الديوان » د. عمرو فرج لطيف » في انحناءات الهوى* من ديوان منحوتة إغريقية

حين يتخلصُ الجسمُ من كلِّ شئونهِ

وعذاباته وقيودهِ الدفينة

والمربوطة بأحبال الشكِّ وسلاسلِ الشهوة

والتي تجعله يبدو وكأنَّهُ غريق

وقد عُلِّق في قدميه حجر

وقد ألقى بهِ صاحبه فى يمِّ الحياة

فصار يهوي بدرجةٍ قصوى

في غرق التيه والانحلالِ والضلال..

حين يتخلص الجسم من كل هذه القيود

يُنحِّي نفسه جانبا ليترك المجال للروح 

فتنطلق بعفويةِ طفل

وبكل براءةِ قلبٍ عاشقٍ على الفطرة

وبكلِّ طيبةِ أهلِ الخير

وبكلِّ صدقِ دعوةِ أُمٍّ

جاءها الطفلُ على حينِ تَشَهِّ

وعلى حين انقطاع

وعلى حينِ ترقُّب

تعودُ الروحُ ضاحكةً مستبشرة

ويبقى بداخلها يقين

يأخذ النفسَ من طينِ التدنِّي

إلى نورِ الارتقاء والترقِّي والرُقيِّ

إلى حيثُ سدرةِ المُنتهى

إلى حيث لا أين أين؟ ولا بين بين.

 

حين تنغمسُ الروحُ بحليبِ النقاءِ

وحين تتعطرُ بمسكِ الختام

وحين تتنفسُ من صُبح الصِبا

وحين تتمشِّى فى العشق هونا

وحين يصيرُ لسانُ حالها لمن تُحب:

"أقبل "

وحين تقول لمن يراودها عن عشقها: "سلاما"

وحين تتحيَّنُ الفرصة لتطير

وتغدو بسمة على وجهِ  طفلٍ برىء

أو نسمةً من نسيمِ الربيع الدافىء البديع

أُسرِعُ الخُطى لأنعم بالمعيَّة

وأهتزُّ نشوانَ من فرطِ المحبَّةِ والحيرة.


حينما ألقاك

ويفتحُ اللهُ عليّ بأن أرى ما بكِ

تتجلَّى لي العظمةُ كاملة

شاهدة بموفورِ ذوقكِ

فأنت الواحدةُ الوحيدةُ

وكلُّ ما خلاكِ صورٌ تمرُّ مرورَ الكرامِ

وتبقين أنتِ

وتبقينِ أنتِ

وتبقين أنتِ

وتبقين أنت.


ما أغناني بكِ

وما أفقرني بغيابكِ عنِّي

حينما تأتينني أشعُرُ بصدقٍ

أنِني ملكٌ حِيزت لهُ الدنيا بحذافيرها

أشعرُ بكلِّ دقةِ قلب

وأتمنى لو أبذُلها شهيدةً في غرامك

وأنتشي مع كُلِّ نَفَسٍ أَتَنفَسَهُ

وأتمنى لو أُعطِّرُ بِهِ أركانَ بيتِ هواكِ

واُبَخِّرُكِ به وأنفخ بِهِ فى أُذن عشقِكِ واستمتاعك

وأتمنى لو يطول العُمر معكِ

لأنَّنى ادركتُ تماما

أنَّني معك بحول الله

صرتُ من أولياء الحبِّ الصالحين.

 

حين تغيبين عنِّي

أتحسَّسُ طيفَكِ في أي شىء

وفي كُلِّ شىء

وفىَّ أنا،

أضمُّ صورك بعينِ روحي

وعينِ قلبي

وعينِ نفسي

وأُغمِضُ جفني عليها بكل قوة

وكأنني أحضنها حضن مشتاق

حنَّ لحبيبِهِ من بعدِ طولِ فقد

وأظلُّ أترقَّبُ مجيئكِ بالصمتِ

والبسمةِ والذكرى الجميلة

بالمشاكساتِ حينا

بالمناقشاتِ حينا

بالشدِّ والجذبِ حينا

بإغداقِ حُبِّكِ أحيانا كثيرة

وأبقى أنا من خلف شاشةِ الذكرى

بقايا البقايا

وسربَ سراب.


حين أُصافحُ بوحَ روحكِ على شاشةِ هاتفي

أنظرُ إليهِ بإعجابٍ شديد

فأنتِ قادرةٌ قديرةٌ

على أن تُزيِّني كُلَّ حرفٍ بترانيم العشق

وأن تُلبِسيهِ ضحكةَ طفلٍ جميل

وأن تمزجيه مع لبن النقاءِ

لتكوِّني كوبا من لذةِ الكلمة

وتمزُجيها بشفاهِكِ الناعمة

لتكوِّني جُملةَ الهوى

وحين تنطقنيها، تردِّدينها

وكأنها قصةً غراميةً مُثيرة.

قادرةٌ أنتِ على أن تُلِّوحي لي من بعيد

بأصابعِ الكلمات

وأسألُ اللهَ أن يمنحني الفهمِ بالإشارةِ

حتى أُسايركِ وأكونَ معكِ بنفس المدار

وعلى نفس التردُّد بموجةِ الحنين.

قادرةٌ أنتِ على اللعبِ بضفائرِ الكلماتِ

وعلى تركها حينا دون تضفيرٍ

ودون ربطٍ وبلا إزعاج

لتأتي لكِ مُعلِنَة شوقها لأصابعِ يديكِ

فى أن تُدلِّليها وتُدلِّكيها

وتمنحيها شرفَ اللمسِ بأصابعكِ

وشرفَ اللعبِ بها والعبثَ بأركانِها

لأنَّها مثل قلبى تماما وَثقَت بكِ

فأكتُبي لي دوما

كى أكون قد أجدتُ عشر لُغاتٍ أخرى

أيا سيَّدة عبارات القريحة

والخارجة للتوِّ من رحمِ الأنا

ومن جوف الشعور

بوحك يرسم لي صورة

للمدِّ والجزر فى بحار الروح

وتبقين أنتِ

ما بين أن تُخرجيني لذلك الكون الواسع

أو تضمِّيني لفضاءات روحك الأوسع.

أحبك حدَّ التحليق فى سماوات الفرح

حدَّ السُكْر

كم أحتاجُ إلى بستانٍ من حُروف لم تُكتشف بعد

كي اُثري بها لغات الهوى

والذى يحتلَّني حتى نخاع العصب

فكل ما أقول يصبح نقطة

لما يجتاحني في غيابات جُبِّ العشق

ويبقى ما بالفؤاد تنوء بهِ العصبة أولو القوة

والله كريم

قادرةٌ أنتِ على اللعبِ بالسطورِ

ووضع الحبر السرِّي ما بين السطور

وقادرةٌ على المزجِ

والزجِّ بكلِّ الثوراتِ فى هدوءِ كلمة

وقادرةٌ على القصفِ

والعصفِ بقلوبِ العاشقين بصمتِ كلمة

وقادرةٌ على الزجِّ بي

غريقا ببحرِ عشقكِ حتى من دون كلمة

وتبقين أنتِ نُقطة آخر السطر.

 

 

 

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن د. عمرو فرج لطيف

د. عمرو فرج لطيف

133

قصيدة

د. عمرو فرج لطيف طبيب بشري وشاعر وعضو اتحاد كُتَّاب مصر ولي عدد ٤ دواوين شعرية مطبوعة (منحوتة اغريقية، هلاوس ايقاعية، الجسور المعلَّقة، المدائن الحمراء) مع ديوان تحت الطبع ( قمر) ولي العديد

المزيد عن د. عمرو فرج لطيف

أضف شرح او معلومة