الديوان » سوريا » محمد الماغوط » البدوي الأحمر

في لحظات الاضطراب الطبیعیة أو المهنیة
كما یلجأ الأسد إلى عرینه
والنسر إلى عشه
والغریب إلى وطنه
والقاضي إلى مراجعه
والمحامي إلى مبالغاته
ألجأ إلى الهذیان المتقن كجراح العصور الذهبیة
وهدیل الحمام المهووس بالخوف
والاحتماء بين أرجل المارة وعجلات السیارات.
***
یا أیقونة الرعاع وا? ?رمين
بیني وبين هذه القارة المنحوسة التباس قديم
ولذلك أقرأ أي شيء لفك سحره:
النشرة الجویة
بؤس الربیع في المدن المزدحمة
وتاریخ العائلات المیؤوس من انقراضها أو تلطیخ سمعتها
ثم أرقد حتى الصباح هانئا مطمئنا
في عش من الأشجار المقطوعة على الطریقة الاسلامیة.
2
یا زهرتي الجمیلة
لن یعود أجدادك المناذرة والممالیك
وبنو هلال وعنترة وشجرة الدر وزنوبیا
ولا حریق روما
والقاهرة وابن رشد.
هل تخافين الوأد ؟
لا علیك ، سنظل مطمورین حتى العنق
في النصف المتبقي من الوطن
ولذلك لن تذرونا الریاح
وإلیك النشرة بالتفصیل:
ما یتبقى من الأوطان التي يخلیها المستعمر طواعیة أو
إكراها
بعضه رمزي أو مرتهن للطغاة ومراكز القوى .. قصور ..
مسابح.
بساتين .. استراحات .. قبور عائلیة ودورات میاه خاصة
والبعض الآخر یتلاشى یوما بعد یوم وجیلا بعد جیل على
نعال
الأحذیة وعجلات السیارات والدراجات والطنابر والحوافر
وجیوب
المغتربين أو تذروه الریاح
وكلما رأیت أو سمعت بعاشق بما تبقى من هذا التراب أصفق
فرحا
كشاعر اكتشف بحرا جدیدا من بحور الشعر
بل وأرقص كإنسان بدائي اكتشف رمحا أو بلطة جدیدة.
3
لأن الغیوم المترهلة محاصرة بين الجبال
كثرت حوادث التعذیب بالعطش
والانتحار بالمسدسات
والقفز من النوافذ
بینما السحب النحیلة تعمل كالأقنان
فوق السجون وأماكن التعذیب والإغماء
دون أن تسقط منها قطرة واحدة
على وجه أو ید أو لسان ممدود
یبدو أن لا أحد
یرید لهذه الأمو أن تصحو.
4
أیها الحزن
یا حبي الأول والأخير
لقد نفذ كل ما عندي ومن حولي
من خمر
وتبغ
وخبز
وأغطیة
ووسائد
وأدویة
ورسائل
وطوابع بریدیة وتذكاریة
ولم تترك لي دفترا على مكتب
أو قمیصا على مشجب
أو وساما على صدر
أو حذاء على عتبة
أو صدیقا في مقهى
أو جارا یقرع بابي
وقد أحببتك حتى كدت أشرك
ولكن آن لنا أن نفترق.
***
ولأنني لا آمن جانبك
علیك أن تثبت وجودك كل مساء
عند المختار أو في أقرب مخفر.
5
أیها الضباب الأصفر اللانهائي
هل أنت محبرتي ؟
رحمي ؟
طفولتي ؟
شیخوختي ؟
كرامتي ؟
وقاري ؟
قلعتي ؟
كوخي ؟
زریبتي ؟
خوذتي ؟
رمحي ؟
هزيمتي ؟
شام ، سلافة ، لینا ، آلاء ، هادي ، مي ، كنانة
أنتم قطرات الماء في صحرائي
الریش على أجنحتي
الربیع على أغصاني
الطیور في سمائي
الكروم على شفتي
الیمام على نافذتي
وأجراس المیلاد في دفاتري
وكل أمواج البحار المتلاطمة
أنتم صخرتي ومنارتي.
6
كیف أقتنع بوطن
غیومه ، وأنهاره وأشجاره ونجومه وجباله وودیانه وسهوله
وفصوله
غير مقنعة ؟
حتى لو فرِض علي كالإقامة الجبریة
سأجد أكثر من طریقة للتخلص منه.
***
فالوطن لیس مجرد خریطة ونشید وصورة لعسكري أو مدني
نكرة في الدوائر الرسمیة أو على الدفاتر المدرسیة
وبضعة حوادث مرور ومراكز جمرك وحوانیت ومطاعم وسفارات
ونشید
وبضعة أمتار من الحدود والممرات الجبلیة أو المائیة أو
الرملیة
وبضعة جوامع وكنائس وحانات وبساتين ومصنع
معجنات ومفرقعات
یرفرف فوقها جمیعا علم من قماش الستائر أو الوسائد أو
فوط
الخدم والطهاة
***
هل أبصق على قدمي كورق الطوابع
لتلتصق بهذه الأرض ؟.
7
سأكتب عن الجوع بالسنابل
وبالزهور عن الخریف
وبالأجنحة عن الأقفاص
وبالثلج عن المشردین
وبالریاح عن الشموع
والحب والثأر والفداء
وآلام الموت والولادة والاحتضار
حتى یهطل المطر من قلمي
وتغرد العصافير في دفاتري
سأبسّط تعقیدات اللغة
وإجراءات الدفن والرثاء
والبطولة والخیانة
بحیث یشتهي أي كان
أن یعیش أو يموت
أو يخون أي شيء
في سبیل أي شيء.
8
لا أحب أن أعبأ في جنود الاحتیاط
كالقش أو الرمل
أحب أن أكون فاتحا أو أسيرا
أكره الأمان و أزرار الإنذار
والحراس اللیلیين
وكتائب التموین والأشغال العامة
أحب كتائب الفداء
ولا قناع على وجهي
أو عنوان في جیبي
كما لا أحب فعل الخير في الضباب
أو تحت جنح الظلام
وصراخ الغربان في كل مكان
كما أكره حفیف الأشجار
لأنه تذكير بالجوع والعطش ورق الأطفال
***
جذوري في حذائي
وحیث أقف وأتثاءب هو وطني
***
أستخدم عكازي لتفادي الحفر
ومظلتي للوقایة من المطر
والخبز والماء لمواجهة العطش والجوع
والمعطف والوشاح والقبعة لتفادي الزكام
وكل ما أكتبه بعد ذلك هو للوقایة من الوطن
لأنني لا أستطیع مواجهته دفعة واحدة.
9
فجأة ودون سابق إنذار...
أخذت قطرات من الدم تقطر من قلمي وأظافري المهملة بسبب
الكسل أو ضغط النفقات..
دم أحمر كدم الكرز لم أر ولم أسمع بمثله منذ الحروب
الصلیبیة
وحطين وذي قار
وأخضر كدم الربیع
وأصفر كدم الخریف
وأزرق كدم الفجر
وأسود كدم اللیل
ورمادي كدم الغروب
ومشرق كدم الشمس
حذر كدم الصحراء
هادر كدم البحر
دافئ كدم الثلج
متغطرس كدم الثوار
غامض كدم الثوار
رخیص ومهدور كدم الكلاب والشعراء
وألوان أخرى في الملاهي والحانات والسجون
وفي فلسطين
ولبنان
والعراق
والجزائر
وتونس
والمغرب
والیمن
والسعودیة
والأردن
وفي البوسنة والهرسك والشیشان وأفغانستان
ولذلك أنا خائف أن یأتي یوم لا نجد فیه ما نقدمه لأي بلد
شقیق
أو صدیق في أي معركة مع عدوه سوى دماء الحیض والختان.!
10
أیها الشَعر الجمیل والمزعج كمطر النزهة
