وعلى دربِ الهوى ووسط نيرانِ الحنينِ
وقفتُ، وما توقَّفتُ
ولو دقَّة قلبٍ، ولا رمشةَ عينٍ، عن التفكيرِ الدائمِ فيكِ.
وعلي جمرِ البُعدِ تلظَّيتُ كُلِّي
من أخمصِ قدمي لأمِّ رأسي
فقدتُ صوابي، ولوَّعني إحساسُ الفقد
وسقطتُ من فرطِ إعيائي بكِ مغشيَّا عليّ
أحاولُ رسم صورتكِ بعين بصيرتي
فتعاندني الصورة
وتأبي الرجوع معي
وأعودُ وحدي بزفرةٍ من حرِّ نار الهوى تغلو
ونظرةِ يُتمٍ، وغصَّةِ صدرٍ من بعد ما أتعبني الوجد
فيا من..
إليها الفؤاد يسعى
وعلى أعتابها الروحُ راحت
أتعبني كلُّ شيءٍ، وكلُّ شيءٍ أراهُ أنتِ
فواللهِ لو كشفتِ عن صدري
وأزحتِ الستار قليلا عن مكنونِ سريرتي
لوجدتِها – روحي – من هولِ ما بها تئن
وصوتُ أنيني أنَّ لهُ حتَّى الأنين
ولا عاد يشفَعُ لي عندكِ سواكِ
فكوني بالقُربِ
ولا تتخذي من الصدِّ مِقعدا
وهدِّئي لوعةَ طفلٍ يهواكِ
وامسحي بحنانِ كفِّكِ
دمعةَ شوقٍ ظلَّ يذرفها حنينا للُقياكِ.
اللهُ.. كم أتمنَّي لو نتراقصُ الآن
واقفةٌ أنتِ بكلِّ شموخٍ وكبرياء
رافعةٌ رأسَ عشقكِ حدَّ السماء
وأنفُ إحساسِكِ مدفونٌ ما بين جوانبِ عشقي
ولينُ خصْرِكِ يتمايلُ على وقعِ غنائي.
اللهُ.. كم أتمنَّي لو أنزِعُ عنكِ تلك الثياب
وأُلبِسُكِ موجَ البحرِ، وأوراقِ الشجر
وحُمرةَ الوردِ، ونقاء ضوء القمر
ودفءَ شمسِ الشتاءِ، وترانيمِ الناي والوتر
وأتناسى تماما جميعِ المُفرداتِ
وأختزلُ فيكِ كلَّ الصور
وأهبط على سمائكِ كطائرٍ
حنِّ لموطنِهِ بعد طولِ السفر
وأتحوَّلُ بكِ ومعكِ إلى فُرشاةِ رسمٍ وقلم
وأهطلُ دوما بغيرِ انقطاعٍ ولا ملل
على أرضٍ من قديمِ الحبِّ تتشهَّى رائحةَ المطر.
ومن حديثِ الوجدِ ترتجفُ طربا
في حبورٍ في انتشاءٍ في انحناءات القدر.
وأُقبِّلُ كُلَّ مسامِ جسدكِ
ولا أستبقي نُقطةً في بحرِ ذاتك
إلاَّ وأكتبُ فوقها..
"ذاتِ عشقٍ مرَّ ها هُنا نبضي
وذات حُلمٍ كُنتِ لي أنتِ
فتسرَّب من بين أطرافِ جفوني الحلم
وغبتِ عن سمائي أنتِ
وأخذتِ بيديكِ أحلى أيامي، وأجملَ أيامِ العُمر".
اللهُ.. كم أتمنَّاكِ
وكم أحتاجُكِ
وكم أحتاجُ لهذِهِ اللهفة ولهذا الحنين
فهيَّا سلِّمي لي نفسَكِ واسلمي لي
وقرَّبيني من حوضِ ودِّكِ نجيَّا
وخُذيني إلى جانب العشقِ الأيمنِ
وابني لي من هواكِ جبلا يعصمني
أهربُ إليهِ
وأحنُّ إليهِ
وأرتمي عليهِ
حينما تصفعني الدنيا على وجهِ أحلامي
وحينما تعصرني بداخلها كطوفان
وتسقيني رغما عنَّي شراب اليأس والخوفِ.
اللهُ.. كم أتمنَّى لو تنسجي لي من هواكِ عباءةً
تحميني من بردِ الهجر
وتملأُ قلبي بالدفءِ.
الله.. كم أتمنَّى لو تصنعين لي من حنانِكِ عصا
أتوكأ عليها حين تعجزُ قدم أشواقي عن حملي إليكِ
ومن جميلِ صبْرِكِ قطعة حلوى
أقضمها على حينِ لهفةٍ وانتظارٍ وعلى حين تمنِّي
فدعيني أسرحُ بخيالي
وأمدُّ إليكِ يدي
وأريح ذراعي على كتفيك
وأحتضنُكِ ولو قليلا
وأتكوَّمُ هُناك ما بين النهدين
وأتمدَّدُ على طول حدِّك الأزرق
واقرصُ ذاك الرائعَ البديع الذي أورثني التعلُّق بكِ
يا كُلَّ كُلِّي ويا أصلي وأصل حنيني.
جميلةٌ أنتِ، جُملةً وتفصيلا
واللهُ أورثكِ الصفاء
وما عاد يجدي معكِ..
لا مُذاكرةً ولا جدّا ولا اجتهادا ولا تحصيلا
فـأنتِ امرأةُ اللا روتين
واللا تعقيد
وأنتِ امرأةُ اللا تبسيط
وأنتِ امرأةُ اللا تخطيط
اللهُ.. كم أتمنَّي لو أرفعُ وجه غرامي
واُلقي بنفسي بدنياكِ أنتِ
وأعودُ كما كنتُ، على الفطرة
وألقاكِ على جبلِ الهُدى
فتهديني إليكِ
فأفتحُ عيون روحي على بياضِ وجهك
وأغيبُ عن الدنيا
ويأسرني السُكرُ
ويزيدُ هذياني
وأخلعُ عِذاري
ولا أعرفُ لي حالا
وأضيعُ من فرطِ ضجري
فلا تأخذيني على حينِ غضبٍ
وخذيني إليكِ
ودعيني أمامك
وأعدك ألاَّ أتحرَّك عنكِ
ولا اسبُّ الدهر
ولا ألعن القدر.
فرغم انفلاتِ مشاعري، لا زلتُ أتعقَّل
ورغم شغفي
واضطراب جوانبي
وعواصفُ شوقي، لا زلتُ أتعقَّل
ورغم الهوى الذي مسَّني
والحريق الذي ذوَّب سكوني
لا زلتُ أتعقَّل
ولا زلتُ أحمدُ الله كثيرا
ولا زلتُ أردَّد تلك الكلمات..
"لو لم أصلْ يوما إلى القمر
ولو لم يكن من نصيبي القمر
فيكفيني أن أفتخر بأنَّني..
كنتُ يوما جارا للقمر، يا قمري".
133
قصيدة