البحر مات وغيّبت أمواجُهُ السوداءُ قلع السندبادْ ولم يعد أبناؤه يتصايحون مع النوارس والصدى المبحوح عادْ والأفق كَفَّنَهُ الرمادْ فَلِمَنْ تغنّي الساحراتْ؟ والعشب فوق جبينه يطفو وتطفو دنيواتْ كانت لنا فيها، إذا غنّى المغنّي، ذكرياتْ غرقت جزيرتنا وما عاد الغناءْ إلا بكاءْ والقُبَّرَاتْ طارت، فيا قمري الحزينْ الكنز في المجرى دفينْ في آخر البستان، تحت شجيرة الليمون، خبّأهُ هناك السندبادْ لكنه خاوٍ، وها أنَّ الرمادْ والثلجَ والظلمات والأوراق تطمرُهُ وتطمرُ بالضباب الكائناتْ أكذا نموتُ بهذه الأرض الخرابْ؟ ويجفّ قنديلُ الطفولةِ في الترابْ؟ أهكذا شمس النهارْ تخبو وليس بموقد الفقراءِ نارْ؟ 2 مُدنٌ بلا فجرٍ تنامْ ناديتُ باسمكَ في شوارعِها، فجاوبني الظلامْ وسألتُ عنكَ الريحَ وهي تَئِنّ في قلبِ السكونْ ورأيتُ وجهَكَ في المرايا والعيونْ وفي زجاجِ نوافذِ الفجرِ البعيدْ وفي بطاقاتِ البريدْ مُدُنٌ بلا فجرٍ يُغطّيها الجليدْ هجرتْ كنائسَهَا عصافيرُ الربيعْ فَلِمَنْ تُغَنِّي؟ والمقاهي أوصدتْ أبوابَهَا وَلِمَنْ تُصَلِّي؟ أيها القلبُ الصَّدِيعْ والليلُ ماتْ والمركباتْ عادتْ بلا خيلٍ يُغَطِّيهَا الصَّقِيعْ وسائقوها ميّتونْ أهكذا تمضي السنونْ؟ ونحنُ مِنْ مَنْفَى إلى مَنْفَى ومن بابٍ لبابْ نَذْوِي كَمَا تَذْوِي الزَّنَابِقُ في التُّرَابْ فُقَرَاء، يا قَمَرِي، نَمُوتْ وقطارُنا أبداً يَفُوتْ
عبدالوهاب البياتي شاعر واديب عراقي ولد عام 1926م في بغداد. ويعد احد رواد الشعر الحر، عمل مدرساً من 1950 إلى 1953، ثم بدأ مسيرته في العمل الصحافي منذ عام 1954 ...