الديوان » لبنان » جبران خليل جبران » أرن سهم الردى إرنان منتحب

عدد الابيات : 81

طباعة

أَرَنَّ سَهْمُ الرَّدَى إِرْنَانَ مُنْتَحِبِ

وَسَالَ بِالدَّمْعِ وَجْهُ السَّيْفِ ذِي الشُّطَبِ

أَبالحَدِيدِ أَسىً مِنْ أَنْ يُفَارِقَهُ

فِي كُلِّ حَلْبَةِ فَخْرٍ خَيْرُ مُصْطَحِبِ

مَاذَا شَجَا ظَبْيُ عَسْفَانٍ بِمَرْتَعِهِ

وَرَاعَ لَيْثَ الشَّرَى فِي غِيلِهِ الأَشِبِ

دَهَى العُرُوبَة خَطْبٌ فَتَّ سَاعِدَهَا

مِنْ حَيْثُ لاَ يُتَّقَى بِالبَيْضِ واليَلَبِ

مَضَى الحُسَيْنُ مُفَدِّيَها وَمُنْقِذُهَا

فَأَيُّ قَلْبٍ لِهَذَا البَيْنِ لَمْ يَذُبِ

أَأُغْضِيْتَ عَنْ حِمَاها عَيْنُ كَالِئِهَا

وَلَمْ تَنَمْ عَنْ حِمَاهَا أَعْيُنُ النُّوَبِ

كَلاَّ وَذِكْرَاهُ مَا دَامَتْ مُؤَجَّجَةً

نَارَ الحِمِيَّةِ فِي صُيَّابِهَا النُّخَبِ

وَمَا أَهَابَتْ بِجُنْدِ اللهِ فَاصْطَدَمَتْ

كَتَائِبُ الغِيَرِ الدَّهْمَاءِ بِالشُّهُبِ

إِنْ يَحْتَجِبْ لَكَ وَجْهٌ يَا حُسَيْنُ فَقَدْ

تَرَكْتَ لِلرَّأْيِ وَجْهاً غَيْرَ مُحْتَجِبِ

إِلَيْهِ مَرْجِعُهَا فِي كُلِّ مُعْضِلَةٍ

فَلَسْتَ عَنْ أَمْرِهَا المَشْهُودِ فِي الغَيْبِ

أَجْدَرْ بِهَا أَنْ تَظَلَّ الدَّهْرَ وَاعِيَةً

ذِكْرَى أَعزَّ مَلِيكٍ أَوْ أَبَرِّ أَبِ

حَرَّرْتَهَا وَأَذَقْتَ البَأْسَ مُورِدَهَا

بِبَأْسِهِ المُتَمَادِي مَوْرِدَ العَطَبِ

يَفِيضُ بِالصَّابِ قِرْطَاسٌ أَخُطُّ بِهِ

مِنَ المَظَالِمِ مَا سِيمَتْ مَدَى حِقَبِ

فَمَنْ يَكُنْ نَاسِياً أَوْ جَاهِلاً لِيَسَلْ

عَنْهُمْ أُولِي اذِكْرِ أَوْ يَرْجِعْ إِلَى الكُتُبِ

أَيَّامَ أَصْبَحَ سِتْرُ الضَّادِ مُنْتَهِكَاً

مُهَلْهِلاً وَحِمَاهَا مَرْتَعَ الجُنُبِ

وَشَمْلُهَا فِي بَوَادٍ بَادَ آهِلُهَا

وَفِي الحَوَاضِرِ شَمْلاً جِدَّ مُنْشَعِبِ

تَقْذَى عُيُونُ الأُولَى يَغْشَوْنَ أَرْبُعَهَا

بِكُلِّ عَارِي الشَّوَى فِي مَسْكَنٍ خَرِبِ

تَأذَّنَتْ بِانْقِرَاضٍ بَعْدَ مَنْعَتِهَا

وَنُفِّرَتْ عَنْ حِيَاضِ العِلمِ وَالأَدَبِ

لاَ تَسْطَعُ الشَّمْسُ إِلاَّ خَلْفَ غَاشِيَةٍ

مِنَ الأسَى بمُحْيّا كَاسِفٍ شَحِبِ

وَلاَ يَسِيْلُ أَصِيلٌ فِي سَحَائِبِهِ

إِلاَّ بِدَمْعٍ صَبِيبٍ أَوْ دَمٍ سَرِبِ

يَا مُنْقِذاً جَاءَ بَعْدَ الأَلْفِ مِنْ حِجَجٍ

يُعِيدُ مَا فَاتَ مِنْ مَجْدٍ وَمِنْ حَسَبِ

هَلْ ضَمَّ غَيْرُ الرَّسُولِ المُصْطَفَى قِدَماً

تلكَ العَزَائِمَ والآمَالَ مِنْ شَعَبِ

أَمْرٌ يَضِيقُ بِهِ الذَرْعُ انْتَدَبْتَ لَهُ

وَأَنْتَ إِنْ ضَاقَ ذَرْعٌ خَيْرُ مُنْتَدِبِ

صَرَّفْتَ رَأْيَكَ فِيهِ فَاضْطَلَعْتَ بِهِ

مُؤَيَّدَ الرَّأْيِ بِالأَرْمَاحِ والقُضُبِ

فِي كُلِّ مُرْعِدَة بَأْساً وَمُبْرِقَةٍ

مِنَا الجَحَافِلِ بَيْنَ الوَرْيِ واللَّجَبِ

عَادَتْ بِهَا كُلُّ آبِي الضَّيْمِ نَخْوَتُهُ

مِنْ حَيْثُ أُبْطِلَ سِحْرُ الخَوْفِ وَالرُّعُبِ

فَكَانَ بَعْثٌ قُلُوبُ الأُمَّةِ ارْتَقَصَتْ

لَهُ وَأَعْطَافُهَا اهْتَزَّتْ مِنَ الطَّرَبِ

وَبَشَّرَتْ آيَةٌ لِلحَقِّ ظَاهِرَةٌ

بِوَحْدَةٍ لِخُصُومِ الحَقِّ لَمْ تَطِبِ

بَدَتْ عَلَى غَيْرِ مَا رَامُوَا بَوَادِرُهَا

وَخَالَفَ الجِدُّ مَا خَالُوهُ لِلَّعِبِ

فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ فِي السِّلْم وَاعْتَزَمُوا