من یعیدني إلى قریتي النائیة على أطراف الصحراء ؟
والشمس والغبار والتقالید البالیة
إلى قطرة اللؤلؤ والمراهم المحرقة
والخربشات الدینیة على الخدود المنفوخة
وقراءة الطالع
وتفسير الأحلام والكوابیس
وتبییض الفال
وإبعاد الغجر عن الأطفال
***
ولعب الدحل في المقابر
والورق حول الموائد
وشي الذرة على لهیبها
والبیض والبطاطا في رمادها
إلى...
أجراس القطعان في مراعیها
والعتابا على بیادرها
والحداء في بوادیها
والتلویح للطائرات العابرة في أجوائها
من على الجدران وأشجار التوت المعمرة
والاستحمام في عتبات البیوت
وتفلیة الرأس في أحضان الأمهات والجدات المسنات
مع تبادل التحیات والمشورة مع العابرین
إلى الصید أو الصلاة
و زرق الدجاج على القصص الشعبیة المستعارة أو المقتناة
وعلى الستائر الریفیة الهفهافة:
براعم یانعة لن تتفتح أبدا
وطیور ملونة لن تطير أبدا
***
اشتقت لألوان دفاتري وثیابي
لتغیير طبقات الصوت
وآلام الصدر والبلوغ والمراهقة
لتظاهرة ضد مستعمر ، محتل
وخراطیم المیاه
والهراوات وصفارات الإنذار و أعقاب البنادق
إلى التبرع بالماء والدم
أو ضد باشا ، آغا ، مختار
ضد التدخين ، أو الإجهاض ، أو رداءة الطقس.
12
كل هذه الشمس الساطعة والقنادیل المتلألئة والأسهم
الناریة یطبق
علي الظلام من كل جانب
من سینال مني قبل الآخر ؟
الشعر
المسرح
الصحافة
الحب
الحریة
العدالة
الرغیف
ولا أستطیع التمییز بين هذا وذاك
وثمة جواد غریب بنظارات طبیة یقف على قدمیه الخلفیتين
یصافح المارة
ویطلب عناوینهم وأوراقهم الثبوتیة وأرقام هواتفهم ومن
منهم يملك
الإبداع
الضمير
اللیل
النهار
النجوم
الزمن
ومن الذي یستخدمهم ؟
والفقراء ینتظرون بارقة أمل في رابعة النهار.
13
قلت لشیطان اللغة:
لن تدخل من أي باب
كل المفاتیح معي
أنت القدر
أنا الصدفة
أنت الربیع
أنا الشتاء
أنت اللیل
أنا النجوم
أنت الصحراء
أنا البحر
أنت الحب
أنا الزمن.
14
أیها الحجر المؤسس
بالسفن الفینیقیة العابرة للمكان والزمان
متى یعود ملاحوك؟
وعلى أي نجم أو مدار
ومتى تحترق العنقاء ؟
ویُبعث طائر الفینیق من الرماد ؟
***
وجلجامش هذه الأسطورة الأبدیة
هل یدخن الذرة ؟
أم عشب الجبال والودیان ؟
وحصانه على أي طبول
یرقص رقصة كربلاء الأولى والأخيرة ؟
15
إنني أغربل حسناتي لیل نهار
حتى أتأكد أنها مجرد تخیلات وأحلام عابرة
لأنها في الأصل كانت أخطاء فاحشة
وأنا أعبد الأخطاء الشنیعة
والشائعات المدویة
***
فالمحارب القديم يجب أن یسمع طلقات الرصاص ودوي المدافع
في أیة جهة
والملاح القديم يجب أن یسمع صفير السفن وهدیر الأمواج وصراخ
القراصنة
في أي بحر
والشاعر القديم يحب أن یسمع التصفیق المتواصل ویرى باقات
الزهور والأیدي الملوحة والقبلات المرسلة
ولو كان في بئر أو سرداب.
17
ثمة غصن أخضر
یصر على لونه ونضارته في جمیع الفصول والظروف
وآخر یصر على عریه
حتى آخر ربیع وغابة وشجرة في هذا الكون
وعصفور ینحت لأنثاه عشا في الصخر
إلى آخر منقار وأزمیل وریشة في جناح الزمن!
والآن دعونا من هذه الشائعات العاطفیة والنباتیة
ولنعد إلى عالمي المتداول على ألسنة الرواة والشعراء.
***
عیناي واسعتان كعیون المها
وأهدابهما سامقة كالنخیل بين الكثبان.
أیها الإله الصحراوي
كفاك تقشفا
لقد وخط الشیب فودیك
وأنت ما زلت في میعة الصبا
وأظافرك الخضراء المدببة كرؤوس الرماح
أخذت تتقوس وترتجف
كأیدي المستعطين
تحت الثلوج وأمام الأنهار.
***
لنعد إلى عیني
كما یعود الطائر إلى عشه
والصیاد إلى كوخه
أي نوع من الدموع ترید ؟
ولأیة غایة؟
حزن ؟
فرح ؟
حب ؟
فراق ؟
وداع ؟
صمت ؟
صراخ ؟
لنسأل جدي الضباب فعنده الخبر الیقين
هكذا وعدني أطباء المطر والریاح والمحیطات!
18
طالما كل رفاقي وزملاء طفولتي
موتى أو مشردون أو مطاردون في المنافي
لم ترددي المتواصل على المستشفیات في الداخل والخارج ؟
للوقایة من أمراض القلب والكبد والشرایين والرئتين
ومن نقص الترویة وتصلب الشرایين
وإصراري على شفط الدهون وزراعة الشعر والأسنان
والمعالجة الفیزیائیة والغذائیة
والتمارین التي تقطع الأنفاس.
***
أیتها الشهب والشظایا المتناثرة والحزن المشرد في الطرقات
یا أحلامي...
كیف أصل إلیك ؟
وأعیدك إلى ذاكرتي وأوراقي ؟
أنت وانطباعاتي عن الرجال والنساء والمبدعين
والكتب التي قرأتها
والبلاد التي زرتها وتجولت في شوارعها واختلطت بشعوبها
هل أتعلق بخیوط المطر ؟
والصحراء لم تترك لي إلا السراب
والمحققون لم یتركوا لي ما أعرفه من الجهات الأربع سوى الجدار
الذي أقف أمامه على ساق واحدة وفي الظلام
ولم یعد لي من مرتجى سوى االله
ولكن من كثرة ما ركعت إلى الطغاة
لم أعد أعرف كیف أركع إلى االله!
19
یطبق الخوف بساقیه حول خاصرتي
كالفارس المغوار
ویلكزني بمهمازه لكي أصهل فخورا ممتنا
وها أنا أنصاع
لأن جلدي يحكني كالأجرب
أرید من یصفعني
يخونني
یتحداني
یذلني
یبصق في وجهي
وفي محبرتي
لقد مللت الكبریاء
ولم یعد وجبتي المفضلة كالتمر واللبن
كما عند الأنبیاء.
20
كل شيء يختلط ببضعه البعض في العاصفة
الشعر والوحل
الرمل والدموع
المطر بالسلاسل
الجبال بالغابات
المقابر بالمباغي بالحانات
وعلي أن أفرز كل شيء على حدة كالكیمیائي العجوز في
مختبره
***
ولكن من أین یأتیني الهدوء
في هذا المكان المتصدع والمغلوب على أمره ؟
مهرجان من هنا
ومسيرة من هناك
طائرة حربیة تقصف
وطائرة مدنیة تقلع
غراب ینعق
ومطرب یغني
ومستمع یصفق
حتى صرت أتمنى عاصفة ثلجیة في القطب الشمالي
ولكن مع حظر التجوال لذاكرتي وأحلامي.
21
هذا الصمت المطبق يحطم أعصابي
أرید أي صوت ومن أي مكان
قعقعة سلاسل في سجن
تدحرج صخور في منحدر
صراخ طیور في فخ
قنبلة موقوتة، انفجار بركان
بين قدمي
رعد ونعیق غربان في أذني.
***
تمزق ستائر وأشرعة في بیتي
نواح غابات في طریقي
تحطم مصباح في مكتبي
ورفوف وأقداح في حانتي
وانهیار جدار على ظهري.
***
صفير ریاح في حارتي
عواء ذئاب في قریتي
وصفارات إنذار في مدینتي.
***
وكل القصائد الممزقة والأوتار المقطوعة والعصافير المذعورة
تنتحب تحت قبعتي وفي محبرتي.
22
لقد أصبح الدخول إلى عالم الأحلام والذكریات في رأسي أكثر
صعوبة من دخول البیت الأبیض بعد أحداث 11 أیلول ، إذ
أخضعت
الأحلام والكوابیس لبرمجة معینة في النوع والكم ثقافیا
وحزبیا
وفنیا وطائفیا .
وأنا مرتاح البال
لأن كل مواطن عربي هو فيروس أو جرثومة جاهزة للتخدیر أو
التحذیر.
***
كلما حاولت أن أدلي بدلوي في موضوع
يجف القلم أو ینقطع الحبل
وإذا رغبت في توجیه نصیحة لأحد
ینتابني سعال متواصل كالفضائیات العربیة
***
وكلما كلفت بمهمة وتهیأت للسفر
أفقد حقیبتي أو جواز سفري أو أعفى منها.
***
وكلما أردت أن أغفو
تقف في وجهي الدیون الجدیدة
والذنوب القديمة
***
وكلما أردت الكتابة
تضیع نظارتي
ویتدفق ضیوفي
ویزرق الدجاج على دفاتري
***
ثم عندي لوازم كل شيء ولا أقدم على شيء ، مثلا:
عندي لوازم السفر ولا أسافر
ولوازم السباحة ولا أسبح
وكل شيء للزراعة ولا أزرع
وأعیش على المعلبات.
28
سأدخن همومي وجراحي
كما لو كنت في نزهة على شاطئ البحر.
***
و وراء القضبان أعقد لقصائدي شرائط وجدائل مدرسیة
بیضاء
وأطلقها من النافذة.
***
ثم أتابع وقع خطوات السجان وهو یذهب ويجيء أمام زنزانتي
كأنها آثار قلمي.
***
وبعد أن أكتب كل ما یروى لي
أقص دفاتري على شكل زورق وأشرعة وصوارٍ
وألقیها في عباب الذهول
ثم أنصرف إلى الصحراء
لأعرف ماذا أفعل بها
أو معها ؟
29
رأسي ممتلئ حتى آخره بالأحلام والأمنیات
ولم یعد فیه مكان لحلم جدید
وحتى لخیبة جدیدة
وإذا ما وجدت فستدفع خلو رجل
كما في الأماكن السیاحیة والتجاریة.
***
لقد قضیت حیاتي وأنا أنتظر
حلول اللیل
طلوع الفجر
الحب
تغرید الطیور
شروق الشمس
الإبداع
الإلهام
الهبوط
الإقلاع
إلا الذي أحبه أن یعود..
فلا أرى له أیة بارقة أمل.
***
أقسى ما في الوجود
أن لا یكون هناك ما تنتظره
أو تتذكره
أوتحلم به!!
31
دائما أقابل من أحب
ومن أكره
وأنا في أسوء حالاتي.
ساعدني یا إلهي..
خذ بیدي..
بل خذها وخذ المرفق والساعد والكتف
فعندي أعضاء كثيرة لا لزوم لها!
32
یسعدني بعد رحلة العمل الشاقة
والنداءات المتكررة
وبيروقراطیة العمل
وأزمات المرور
أن أعود وأستحم في بیتي الحنون
وألتف بثیابي المنزلیة
وكل ما یهمني لفافتي بیدي
وسعالي بصدري
وأطفالي في أسرتهم
مع أنين متقطع یأتیني من بعید بين فینة وأخرى.
***
من أین لي كل هذه الأجنحة ؟
وماذا أفعل بها ؟
أرید آفاقا جدیدة
وبهذه السیوف والرماح والخناجر ؟
أرید معارك جدیدة
وبههذ الأشجار والغابات؟
أرید فؤوسا
أو حرائق جدیدة.
***
وهؤلاء الشعراء والمطربون والهتافون
ماذا أفعل بهم ؟
أرید استعمارا جدیدا
***
وهذه الخیام والمعلبات والعملیات الفدائیة والمعونات
العربیة
والنسخ المتداولة من سلطان الأطرش وصالح العلي وابراهیم
هنانو وفوزي القهوجي وأدیب الشیشكلي وفخري البارودي
ماذا أفعل بهم ؟
وهم لم یطلقوا طلقة واحدة بعد
ولذلك أرید احتلالا جدیدا .
34
یا إلهي..
أعطني فرصة
لأسرق
لأرتشي
لأخطئ
لأغش
لأخون صدیقا عابرا مع عاهرته العابرة
لأكذب كذبة بیضاء لا تعاقب علیها الأدیان
بموعد مسلسل
أو مقادیر طبخة الیوم.
إن شعبي لا یستحق كل هذه الرفاهیة المفرطة
الكل یسرق
ویكذب
وینهب
وتفتح له الأبواب على مصاریعها
وأنا أنام وأصحو
في زنزانتي الشعریة
والدموع تغطي ركبتي.
35
في خضم الأحزان
جرني الغوغاء من أكمامي ولحیتي الفارسیة
نحو مثواي الأخير
وكانت قصائدي تنبح بقوة وألم
وذنبها المقطوع في الربیع
یزداد التفافا حول نفسه
كشهید یائس من مهمته
وقد أیقنت دون تفسير
أن الفصول الأربعة أخوة
وأن الربیع هو یوسف
والشتاء هو الذئب
وها أنا أنفض الغبار عن أحزاني جمیعا
وأجددها
كشفرات الحلاقة
أو جمر الموقد.
36
إنني میال للشروق تارة
وللغروب تارة أخرى
وریثما ینتهي علماء البیئة والاحتباس الحراري
من مؤامراتهم وخطاباتهم وتوصیاتهم
سأختار الظلام.
38
أي صوت ینادیني:
وتر
عصفور
كمان
فيروز
بائع متجول
أجیبه وأنا مغمض العینين
***
الورد المقنع
والشتاء المثبط للهمة
وأجنحة البجع التي تهدهد الأفق كطفل
وحزنا .. أنفقه دون تردد
حتى أكاد أضحك
كحجارة الدار تحت أقدام العائدین.
39
تعرفت على وطني صدفة..
فدفأتني شمسه
وروتني ینابیعه
وأسعدتني آفاقه
وأبهجتني أعیاده واعتدال فصوله ومواعید عمله..
واستغربت من أبنائه بعد ذلك كیف یقومون:
بملء مجاریره
وتكدیس قماماتهم أمام أبوابه
والبصاق على جدرانه.

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد الماغوط

avatar

محمد الماغوط حساب موثق

سوريا

poet-mohammed-al-maghout@

21

قصيدة

318

متابعين

محمد أحمد عيسى الماغوط .من مواليد 1934م شاعر واديب سوري من ابرز شعراء قصائد النثر والقصائد الحرة في الوطن العربي. ولد في بلدة سلمية (شرقي مدينة حماة - وسط سورية).عاش ...

المزيد عن محمد الماغوط

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة