالا"

حين تهبُّ عواصفُ الفتنةِ

وتسشتعلُ رؤوسُ الكلمات جمرا

وتصبح الأشياءُ مُتضخَّمَةٌ ومُنبسطةٌ

لابسة كُلَّ زيناتِ اللهفة

ساعتها تمارسُ فن الدلال

وفن المراوغةِ

وفن الاستعجال

وفن البحثِ عن المكنون

ولا تعرفُ "هالا"

 أنَّنا معشر الرجالِ نكادُ ننتشي

من جمالِ امرأة

ونكادُ نحيي بمائنا رميمَ امرأة

ونكادُ نفتكُ بالصبرِ كُلَّ كيانات امرأة

ونكاد نُعمِّرُ الدُنيا من أشلاء امرأة

ولكننا نسعى دوما

لأن تحتلَّنا امرأة

لأن تُثقِّفنا امرأة

لأن تحبنا امرأة.


"هالا"

لها كيسٌ من الحنانِ مُعلَّقٌ على بابِ الخصر

كم أطمح أن أسكن فيه كـ "كانجرو"

"هالا"

لها نهدانِ عِفريتان واقفان دوما على بابِ الصدر

يطرقانِ بكُلِّ غنجٍ ودلالٍ

وأنا اشعرُ أنهما احتلاني لمدةٍ طويلة

واستنزفا مواردي وثرواتي

فلماذا لا تسمعُ كلام رسولها

فتُعطيني حقي في أن أُلامسهما أو ألعقهما

قبل أن يجف عرق شهدي

وقبل ان أتوارى وحدي

فور صدور الفرمان بإنتهاء اللقاء.


"هالا"

حين أكتبُ عنها أشعر بالسعادةِ

وبالمرحِ الشديد

وأعودُ طفلا يلعب بالطين

يرسمُ أجساما للنساءِ وأُخرى للرجال

وبكُلِّ خجلٍ يتمادى في رسم حبيبته

يرسمُ لها عينا من زرقة السماء وخدا من التفاح

ونهداً من المرمر وخصرا من سندسٍ واستبرق

يرسمُ لها ساقينِ من قُبُلات

وخليجا من فرطِ احمرارهِ وطراوتهِ

 يذوب فى فمِ آكِله.


"هالا"

حين يغيبُ قمرها عن سمائي

بختامِ شهرِ العشق

أتحولُ إلى واحد من شيوخ دار الإفتاء

وأستعيرُ عين قلبي وعين روحي

أحولهما إلى منظار

أسكنته قديما صُلب شعوري

والآن اُسكِنُهُ عيني لخدمةٍ طارئةٍ

وأتحسَّس قرب سطوع هلالها الكريم

لتغمرنا البركة

ولتفرح أطفال الضحكات

ولنُعلِّق زيناتِ البهجةِ على ملامح الوجه

ونبارك لكل دقَّات القلب بقرب الوصل

ونعطي الجسد فرصة أن يستعيد طاقته

وأن يتوب عن جميع ما فعل

لينغمس فيها وحدها

شاهدا لها بالحضرةِ وبالحضور.


"هالا"

 حين هلَّ علينا هلالها

كانت الليلة دافئة كليلة قدر

وبدت في رأسي شطحات العجائز

وأقنعت نفسي بأنَّني أرى السماء بوضوح

وأرى أنوارا تُشاغِلنُي

ونجوما ترسل لي سلاما وأكياس نقود

وقمرا هبط من عليائه ليقبِّل خدي

وملكين أبيضين مُعطرين بالسكينة والجمال

ألقياني بأرض الهوى

وشقَّا لي صدري ووضعا لي قلب "هالا"

ثم رأيتني على سرير الوصلِ

مبتهجا راقصا من هول المنظر

رافعا صوت انبهاري ومُنشدا

(كلامُك يمنح قلبي الهدى

وبين جفونك نام المدى

عرفتك حُلما يشاكس عيني

وكل دعائي أراك غدا).


"هالا"

حين تصِلني يمرُّ الوقت بسرعةِ البرق

ولا أشعرُ أنَّنا تكلمنا ولا تهامسنا

وأطوف وحدي حول كعبة الحسن

وأختم تطوافي بركعةٍ من المحو عنِّي

والثبوت لديها عند باب عشقها القديم.


"هالا"

 حين تحول اللقاء

إلى محاضرةٍ تعليميةٍ من طرازٍ فريد

تُمسك ميكروفون الحب ولا تتركه لي لحظة

تكون في قمة الانطلاقِ وقمة الوجدِ

وقمة الثرثرة ِالمحسوبة

أودُّ ساعتها لو أحتلّ أحبالها الصوتية

 لتحول دفة الحوار

من التصريح والتحذير والترديد

إلى ذبذبات عشق مغموسة بصوتي

أو بحركاتي أو بكلماتي

لتصير مُنغَّمة على أثير عشقي

بنفس موجة الوصل

وعلى إذاعة الحب الكبرى

ولكنَّها تجبرني بطلاقة اللسان

وتنظيم الفكر على الاستماع

وعند الانتهاء أشعر بالإنهاك الرهيب

وأتمنى لو تأخذني لبضع ثوان على صدرها

وتمسح أعلى ظهري وتضمني إلى رحابها

لتعوض نزفي ببعض الرضاب

لأنجو من حالة الغيبة إلى حالة السكر فيها.


"هالا"

مزيجٌ رائعٌ من "شقاوةِ" الأطفالِ وحكمة العاقلين

وهي – وبرغم غيابي عن نفسي – تتفهَّمني

وتلهمني وتعطيني ما أُريد.


"هالا"

تبدو هادئةً رغم البراكين المشتعلة داخلها

تبدو طيبةً رغم دهائها

أكاد أشعر وهي معي أنَّها طفلة ساذجة

لازالت تتعلم فن العدو وفن الحبو وفن الكلام

وفجأة تنقلب الدُنيا

لتعدو بسرعة البرق

وتتحدث بطلاقة الحكماء

وتأتي بأحلى الكلام

"هالا"

أيقظتني وأيقظت الدُنيا لتنام.

 

 

 

 

 

 

 

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن د. عمرو فرج لطيف

د. عمرو فرج لطيف

133

قصيدة

د. عمرو فرج لطيف طبيب بشري وشاعر وعضو اتحاد كُتَّاب مصر ولي عدد ٤ دواوين شعرية مطبوعة (منحوتة اغريقية، هلاوس ايقاعية، الجسور المعلَّقة، المدائن الحمراء) مع ديوان تحت الطبع ( قمر) ولي العديد

المزيد عن د. عمرو فرج لطيف

أضف شرح او معلومة