أَذاقَني زَمَني بَلوى شَرِقتُ بِها
لَو ذاقَها لَبَكى ما عاشَ وَاِنتَحَبا
وَإِن عَمَرتُ جَعَلتُ الحَربَ والِدَةً
وَالسَمهَرِيَّ أَخاً وَالمَشرَفِيَّ أَبا
فَإِنَّ الصَبا ريحٌ إِذا ما تَنَسَّمَت
عَلى نَفسِ مَحزونٍ تَجَلَّت هُمومُها
لَيالِيَ أَهلونا بِنَعمانَ جيرَةٌ
وَإِذ نَحنُ نُرضيها بِدارٍ نُقيمُها
فَلا تَحسِباني أَذرِفُ الدَمعَ عادَةً
وَلا تَحسِباني أُنشِدُ الشِعرَ لاهِيا
وَلَكِنَّها نَفسي إِذا جاشَ جَأشُها
وَفاضَ عَلَيها الهَمُّ فاضَت قَوافِيا
فَيا لَيتَ أَنَّ الدَهرَ يُدني أَحِبَّتي
إِلَيَّ كَما يُدني إِلَيَّ مَصائِبي
وَلَيتَ خَيالاً مِنكِ يا عَبلَ طارِق
يَرى فَيضَ جَفني بِالدُموعِ السَواكِبِ
مَتى تَزُر قَومَ مَن تَهوى زِيارَتَها
لا يُتحِفوكَ بِغَيرِ البيضِ وَالأَسَلِ
وَالهَجرُ أَقتَلُ لي مِمّا أُراقِبُهُ
أَنا الغَريقُ فَما خَوفي مِنَ البَلَلِ
وَعَيشِكِ ما لي حيلَةٌ غَيرَ أَنَّني
بِلَفظِ الحَصا وَالخَطِّ في الأَرضِ مولَعُ
وَأَنَّ وُحوشَ البَرِّ يَأتَلِفونَ بي
ذُكورٌ إِناثٌ ثُمَّ خَشفٌ وَمُرضَعُ
وَلَيسَ الَّذي يَجري مِنَ العَينِ ماؤُها
وَلَكِنَّها نَفسٌ تَذوبُ وَتَقطُرُ
فَأَبكي لِنَفسي رَحمَةً مِن جَفائِها
وَيَبكي مِنَ الهِجرانِ بَعضي عَلى بَعضي
وَإِنّي لَأَهواها مُسيئاً وَمُحسِناً
وَأَقضي عَلى نَفسي لَها بِالَّذي تَقضي
وَحِيدٌ مِنَ الْخُلانِ في أَرْضِ غُرْبَةٍ
أَلا كُلُّ مَنْ يَبْغِي الْوَفَاءَ وَحِيدُ
فَهَلْ لِغَرِيبٍ طَوَّحَتْهُ يَدُ النَّوَى
رُجُوعٌ وَهَلْ لِلْحَائِمَاتِ وُرُودُ
وَظُلمُ ذَوي القُربى أَشَدُّ مَضاضَةً
عَلى المَرءِ مِن وَقعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ
فَذَرني وَخُلقي إِنَّني لَكَ شاكِرٌ
وَلَو حَلَّ بَيتي نائِياً عِندَ ضَرغَدِ
ستألفُ فقدان الذي قد فقدته
كإلْفكَ وجْدان الذي أنت واجدُ
على أنه لا بدّ من لذْع لوعةٍ
تهبُّ أحايينا كما هبَّ راقدُ
أَلا أَيُّها اللَيلُ الطَويلُ أَلا اِنجَلي
بِصُبحٍ وَما الإِصباحُ مِنكَ بِأَمثَلِ
فَيا لَكَ مِن لَيلٍ كَأَنَّ نُجومَهُ
بِكُلِّ مُغارِ الفَتلِ شُدَّت بِيَذبُلِ
وَما ذَرَفَت عَيناكِ إِلّا لِتَضرِبي
بِسَهمَيكِ في أَعشارِ قَلبٍ مُقَتَّلِ
وَبَيضَةِ خِدرٍ لا يُرامُ خِباؤُه
تَمَتَّعتُ مِن لَهوٍ بِها غَيرَ مُعجَلِ
وَلَيلٍ كَمَوجِ البَحرِ أَرخى سُدولَهُ
عَلَيَّ بِأَنواعِ الهُمومِ لِيَبتَلي
فَقُلتُ لَهُ لَمّا تَمَطّى بِصُلبِهِ
وَأَردَفَ أَعجازاً وَناءَ بِكَلكَلِ
لا يُبعِدِ اللَهُ شَخصاً لا أَرى أَنَساً
وَلا تَطيبُ لِيَ الدُنيا إِذا بَعُدا
راعَ الفِراقُ فُؤاداً كُنتَ تُؤنِسُهُ
وَذَرَّ بَينَ الجُفونِ الدَمعَ وَالسَهَدا
فَدَعِ الهَوى أَو مُت بِدائِكَ إِنَّ مِن
شَأنِ المُتَيَّمِ أَن يَموتَ بِدائِهِ
خَلعتُ ثوبَ اصطِبارٍ كانَ يَستُرنُي
وبانَ كِذبُ ادِعائي أنَّني جَلِد
بكَيتُ حتَّى بكا من ليسَ يعرِفُني
ونُحتُ حتَّى حكاني طائرٌ غَرِد
وَكاتِمُ الحُبِّ يَومَ البَينِ مُنهَتِكٌ
وَصاحِبُ الدَمعِ لا تَخفى سَرائِرُهُ
لَولا ظِباءُ عَدِيٍّ ما شُغِفتُ بِهِم
وَلا بِرَبرَبِهِم لَولا جَآذِرُهُ
فَقُلتُ لَها إِنَّ البُكاءَ لَراحَةٌ
بِهِ يَشتَفي مَن ظَنَّ أَن لا تَلاقِيا
قِفي وَدِّعينا يا هُنَيدُ فَإِنَّني
أَرى الحَيَّ قَد شاموا العَقيقَ اليَمانِيا
أَصونُ تُرابَ الأَرضِ كانوا حُلولُها
وَأَحذَرُ مِن مَرّي عَلَيها وَأُشفِقُ
وَلَم يَبقَ عِندي لِلهَوى غَيرَ أَنَّني
إِذا الرَكبُ مَرّوا بي عَلى الدارِ أَشهَقُ