نَقْضاً لِمَا أَبْرَمُوا فِي سَاحَةِ الرَّهَبِ

وَأَضْمَرُوا لَكَ عُدْوَاناً وَجَدْتَ بِهِ

فِي الأَمْنِ مَا لَمْ تَجِدْ فِي الحَرْبِ مِنْ حَرَبِ

أَيْنَ الَّذِي سَجَّلُوهُ فِي رَسَائِلِهِمْ

وَرَدَّدُوهُ مِنَ الأَيمَانِ فِي الخُطَبِ

لَوْلاَ مَعُونَةُ ذَاكَ الحِلفِ لاَنْقَلَبوا

دُونَ الَّذِي أَمَّلُوهُ شَرَّ مُنْقَلَبِ

نَصَرْتَهُمْ صَادِقَاً فِيما وَعَدْتَ ولَمْ

تَخَلْ مَوَاعِيدَهُمْ ضَرْباً مِنَ الكَذِبِ

مَا كَانَ هَمُّكَ مُلْكاً تَسْتقِلُّ بِهِ

وَالجّدُّ فِي صَعَدٍ والمَجْدُ فِي صَبَبِ

بَلْ نُصْرَةَ العُرْبِ فِي حَقٍ أُقِرَّ لَهُمْ

تُؤَيِّدُ الشَّرْعَ فِيهِ حُجَّةُ الغَلَبِ

فَمَا أَلَوْتَ لِذَاكَ الحَقِّ عَنْ طَلَبٍ

وَكَيْفَ يُدْرَكُ مَطْلُوبٌ بِلاَ طَلَبِ

قَاسُوا الحُسَيْنَ إِلى غَيْرِ الحُسَيْنِ فَلَمْ

تَصْدُقْ فِرَاسَتُهُمْ فِيهِ وَلَمْ تُصِبِ

شَتانَ فِيمَنْ تَوَلَّى أَمْرَ أُمَّتِهِ

مَا بَيْنَ مُعْتَقِبٍ أَوْ غَيْرِ مُعْتَقِبِ

ظَنُّوهُ بِالتَّاجِ يَرْضَى غَيْرَ مُكْتَرِثٍ

لِمَا عَدَاهُ فَأَلْقَى التَّاجَ وَهْوَ أَبِي

سَجِيَّةُ العَرَبِيِّ الهَاشِمِيِّ لَهَا

مَعْنَى وَرَاءَ مَعَانِي الجَاهِ وَالرُّتَبِ

أَيْنَ الكُنُوزُ الَّتِي خَالُوهُ يَحْمِلُهَا

وأَيْنَ مَا أَثْقَلَ الأَسْفَاطَ مِنْ ذَهَبِ

تَبَيَّنُوا اليَوْمَ مَا كَانَتْ خَبِيئَتُهُ

مَنْ عِفّةٍ وَوَفَاءٍ لاَ مِنْ النَّشَبِ

تِلكَ الفَضَائِلُ مَا كانَتْ لِمُكْتَسِبٍ

كَابي الضَّمِيرِ وَمَا كانت لِمُغْتَصِبِ

لِلْخَصْمِ فِي ثَلبِهَا عذْرُ الحَنِيقِ عَلَى

مَنْ حَالَ بَيْنَ يَدِ السَّلاَّبِ والسَّلَبِ

مَا عُذْرُ طَائِفَةٍ مِنْ قَوْمِهِ أُخِذَتْ

بِمَا أَثَارَ العِدَى مِنْ ذَلِكَ الشَّغَبِ

زَايَلتَ بَيْتَاً عَتِيقاً أَنْتَ سَادِنُهُ

بِالإِرْثِ مِنْ عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ والنَّسَبِ

إِلى صَفَاةٍ عَلَى الدَّأْمَاءِ قَدْ رَسَخَتْ

وَلَمْ تُسِغْهَا لَهَاةُ البَحْرِ ذِي العُبُبِ

تَشَبَّهَتْ رَوْضُهَا بِالرَّوْضِ وائْتَنَسَتْ

مِنْهَا القُرَى بِدِعَابِ الأَخْضَرِ الصَّحِبِ

حَلَلتَ فِيهَا وَمَا بِالزَّادِ مِنْ سَعَةٍ

وَعِشْتَ بَيْنَ رُبَاهَا عَيْشَ مُغْتَرِبِ

فَكُنْتَ ِي النَّفْيِ والأَرْدَانُ طَاهِرَةٌ

مَا لَمْ تَكُنْ فِي ثِيَابِ العِزَّةِ القُشُبِ

صَبَرْتَ صَبْرَ كَرِيمٍ غَيْرِ مُبْتَئِسٍ

وَلاَ مَلُولٍ وَلاَ شَاكٍ عَلَى وَصَبِ

حَتى حُمِلْتَ وَقَدْ حُمَّ القَضَاءُ إِلى

دَارٍ مِنَ المَسْجِدِ الأَقْصَى على كَثَبِ

كَأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى أَنْ تُجَاوِرَهُ

حَتّى تَقَرَّ بِهِ فِي مُزْدَجَى القُرَبِ

يَرْعَى مَزَارَكَ بِالرُّوحِ الأَمِينِ وَلاَ

تَنْأَى بِهِ السُّبْلُ عَنْ أَعْقَابِكَ النُّجُبِ

وَيَجْمَعُ البِرُّ حُفَّاظَ المَآثِرِ مِنْ

شَتَّى العَشَائِرِ حَوْلَ الوَالِدِ الحَدِبِ

مَنْ كَانَ يَدْرِي وَقَدْ نَاطَ الرَّجَاءُ بِهِ

صِيَانَةَ الحَرَمِ الثَّانِي فَلَمْ يَخِبِ

إِنَّ المَآبَ إِلَيْهِ وَالثَّوَابَ بِهِ

هَلْ قَدَّمَ الخَيْرَ مَخْلُوقٌ وَلَمْ يُثَبِ

أَبْنَاءَ يَعْرُبَ هَذِي سِيرَةٌ بَرَزَتْ

لَكُمْ حَقَائِقُهَا الكُبْرَى مِنَ الحُجُبِ

كِتَابُ تَفْدِيَةٍ أَوْعَتْ صَحَائِفُهُ

أَدْعَى الفُصُولِ إِلى الإِعْجَابِ وَالعَجَبِ

إِنَّ الأُولَى اسْتُشْهِدُوا فِي اللهِ أَوْ قُتِلُوا

فِيمَا غَلَوْا فِيهِ لِلأَوْطَانِ مِنْ أَرَبِ

لَهُمْ حَيَاةٌ وَمَا إِنْ تَشْعُرُونَ بِهَا

إِلاَّ وَقَدْ نَاجَوْا الأَرْوَاحَ في الكُرَبِ

كَرَامَةُ ابْنِ عَلِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَكُمْ

آثَارُهُ عِظَةً مَوْصُولَةَ السَّبَبِ

تَعَلَّمُوا الصِّدْقَ مِنْهُ وَالوَفَاءَ عَلَى

مَا يُعْقِبَانِ مِنَ الحِرْمَانِ وَالنَّصَبِ

تَعَلَّمُوا نَضْحَةُ عَنْ ذُخرِ أُمَّتِهِ

بِحَزْمِ مُقْتَصِدٍ للهِ مُرْتَقِبِ

تعَلَّمُوا الذَّوْدَ عَنْ حَقٍّ تَطِيبُ لَهُ

عَنْ كُلَّ مَا هُوَ غَالٍ نَفْسَ مُحْتَسِبِ

