على حينِ فرحةٍ
ودونما إذنٍ، ودونما أدنى انتظار
جئتُ لدُنياكِ
لأتعلَّم من هواكِ كيف يكون الهوى
وكيف أقتاتُ المحبَّةَ
في زمنِ التحزُّبِ والتجمهرِ والحِصار.
فلا أدري على وجهِ التحقيق..
من أىِّ بابٍ يُمكِنُنى الدخول؟
ولا أدرى على وجهِ الصدقِ..
كيف يُمكِنُني أمامكِ المُثول؟
ولا أعلم بحقِّ اليقين..
هل أنا على الأرضِ؟
أمَّ أنَّكِ قد أخذتني إلى هناك
إلى حيث كُلُّ شىءٍ مفطورٌ على طيبِ الإحساس
ومدهونٌ بتنهداتِ الصدرِ وبأعطرِ الأنفاس.
ومؤلَّفٌ من أبياتِ شَعْرِكِ
الصاعدِ الواعدِ الرائح الغادي.
فهل يحقُّ لي في وجودِكِ الاستفسار؟أمَّ أنَّكِ من قديمِ العِشقِ قد اتخذتِ القرار؟
لو تسألينني الآن عنِّي
فصدِّقيني إن أخبرتُكِ أنَّني
ما عدتُ أعرفُ لي على الأرضِ مكان.
فماذا سأفعلُ
وأنا المُقيَّدُ بالذاتِ
والمحبوسُ بين أصابعِ الذكرى وجبينِ الزمان؟
وماذا سأفعلُ
وأنتِ تُحيطينني من جميعِ الجهات؟
فتارةً تنسكبين كبيتِ شِعرٍ
بكُلِّ الحروفِ وكلِّ اللغات
وتارةً تتأرجحين على صدر أنفاسي
وتارةً تُقلمين أظافر شغفي
وتارةً تُنقِّبين عن مكنونِ إحساسي
وتارةً تُلهبين ضلوع شوقي
فتحرقيننى وتحرقين بيتي بروحِ الحنان.
فيا أيتها المليكة المالكة
ويا أيتها الكريمةُ البخيلة
ويا أيتها القريبةُ البعيدة
ويا أيتها المستبدةُ المُتسامحة
ويا أيتها الغزالةُ المغازِلة
آيا من أخذْتِنى برضائي ورُغما عنِّي
لماذا تجلَّيتِ لي؟
وأنت تعلمين
بأنَّ مَشوقَ القلبِ ممنوعٌ من رؤيةِ المثيرات
وممنوعٌ من تقلُّباتِ الجوِّ، ومن تقلُّبات الغرام
وممنوعٌ حتى من مصِّ الشفاهِ ولدغِ اللسان
وممنوعٌ من التفكير
ومن لمسِ الأصابعِ
وممنوعٌ حتى من الكلام
وغيرُ مسموحٍ لهُ فى الهوى
أن يكون فى قوائمِ الانتظار.
وفى غيابِكِ يأسِرُني التفكير
ويلفحُ وجهي جمرُ الدوار
وفى حضورِكِ يجمعني الشتاتُ
فأغيبُ فى سَكْرَةِ الهوى
لأفيق على سَكْرَةِ الاحتضار.
وأنا القرويُّ وأنتِ المدينة
ولا أفهمُ لُغةَ التحضُّرِ والتمدُّنِ
ولا أعرفُ حتى كيف الحوار يُدار.
عاجِزٌ أنا عن فِعلِ أي شئ
عاجِزٌ حتى عن تحريكِ لساني
أو مصمصةِ شِفاهي
وما عُدتُ أقدرُ على أي شىءٍ
ولا حتى على التفكير.
فامنحيني حقَّ اللجوءِ إليكِ
وسأمنَحُكِ حقَّ تقرير المصير.
لم أعد أرى إلاَّك
وكأنَّ العين حلفت بألَّا ترى سواكِ
وما عُدتُ أعرفُ بأيِّ أرضٍ أنا ولا بأيِّ دار
فأرضي هواكِ
وثغرُكِ أصبح دار القرار.
سأكونُ لكِ كما تشائين
وسأتحولُ كما يشاءُ الهوى
وكما ترغبين
فمرَّةً أصيرُ وسادَتِكِ التي عليها ترتاحين
ومرَّةً عصفور جنَّةٍ يترنَّمُ دوما باسمكِ
ومرَّةً كُرسي اعتراف لا يفقهُ غير "أحبُّكِ"
ودوماً سآتيكِ ليلا برِفقةِ أحرُفي
وأُغلقُ علينا باب الغرام
وألتحفُ بكِ
وأخلعُ لديكِ جاهي وعلمي والعِذار.
الله.. كم أتمنى لو نمتزجُ سويا
لتُدرِكنا بركات الأولياء والمُقرَّبين
تتعانقُ نمنماتُ الشفاهِ
تتراقصُ خطوط الخصرِ
تتشابك الضُلوع
ونصيرُ فَراشا في دنيا التيهِ
وفِراشا يكونُ صدري لكِ
وأُثبتُ لديكِ وفيكِ ومعكِ الحلول والاتحاد
ونشربُ سويا نخب الوصلِ
من بعدِ طول القطيعةِ وطولِ الانتظار.
فلماذا أيتها الجميلة حين رأيتِني
هممتِ بالهروبِ ولُذتِ بالفِرار؟
سألتُكِ..
يا أيتها الساكنةُ بعمقٍ بأغوارِ القلب
والضاربة إلى حدِّ اللا حدِّ بجذور الروح
والراقصةُ بكاملِ اللينِ على مسام عشقي
والواعية تماما بِشُرودِ ذهني
والناطقةُ دوما بلسانِ صمتي
والعذبة الروحِ ومُعذِّبة الفؤاد
سألتُكِ بما بيننا أن تتمهَّلي قليلا
وأن تتجردي من عِنادكِ قليلا
وتُعيدي إلي البسمةَ بحضورِك
وتمزُجي شغفي بسنا نورك
وتُروِّضي لي إحساسي
وتتفنَّني في تلقَّي رسالاتي وأشواقي
آيا سابحةً بجوِّ الغرام ويا ماشيةً فوق مياهِ القلب
يا من على كتفيها أحطُّ رِحالي وأتوكأ
يا من على صدرها أُلقي برأسي وهمومي وأتأمل
ويا من بسحر جمالها أُمارسُ هواية التفكير العميق
ويا من ببؤبؤ عينيها أتكوَّرُ كُلّي وأغرق
سالتُكِ أن تأتي
فقد مللتُ من الدنيا ومللتُ الأعذار
وملَّني الصمتُ
ومللتُ من لُغةِ الإشارةِ وأرهقني الاختصار
وعدتُ يتيما مثلما كُنتُ
وحدي أنا والقلبُ والأشعار.
133
قصيدة