كنتُ أمزحْ حين ألقي وردةً من عتبٍ وسط كلامي قال: هل تكتبُ عني؟ قلت: لا بدّ، ولكن.. حين تذبحْ يا صديقي أمحل الوقت وضاقْ ليس للود تلاوين عديدة أنت لا تصلحُ إلا لقصيدة *** كان في قلبيَ سرٌّ... يتعرّى... ثم يجرحْ أنا عوّدتُ قوافيَّ على طعم دماهمْ وتعوّدتُ بأن أقضي رغابي في حماهمْ وتعوّدتُ بأن أستلهمَ الحزنَ الذي يسودُّ غيماً في سماهم لم أكن أمزح، بل كان كلاماً ضاغناً يلتذُّ أن يوغلَ في الجرح ليصدحْ ثم يلتذُّ بأن يمعنَ في القول ولا يخفي رذاذاً قانياً ينثر ضحكاً دامياً فوق الصورْ وهو يختال ويجترُّ كلاماً كالدررْ *** إن سلطاناً على العرش تعالى فوق أشلاء الضحايا إن سجّاناً أراح السجن بالقتل وأسواقاً زهت إذ عرضت أشلاءهم تُغوي وتربحْ ملأت جدرانها من صور القتلى تمادت، عندما حوّلها تجّارها الصيد كمذبحْ فلماذا أنا يخزيني اعترافي ولماذا لا أباهي بدمٍ يقطر من هذي القوافي ميّتونْ أُغلقت من حولهم ذاكرة الناس كما تُغلقُ أبواب السجونْ فلأُوَدِّعْ من أواري بـ"العوافي" ما الذي يمنع أن أسأل حيّاً: "ومتى سوف تموت؟" ليس ما يُحرج لو مازحتُ ميتاً لو تظارفتُ أعزّي أهله أقتلهم ظرفاً إذا خيّرتهم بين المنافي إنّ من مات يموتْ. وخطى الموت تدق الآن أسماع البيوتْ وهي إيقاعٌ وحيدٌ وسط غابات السكوتْ إنما الميت غباءٌ صامتٌ والقتل للسلطان قوتْ وأنا يحضنني أهل القتيل أرقب النسوة في الندب أعزّي صيدي المقبل فيهنّ وأفرحْ وأصيخُ السمع كي أعرف أشهى امرأةٍ من ندبها أجمل صدرٍ يتبدّى من ثيابٍ مُزِّقت حزناً أداري أنني أسترها .. ألمسه ثم أداري، أدّعي حزناً بأني لم أرهْ إنني أُرهقت بالسير جنازاتٍ إلى صمت جدار المقبرةْ وأنا أسأل نفسي: كيف أبدو بعبوسي في أسى التشييع بالصمت، وبالشَعر المسرَّحْ كيف أبدو لنساءٍ في الشبابيك يراقبن المعزّين، وينشرن شِباك المفخرةْ إنني أُرهقتُ من هذا العزاء هيّئوا لي مجزرةْ هيّئوا لي مشهداً يصلح للشعر لماذا تجهضون الشعر بالموت فرادى كل ما أطلبه منكم دمٌ يملأ هذي المحبرةْ صرت أستلهمُ إيقاعي من حشرجة القتلى وصار الذبحُ إلهاماً لشعري علّهُ يصبحُ أوضحْ أيها الصحب الذين اقتربوا مني كثيراً هيّئوا لي مجزرةْ إن شعري استمرأَ الطعمَ الذي ذاقَ بـ"صبرا" لم يعد ينفعني الصمت الذي يشمل ليل المقبرةْ ولماذا ينتشي الأعداء بالقتل ولا أكسب شِعراً وألوفٌ جاهزون الآن للذبح رؤوسٌ يانعاتٌ للقطافِ ما الذي يمنع أن تُلقى بحضني ثم أختار لتزيين القوافي وأباهي بمعانيها الفريدةْ يا صديقي كان في القول مرايا أظهرت وجهي القبيحا وأنا أهرب من مرآة عينيك التي تظهرني أقسى وأقبحْ ان ما تسقط فيه كان سرّاً لاندحاري وانحداري لم يعد لي من خيار دمك الآن ابتدا يقطر إيقاعاً شهيّاً لموشّحْ يا صديقي جمّعِ الأهلَ، اصنعوا لي مجزرَةْ وحدكَ، الآنَ، قليلٌ في مزاج الشعر فالرؤيا عنيدةْ وحدكَ، الآنَ، قليلٌ لم تعدْ تصلحُ حتى... لقصيدةْ
ممدوح صبري عدوان ولد سنة1941م،في قرية قيرون التابعة لمدينة حماة السورية. كاتب وشاعر ومسرحي سوري، يعد واحدًا من الأدباء السوريين الأكثر غزارة في الإنتاج الأدبي. عرف بكونه المثقف والأديب المشاكس ...