جنِّباني خليج بحر الرومِ

وقفا بي على ضفاف الغديرِ

هاهنا الغيد في ائتلاق النجومِ

حُمْنَ حولَ المياه مثلَ الطيورِ

هنَّ أَقبلنَ بارزاتِ الصدورِ

ثم شمَّرن كلَّ ذيلٍ عفيفِ

يا لها من طهارة في سفورِ!

جُمعَ الطهرُ كله في الريفِ

قد كشفن الذيول عن سيقانِ

أرأيت الدُّمى وهنَّ عوارِ؟

وتقدمنَ في خطا متوانِ

يتمايلن خيفةَ التيارِ

رفعتْ ذيلَ حالكٍ في السوادِ

عن حواشي مورَّد اللون دامِ

فإذا طيّ هذه الأبرادِ

شفقٌ لاح تحت جنح الظلامِ

وإذا ما رأيتَ رأى العينِ

منظر السوق غصْنَ في الأمواجِ

قلتَ: وادٍ أديمُه من لجينِ

نبتتْ فيه غابةٌ من عاجِ

ركعتْ كل غادة هيفاءِ

كركوع البتول في المحرابِ

فرأتْ ظلَّ وجهها في الماءِ

ورأى الماء فيه ظل العبابِ

رُمْنَ غمس الجرار في الآذيِّ

فأبى غمسَها دلالاً وتيها

فإذا ما انتصرن نصر الكميِّ

ضحكت كل جرة ملءَ فيها

ثم أدبرن يحتملن الجرارَا

تنثَّني من تحتها الأجيادُ

ما دلالاً تميس تلك العذارَى

كلُّ لدنٍ تئوده ينآدُ

رفعتْ عند سيرها باليمينِ

ذيلَ ضافٍ، مهفهف، معثار

واتقت بالشمال فوق الجبينِ

غزواتِ الشعاع للأبصارِ

سرْنَ سير المجدِّ عند الورودِ

فإذا ما صدرن سرن اتئادا

أرأيت الظليم عند الشرودِ

أو رأيت القطاةَ إذ تتهادى؟

وعجبنا لحاملات الجرارِ

لحْنَ فوق الرءوس كالأبراجِ

كيف تبدو في عزمة الجبارِ

ذاتُ جسم كالزئبق الرجراجِ؟

تلكَ سوقٌ مصقولة في العراءِ

لم تَمِسْ في جواربٍ من حريرِ

ورءوسٌ خُلقن للأعباءِ

لا رءوسٌ أَلفْنَ قصَّ الشعورِ

ما ترهَّلن في ظلام الخدورِ

أو طليْن الأديم بالألوانِ

بل جرت في الوجوه جريَ النميرِ

حمرةُ الشمس صبغةُ الرحمنِ

سائلاني عن أهل تلك المغاني

إن هذا الأديمَ مسقطُ راسي

لقَّنَتْني طيورُه ألحاني

وسقاني هواء أولَ كاسِ

مسرح كنت فوقه منذ حينِ

وعليه لعبتُ دور الغلامِ

لك يا ريفُ زفرتي، وحنيني

لك عندي تقديس بيت حرامِ