ها نحن الملاعين ، العالقون في الديسابورا diaspora ملح الأرض الكالحة ، تميمة المنافي! نحن الذين يقتات المأساة مِن أوجاعنا ، التي لا تكف النزف! ها نحن قياصرة البؤس ، ملح المنافي ، حصى الأرض في البلادِ البعيدة! نحن الذين نرضع مِن ثدي الحزن ، نمتصه كغليونٍ صدئٍ ، في إحدى زقاقاتِ العربي! *** *** *** ها نحنُ العالقون في شرنقةِ الغياب المُر ، المترعون بالأسى حدّ الثمالة! عالقون بين أقفاص الجغرافيا الصلبة! المداسون بأقدامِ الوقت ، كحصى تحت حوافر الخيل في ساحاتِ الوغى! غاصون حتى الرأس في مياه اللامعنى . حيث الحياة مطحنةٌ مِن فراغ! الأحلام معلَّقة في خاصرةِ الوهمِ ، تنتظر حظها في قادمِ الأيام ، علَّها تسقط ناضجاً في سلة التحقق! ها هي ذي الحياة ؛ فكرة مشروخة في المعنى ، جسداً يطفح بالخراب ، روحٌ مترعٌ باليأسِ ، في غياهب المنفى القاحلة! كلّ فكرة تتموّج ، تتمطّى ، قبل أن تتلاشى في غمرةِ يأسٍ وتيهٍ قاهرين! الحياة كما اليوم ؛ في الصباح نقوم منتشين بالأمل والتفاؤل ، وفي المساء ، حين يصفرُّ وجه الشمس تحت مقصلة الغروب ، نرتدّ محمَّلين باليأس ، نكابد الخيبة والحسرات المتأججة! هي ذي الحياة ؛ في بداية العمر نغدو ثملين بنبيذِ الأمل ، ولكن عندما نكون عند عتبة النهاية ، نكون ثملين بنبيذِ اليأس والحسرات! ها هو ذا الوجود ؛ محض فقاعة غيم ما تلبث أن تنقشع ، لنجدَ أنفسنا عالقين في مستنقعِ عدمٍ لا متناهٍ! ها نحن المقتولون على تخومِ الحُلم! المعلَّقون على حبالِ أملٍ باهتٍ ما تلبث أن تتهتك ، وتتركنا رهن السقوط المدوي! ما بنا نفعل لإنبعاثِ ضوءٍ الكلُّ يريد لها أن تأفل ؟ ما بنا نفعل لإنقاذِ جنينٍ الكلُّ يعمل على إجهاضه ؟ ننتفق ، نتعفن فوق مشانق اليأس! يا الله ؛ لسنا أبالسة حينما قلنا لا للظلم ، لا للخنوع ، في وجهِ الطاغوت! مِن نافذةِ الرصاص ، تسيل الدم ، تهطل كهذا الخراب الناخر في العظام الرميم! كهذا الآمال الساقط مِن خاصرةِ الحُلم ، ذات غسقٍ محممٌ بدموعِ الشمس! حين ندلف مزلاج الموت ، فنحن نضع حدّاً للحلم ، للهاثٍ ميؤس منها في الوصول إلى النهاية! حين نتعب مِن السعي الحثيث ، ومِن الحلم أيضاً ، ونشقى مِن الخديعة ، فنشافه الذات ، فنتوقّف عن كل شيء ، نعلن إضرابنا عن الوجود! *** *** *** حينما لا نحمل شيئاً مِن ضجيجِ العتمةِ ، أو هدوء الضوء ، نلوذ إلى الفرار مِن كل شيء! نلوذ إلى حتفنا المؤجل! مَن قال أن الضوء هي إنبعاثُ الروح مِن سحيقِ العدم ، هي مقبرتها! ألسنا نموت ونحن نلهث وراء ضوءٍ ما فتئت تبتعد وتتشظّى!؟ *** *** *** بودكَ لو تخلِّف كل هذا الجراح ، هذا السنون الجهيضة! لتعود طفلاً يتسربل ، في ثيابِ البراءة! بودكَ لو تتخلَّص مِن ذاكرةِ الفجيعةِ بعد أن نخرتكَ سوس المنفى! وعلقت جرثومته في دمكَ المهروق! بودكَ لو تتخلَّى عن بؤس العالم ، عن هذا الشقاء اللعين! بودكَ لو تتخلَّى عن هذا الرثاء المُر ، عن الإصغاءِ إلى آهةٍ تتشظّى بين الضلوع! عن دمعةِ ثكلى تتلألأ فوق رصيف مقلٍ أعياها البكاء! عن صبوحةٍ بشحوبةِ حُبلى! عن دمٍ متخثرٍ في أوردةِ المعنى! عن وجودٍ تائهٍ في مفازةِ العدمِ! *** *** *** سأخاصر عدمي ، وأكتب حتى آخِر دمٍ مِن نبيذِ التيه! سأكتب ألمي وفواجع الأيام! سأكتب هذا الخراب الناخر في جسدِ الوجود! سأكتب هذا البؤس المتشظّي! نحتمي بظلالِ الكتابةِ ، علَّها تبذر فيّ النسيان!
الشاعر الشاب عبدالوهاب محمد يوسف المعروف باسمه الأدبي عبدالوهاب لاتينوس، ابن مدينة نيالا المولود في العام 1994م، درس الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة الخرطوم ،عضو مشروع الفكر الديموقراطى، ومجموعات القراءة من ...