الديوان » لبنان » بشارة الخوري » الريال المزيف

عدد الابيات : 52

طباعة

ويحَ الفقيرِ فما تراه يُلاقي

سُدَّت عليه منافذُ الأرزاقِ

عصَفت به و بِسْرِبِه ريحُ الشَّقا

فتساقطُوا كتساقُطِ الأوراق

فإذا بصُرتَ به عجبتَ لشمعَةٍ

كالزَّعفران تجولُ في الأسواق

عَلَقُ المجاعةِ مَصَّ بعضَ دمائه

وتعسُّفُ الحُكَّام مصَّ الباقي

أخذَ الشَّقا يدَها فسارت خَلفَه

واللّيلُ ممدُودٌ على الآفاق

سارت، فماسَ الخيزرانُ بقدِّها

وَ رَنَتْ، فذابَ السِّحرُ في الأحداق

وتلوحُ آثارُ النَّعيم بخدِّها

كالفجر قبل تكاملِ الإشراق

أخذ الشَّقا يدَها فإن هي فكَّرت

بمصيرها صُعِقَت من الإشفاق

ووهتْ عزيمتُها فألقتْ نفسَها

فوق الثَّرى وشكتْ إلى الخلاَّق

تشكو بمدْمعِها و ذُلّ فؤادها

وبما تُحسُّ به منَ الإحراق

يا ربِّ قالت وهْي جاثيةٌ لهُ

إن شئتَ حُلَّ من الحياة وثاقي

قد عشتُ عُمري ما عُرفتُ بريبةٍ

وعبدتُ بعدكَ عفَّتي و خَلاقي

والآنَ والأيامُ ملأى بالأذى

قد أصبحتْ وِقْراً على الأعناق

زوجي يُحارب في التُّخوم وطفلتي

فوق الفراشِ تزيدُ في إرهاقي

مِنْ أمِّها تبغي الغِذاء لجسمها

من أمِّها تبغي الدَّواء الواقي

وطَرقتُ أبوابَ الكرام فأوصدوا

أبوابَهُمْ فرَجَعْتُ بالإخفاق

سامَ الفتى عِرضي فيا لكَ من فتىً

كاسي الغنى عَارٍ مِنَ الأخلاق

هَبْ أنَّ أُختَكَ والزَّمانُ أصابها

مثلي أصابت سافلَ الأعراق

أفكان سَرّكَ أن ترى إحسانَهُ

ثَمن العفَافِ لضمَّةٍ و عِناق

خَفِّفْ على عُنُقي الضَّعيفةِ واتّئدْ

إني رأيتُكَ آخذاً بخناقي

إنَّ الرِّيال غِنىً ولكن عِفَّتي

فوق الغنى ونفائس الأعْلاق

أأصونُ عِرضي؟ وابنتي؟ وحياتُها

وعلاجها يحتاجُ للإنفاق

أنا إن أعفَّ قتلتُها فعَلامَ لا

تحيا بماءِ تَعَفُّفِي المُهراق

لا لا تموتُ فإنَّها لبريئةٌ

حسناءُ ما شبَّتْ عن الأطواق

إني مُفارقَةُ ابنتي أو عِفَّتي

فعلى كلا الحالينِ مُرُّ فراقِ

والذَّنبُ للأيَّام في حدَثَانها

والذَّنبُ للأخلاق غيرُ رواقي

ربّاهُ حِلمكَ فالمصائبُ جمَّةٌ

وأنا بواحدةٍ يضيقُ نطاقي

لو شئتَ موتاً لابنتي لأخذتَها

وجعلتَ طُهري قُدْوةً لرفاقي

لكن ْأردتَ بقاءها وأردتَ لي

فقري أتُظمِئُني وأنتَ السَّاقي؟

وَمَشَتْ لموعده بماء جُفُونها الـ

ـقَرْحَى وَجَمْرِ فُؤادها الخفَّاق

ترعى السَّفالةُ في مَجاهلِ قَلبه

وتُطلُّ إن شَبعَتْ منَ الآماق

ومتى يُحاولْ حَجبَ مَكْنوناتِه

يُلبِسْ مُحَيَّاهُ حجابَ نفاق

قنصَ الفتاةَ بفقرها وشقائها

«وبما تكابد من أسىً وتُلاقي»

حتى إذا اختليا انثنى بوصالها

وقد انثنتْ بِريالِهِ البرَّاق

رَجَعَت وفي يدها الرِّيالُ ورأسُها

لحيائها متواصلُ الإطراق

وكأنّها خطرت لها ابنتُها وما

تلقاه من ألم الطَّوى المِقْلاق

فأصابها مثلُ الجُنُون فتَمْتَمَتْ

بُشراكِ إني عُدتُ بالتِّرياق

هُو ذا الرِّيالُ فإنَّه نِعْمَ الذي

يَهَبُ الشفاءَ لنا ونعمَ الرَّاقي

هُو ذا الرِّيالُ وقد تألَّقَ ماحقاً

دُجنَ الهموم وقد أردنَ مُحاقي

هو ذا الرِّيالُ ولم يكُن لولا ابنتي

ليَسومَني نُكْراً على الإطلاق

ومضتْ إلى الطَّبَّاخ تلجمُ ما بها

لِفَتاتِها من لاعج الأشواق

قالت وأدَّتْهُ الرِّيالَ ألا اعْطِني

بعضَ الغِذا واردُدْ عليَّ الباقي

أسرعْ فإنَّكَ إن تُؤخِّرْني تذُقْ

من جُوعها بنتي أمرَّ مذاق

نَقَفَ الرِّيالَ بإصبَعَيهِ وَجَسَّهُ

وانهالَ بالإرعاد والإبراق

قُبحاً لوجهكِ سَيِّدي أتَسُبُّني

عفواً وتَحْسَبُني منَ السُّرَّاق؟

لا فالرِّيالُ مُزَيَّفٌ أمُزيَّفٌ؟

صاحتْ وقد سَقَطت منَ الإرهاق

سقَطت على قَدم الشَّقا فبكتْ لها

عينُ العلى ومكارم الأخلاق

وبكى عَفَافُ الآنساتِ عفافَها

خلَلَ السُّجوفِ بمدمعٍ مُهراق

يا طيرَ عفَّتِها فديتُكَ طائراً

هلاَّ حذِرتَ حبائلَ الفُسّاق

طَلَعتْ عليها الشَّمسُ وهْي سَجينةٌ

وفتاتُها ضَيفٌ على الأسواق

أمَّا الأثيمُ فلا تزالُ شباكُهُ

مَنصُوبةً لنواعس الأحداق

يُسقى الرَّحيقَ بأكؤُسٍ ولواحظٍ

واللهُ يكلأُ «وهْوَ نِعمَ الواقي»

نبذة عن القصيدة

معلومات عن بشارة الخوري

avatar

بشارة الخوري حساب موثق

لبنان

poet-Bechara-El-Khoury@

17

قصيدة

225

متابعين

بشارة الخوري من مواليد 1885 في بيروت * معروف باسم الأخطل الصغير، ولقب أيضًا بـ "شاعر الحب والهوى" و"شاعر الصبا والجمال"، وسبب تسميته بـ "الأخطل الصغير" اقتداءه بالشاعر الأموي الأخطل التغلبي. * ...

المزيد عن بشارة الخوري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة