هذا المساء هادئ أكثر مما ينبغي هذا المساء ليس هادئًا فأنا رجل أو حزمة ديناميت و تحت إبطي إوزّة حمراء أو خرتيت أسود المرأة ذات النهد المعشب و اليدين الصريعتين نامت مع زوجها على السطح إذن، هذا المساء ليس هادئًا الفلاح الملتحي لم ينم هذا المساء فلقد سرق دجاجة سمينة بالأمس و ضبطت المفرزة الجنائية عظامها في برميل الفضلات إذن، هذا المساء ليس هادئًا فريتا الجريحة ماتت في الغابة و غطتها الأغصان الكثيفة و المستنقعات إذاعة (مونت كارلو) لم تذكر شيئًا عن ريتا سيداتي، سادتي: قُتلت القطة لوسي تحت عجلات القطار و لم يستطع المستر X أن يمارس واجباته الزوجية بعناية المساء هادئ جدًّا على ضفة الميسيسبي إحدى العاهرات تغزل الصوف و تحيك الجوارب لقتلى حروب العدالة الشعراء يتحدثون عن الشعر... العمال يتحدثون عن العمل العشاق يتحدثون عن الحب الفلاحون يتحدثون عن الأبقار و لكنْ قل لي أيها القارئ الوسخ عمّ يتحدث الموتى في هذا المساء الهادئ؟ إنهم بالطبع لا يتحدثون عن لعبة الهوكي أو الأمجاد التي حصلت عليها أميرة موناكو لأنها عرضت ملابسها الداخلية على جمهرة من اللصوص إنهم يتحدثون عن الموت هل الموت قالب كاتوه أم نسناس دانمركي؟ أهو تفاحة أم بلياتشو بأنف يشبه التفاحة؟ هل الموت حلم أو حقيقة و إذا كان حقيقة فلِمَ لمْ يزل هتلر يفكّر بحشر الضعفاء في أنابيب الغاز؟ و لِمَ لمْ يزل هولاكو يغتال الفلاحات في حقول القطن؟ في هذا المساء الهادئ ثمة شخص يرثي الجميع: لقطّاع الطرق و أسراب النوارس المهاجرة للغيوم الكالحة و القتلة المهذبين و مراسيم حصر الجنسية للعشاق الفاشلين و كلاب المدن الضالة و في هذا المساء الهادئ سأغلق باب غرفتي ورائي متجهًا نحو النهر عليّ أن أتوقّع قبلة على الخدّ أو خنجرًا في العنق و من الممكن أن ينتظرني قمر أو قنبلة زهرة بنفسج أو قبر عليّ أن أتوقّع كلّ شيء فالمساء هادئ المساء ليس هادئًا!
الشاعر السوري رياض الصالح الحسين ولد في محافظة درعا السورية بتاريخ 10 آذار/ مارس 1954م، وعلى الرغم من حياته القصيرة والقاسية، ومرضه الذي أدى به لفقدان حاستي النطق والسمع، انطلقت ...