(الإصحاح الأول) في البدء كنت رجلا.. وامرأة.. وشجرة. كنتُ أباً وابنا.. وروحاً قدُسا. كنتُ الصباحَ.. والمسا.. والحدقة الثابتة المدورة. … … … وكان عرشي حجراً على ضفاف النهر وكانت الشياه.. ترعى، وكان النحلُ حول الزهرُ.. يطنُّ والإوزُّ يطفو في بحيرة السكون، والحياة.. تنبضُ كالطاحونة البعيدة! حين رأيت أن كل ما أراه لا ينقذُ القلبَ من الملل! * * * (مبارزاتُ الديكة كانت هي التسلية الوحيدة في جلستي الوحيدة بين غصون الشجر المشتبكة! )
(الإصحاح الثاني) قلتُ لنفسي لو نزلت الماء.. واغتسلت.. لانقسمت! (لو انقسمت.. لازدوجت.. وابتسمتْ) وبعدما استحممت.. تناسجَ الزهرُ وشاحاً من مرارة الشفاهْ لففتُ فيه جسدي المصطكّ. (وكان عرشي طافيا.. كالفلك) ورف عصفور على رأسي؛ وحط ينفض البلل. حدقت في قرارة المياه.. حدقت؛ كان ما أراه.. وجهي.. مكللا بتاج الشوك (الإصحاح الثالث) قلتُ: فليكن الحبُ في الأرض، لكنه لم يكن! قلتُ: فليذهب النهرُ في البحرُ، والبحر في السحبِ، والسحب في الجدبِ، والجدبُ في الخصبِ، ينبت خبزاً ليسندَ قلب الجياع، وعشباً لماشية الأرض، ظلا لمن يتغربُ في صحراء الشجنْ. ورأيتُ ابن آدم ينصب أسواره حول مزرعة الله، يبتاع من حوله حرسا، ويبيع لإخوته الخبز والماء، يحتلبُ البقراتِ العجاف لتعطى اللبن * * * قلتُ فليكن الحب في الأرض، لكنه لم يكن. أصبح الحب ملكاً لمن يملكون الثمن! .. .. .. .. .. ورأى الربُّ ذلك غير حسنْ * * * قلت: فليكن العدلُ في الأرض؛ عين بعين وسن بسن. قلت: هل يأكل الذئب ذئباً، أو الشاه شاة؟ ولا تضع السيف في عنق اثنين: طفل.. وشيخ مسن. ورأيتُ ابن آدم يردى ابن آدم، يشعل في المدن النارَ، يغرسُ خنجرهُ في بطون الحواملِ، يلقى أصابع أطفاله علفا للخيول، يقص الشفاه وروداً تزين مائدة النصر.. وهى تئن. أصبح العدل موتاً، وميزانه البندقية، أبناؤهُ صلبوا في الميادين، أو شنقوا في زوايا المدن. قلت: فليكن العدل في الأرض.. لكنه لم يكن. أصبح العدل ملكاً لمن جلسوا فوق عرش الجماجم بالطيلسان الكفن! … … … ورأى الرب ذلك غير حسنْ! * * * قلت: فليكن العقل في الأرض.. تصغي إلى صوته المتزن. قلت: هل يبتنى الطير أعشاشه في فم الأفعوان، هل الدود يسكن في لهب النار، والبوم هل يضع الكحل في هدب عينيه، هل يبذر الملح من يرتجى القمح حين يدور الزمن؟ * * * ورأيت ابن آدم وهو يجن، فيقتلع الشجر المتطاول، يبصق في البئر يلقى على صفحة النهر بالزيت، يسكن في البيت؛ ثم يخبئ في أسفل الباب قنبلة الموت، يؤوى العقارب في دفء أضلاعه، ويورث أبناءه دينه.. واسمه.. وقميص الفتن. أصبح العقل مغترباً يتسول، يقذفه صبية بالحجارة، يوقفه الجند عند الحدود، وتسحب منه الحكومات جنسية الوطني.. وتدرجه في قوائم من يكرهون الوطن. قلت: فليكن العقل في الأرض، لكنه لم يكن. سقط العقل في دورة النفي والسجن.. حتى يجن … … … … ورأى الرب ذلك غير حسن! (الإصحاح الرابع) قلت: فلتكن الريح في الأرض؛ تكنس هذا العفن قلت: فلتكن الريح والدم… تقتلع الريح هسهسة؟ الورق الذابل المتشبث، يندلع الدم حتى الجذور فيزهرها ويطهرها، ثم يصعد في السوق.. والورق المتشابك. والثمر المتدلي؛ فيعصره العاصرون نبيذاً يزغرد في كل دن. قلت: فليكن الدم نهراً من الشهد ينساب تحت فراديس عدن. هذه الأرض حسناء، زينتها الفقراء لهم تتطيب، يعطونها الحب، تعطيهم النسل والكبرياء. قلت: لا يسكن الأغنياء بها. الأغنياء الذين يصوغون من عرق الأجراء نقود زنا.. ولآلئ تاج. وأقراط عاج.. ومسبحة للرياء. إنني أول الفقراء الذين يعيشون مغتربين؛ يموتون محتسبين لدى العزاء. قلت: فلتكن الأرض لى.. ولهم! (وأنا بينهم) حين أخلع عنى ثياب السماء. فأنا أتقدس في صرخة الجوع فوق الفراش الخشن! * * * (الإصحاح الخامس) حدقت في الصخر؛ وفى الينبوع رأيت وجهي في سمات الجوع! حدقت في جبيني المقلوب رأيتني : الصليب والمصلوب صرخت كنت خارجاً من رحم الهناءة صرخت؛ أطلب البراءة كينونتي: مشنقتي وحبلي السري: حبلها المقطوع!