تَعَلَّمُوا قُوَّةَ الإِيمَانِ فِي دَأَبٍ

فَإِنَّمَا قُوَّةُ الإِيمَانِ بِالدَّأَبِ

تَعَلَّمُوا الصَّبْرَ أَوْ تُقْضَى لُبَانَتُكُمْ

وَالعَزْمُ فِي بَدْئِهَا كَالعَزْمِ فِي العَقِبِ

تَعَلَّمُوا أَنَّ هذا العُمْرَ مَرْحَلَةٌ

لاَ تُرْتَقَى هَضْبَةٌ فِيهَابِلاَ تَعَبِ

تَعَلَّمُوا أَنَّ مِنْ حِذْقِ الرُّمَاةِ بِهَا

لِيُدْرِكُوا النَّصْرَ أَنْ يَجْثُوا عَلَى الرُّكَبِ

سَجَا الحُسَيْنُ وَقَدْ وَرَّى مُسَاجِلَهُ

حَتّى يَئِينَ أَوَانُ الصَّائِدِ الدَّرِبِ

فَإِنْ ضَحَا ظِلُّهُ فَالرُّوحُ مُرْصَدَةٌ

لِلْمَوْقِفِ الفَصْلِ مَنْ يَهْتِفْ بِهَا تُجِبِ

عَزَاءَكُمْ يَا بَنِيهِ الصِّيدِ مِنْ مَلِكٍ

مُسَدَّدِ الرًّأْيِ إِنْ يَمْنَعْ وَإِنْ يَهَبِ

وَمِنْ أَبِيٍّ تَوَلَّى عَنْ أَرِيكَتِهِ

بِلاَ شَجىً إِذْ تَوَلاَّهَا بِلاَ رَغَبِ

لَهُ مِنَ الشِّيَمِ الغَرَّاءِ مَمْلَكَةٌ

إِنْ كَانَ ذَا لَقَبٍ أَوْ غَيْرَ ذِي لَقَبِ

وَمِنْ أَمِيرٍ بَنَاهَا دَوْلَةً أُنُفاً

قَامَتْ عَلَى أَثَرٍ مِنْ مَجْدِهَا تَرِبِ

فِي العِلْمِ وَالأَدَبِ العَالِي يَكَادُ إِذَا

سَاقَ الأَحَادِيثَ يَسْقِيكَ ابنَةَ العِنَبِ

وَمِنْ فَتىً أَلمَعِيٍّ كُلُّ مَحْمَدَةٍ

جَارَى السَّوَابِقَ فِيهَا فَازَ بِالقَصَبِ

مَاضٍ بِفِطْرَتِهِ فِي نَهْجِ عِتْرَتِهِ

عَفِّ اللِّسَانِ نَقِيِّ النَّفْسِ مِنْ رِيَبِ

مَنْ عَدَّكُمْ عَدَّ فِي إِثْرِ مُنْجِبِكًمْ

خُطَى كِبَاراً مَدَاهَا غَيْرُ مُقْتَضَبِ

دَعُوا الأَسى وَاسْمَعُوا صَوتاً يُهِيبُ بِكُم

مَاتَ الحُسَيْنُ فَعَاشَتْ أُمَّةُ العَرَبِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن جبران خليل جبران

avatar

جبران خليل جبران حساب موثق

لبنان

poet-khalil-gibran@

1075

قصيدة

829

متابعين

جبران خليل جبران فيلسوف وشاعر وكاتب ورسام لبناني أمريكي، ولد في 6 يناير 1883 في بلدة بشري شمال لبنان حين كانت تابعة لمتصرفية جبل لبنان العثمانية. توفي في نيويورك 10 ...

المزيد عن جبران خليل جبران

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة