الديوان » مصر » محمود غنيم » فقيد الفصحى

عدد الابيات : 59

طباعة

ضجيعَ التراب، أطلتَ الرقودَا

عزيزٌ على الضاد ألا تعودَا!

بكتك، لعمري، عيونٌ شحاحٌ

تعوَّدنَ عند المصاب الجمودا

بكى النيل مَنْ كان في طهره

وكانت سجاياه أشهى ورودا

فتى شَيَّعته الوفود، فسارت

مناقبُهُ تتحدَّى الوفودا

ولو لم نُؤبِّنهُ نحن، لقامت

فألقت على كل سمع قصيدا

له سيرة كعبير الزهورِ

لوَ أن الزهورَ رُزقنَ الخلودا

نثرنا الورود على قبره

فقطَّرَ طيبُ ثراه الورودا

قضى، وهُو للكل خِلٌّ، ودود

وكان له الكلُّ خلا، ودودا

وعاش؛ فما عاش إلا كريمًا

ومات؛ فما مات إلا شهيدا

وأدَّى رسالتهُ في الحياة

ولولا الردى، لتوخى المزيدا

ومدُّوا له في زمان الجهادِ

ويأبى له الموتُ عمْرًا مديدا

فتى نال باللين ما لا يُنالُ

وللِّين بأسٌ يَفلُّ الحديدا

تراضُ الوحوشُ بألفاظه

وينقلبُ الجمرُ ماءً بَرودا

يسوس الأمورَ بمحضِ الأناةِ

فيطوي العدوَّ، ويُرْضي الحسودا

وما كان في الحلم إلا ابنَ هندٍ

وذو الحلم أخلقْ به أن يسودا!

محمدُ، لو تُفتدَى بالشبابِ

بذلناه للموت فيك زهيدا

عهدتك مبتسمًا للحياةِ

ترى كلَّ يوم أظلَّلك عيدا

بوجهٍ طليق، كوجه الربيعٍ

إذا طاب نفحًا، وأورقَ عودا

ولم تَشْكُ من حادث الدهر يومًا

كأنكَ منه أَخذتَ العهودا

أَلا إن ذلك سرُّ اليقينِ

رُزقت اليقينَ، فَعِشْتَ سعيدا

سجدتَ لربك حين أطالتْ

جباهٌ لغير الإله السُّجُودا

أقدِّسُ فيك التقى والصلاحَ

أقدِّسُ فيك الخلاق الحميدا

عهدتك تدعو إلى الخُلْق دينًا

وتهتفُ بالصالحاتِ نشيدا

ورقَّتْ خِلالك مثلَ النسيم

فكانت على ما تقول شهيدا

عهدتك تعملُ خَلْفَ الستارِ

وتَبذلُ إثر الجهود الجهودا

تُهَيِّئُ للضاد مجدًا طريفًا

وتبعثُ للضاد مجدًا تليدا

تُشيد بها في سكون وصمت

وتدفع عنها الأذى إن أريدا

جهودٌ يحسُّ بهنَّ الجمادُ

وتنكر أن لهن وجودا

أبَا جابر، كلُّ حي يصيرُ

إلى حتفه، كارهًا، أو مُريدا

على الأرض ننمو نموَّ النباتِ

ويلقطنا الموتُ حَبّا حصيدا

سنسلُكُ يومًا سبيلَ الجدودِ

فلسنا بأسعدَ منهم جدودا

سألتُ عن الأرض: ماذا أقلت؟

فقالوا: مهودٌ تغذِّي لحودا

ولم أرَ كالموت داءً قديمًا

تخرَّم عادًا، وأفنى ثمودا

فما بالنا كلما مات ميْتٌ

شَرْبنا من الحزن لونًا جديدا؟

رأيتُ البكاءَ يعزي الحزينَ

ولكنه لا يردّ الفقيدا

لعمرُك، ما الموتُ إلا انطلاقٌ

فإن الحياةَ تفيضُ قيودا

علامَ تشكَّى الحياةَ زهيْرٌ

وأضجرَ طولُ البقاء لبيدا؟

أبا جابرٍ، شاهَ وجهُ الحياةِ

وصار الورى للحُطام عبيدا!

فلا العيشُ أمسى يُعَضُّ عليه

ولا الموتُ أصبح خصمًا لدودا

وماذا تركت من الطيِّباتِ؟

تركتَ حروبًا تشيب الوليدا

تُروَى أديمَ الثرى بالنجيعِ

وتملأ سمعَ الزمان رعودا

حروب يسعِّرها الأشقياءُ

فتتخذُ الأبرياءُ وقودا

غدت تَصَهرُ الناس مثلَ الجليدِ

ولكنَّ في مصر شعبًا جليدا

إذا الأرض مادتْ بسكانها

فإن لنا وطنًا لن يميدا

أبا جابر، ما نسينا الوفاءَ

ولا علَّمتنا الحروبُ الجحودا

أشادتْ بذكرك «دارُ العلومِ»

فما كنتَ إلا فتاها الرشيدا

وواسطة العقد في نحرها

وإن كان باقيه درا نضيدا

لعمرُك، مازال للدار أهلٌ

ومازالت الغابُ تنمي الأسودا

لئن أنجبتكَ، فكم أنجبت

لمصر حصاةً، ورأيًا سديدًا

وأنفًا أشمَّ يزيد ارتفاعًا

إذا شمَّ بعضُ الأنوف الصعيدا

رجال بعصر الجهالة لاحوا

نجومًا تشقُّ ليالَي سودا

همو حملوا راية الضاد حتى

أعادوا لها جعفرا والرشيدا

إذا لمحت مصر آثارهم

تثنّت من التيه عِطفًا وجيدا

ولم تَرَ أخلصَ منهم رجالاً

وأنكر للذات منهم جنودا

إذا شبَّت الحرب، هبوا قيامًا

وإن قُسِّم الفيء، ظلوا قعودا

ولا يحسب الناس «دار العلوم»

بناءً على أرض مصر مشيدا

فإن لها بالعراق فصولاً

وإن لها في الحجاز حدودا

إذا رفعت في الكنانة بندًا

فقد رفعت في سواها بنودًا

مثابة أم اللغى، من بناها

بني للعروبة صرحًا وطيدا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمود غنيم

avatar

محمود غنيم حساب موثق

مصر

poet-mahmoud-ghoneim@

82

قصيدة

415

متابعين

توجد روايتان عن مولد الشاعر: محمود غنيم الاولى أنه ولد في ١٩٠١م،والثانية أنه ولد في 1902م،وقد ولد بقرية مليج في محافظة المنوفية. ويعد واحد من أبرز الشعراء العرب في جيله، وهو صاحب ...

المزيد عن محمود غنيم

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة