ليلٌ،
لم تكن النافذة تَسَعُ نجومه
وهو يستريح في سهرة طويلة
ليلٌ لَيّنُ العريكة
يخرج من مجابهاته يذرع النوم بين الحلم والكوابيس
فطاب للشرفة أن تندلع بتسعة سلالم من حبالٍ مغزولةٍ بأكثر المُقل بياضاً لفرط التحديق، وأكثر المحاجر دكنة لفرط السهر.
زاغتْ روحي وأنا أقرأ هذه الأبجدية المشحونة بالرموز والألغاز، حتى أوشكتُ أن أدرك الموج وهو يبسط سجادته في خطوات الريح وتيه المراكب
4
ينال مني الوهن، والشعلة منتعشة تسأل وتمعن في السجال،
حتى إذا ما طرحتُ شكاً بزغ شكٌ آخر غيره
ينحجب أمرٌ وينكشف أمرٌ وأفضي إلى أمرٍ ثالث
5
ليست عيناي هاتين اللتين أرى بهما، إنهما خطوات الخيل الشاردة وهي تدرك المسافة بين زجاج الشمس المكسورة وتنهدات الوحش المحبوس
ليست عيناي
إنها اللغة وهي تتناسل مثل كوكب يتفجر في أسرابٍ وفي شظايا،
تقرأ السديم وتؤلف المجرة
6
يقظةٌ تسبق الحلم وتليه
لا هو نومٌ تنهض منه
ولا ليلٌ تخرج عليه
جناح فراش لا تخسره ولا تناله
7
ذاهبٌ حتى الثمالة
قدحٌ تدركونه ونشوةٌ لا تطالونها
كلما لمسته بوردةِ روحي انتابتني النشوة
خذوا الصحراء جميعها والماء كله
أطلقوا فهرس الضغائن على آخره
واتركوا لي هذا النديم
8
أخرجُ من غاباتكم أدخل في غيبوبتي
حجبكم مهتوكة وفضائي على الأفق
تقرأون ما أكتب
وتتنزهون في حدائقي
معطلي الحواس
فتصيبكم حسرة الخسارة
9
هنا
بردُ الوحيد علامةٌ للفقد
لا امرأةٌ
وخولة وحدها،
لا سيفَ لي
والكأسُ درسُ النار في علم الكحول
بردٌ بَرى قلبي،
وصوتُ الريح يزدرد الفصول
10
سؤالٌ تُمتحنُ به روحٌ مصقولة بالغدر
وجسدٌ ينفذ من سم الإبرة
ودمٌ تائه في الأوردة
11
هذا القيد لا يكفي
لكي أصغي لها وحدي
فمن يبكي معي
في ثلج هذا الليل
دفءٌ نادرٌ للروح
يقرأني
ويؤنس وحشتي ويذوب
12
ظمأٌ يصيب الحروف محبوسة في كلماتها
ظمأٌ أزرقُ مثل حدقة الصقر
في مخدعِ غيمةٍ تشرف على وهدة الجبل
ظمأ الكشفِ منصباً على فريسة
13
أصغي
فيصعقني دبيبُ الدم
رملٌ باردٌ ويدٌ
كأن الله أطبقَ هذه الصحراء فوقي
واصطفاني سيداً للوحش
14
مَنْ يقوى على إسكات هذا الدم الصارخ في الأوردة
15
بلا مغزى،
ضغائنُ تجوبون بها الأرجاء
16
الشظايا تتحدر من القلب في فلذات وفي قصائد
أتكفل بها كلما تركتموني وحدي
غير أن البحر بعيدٌ بعيدْ
والأصفادُ مثاقيلُ العمى والمتاهات
17
هذا الذئب المنتظر مثل سيد التلال
تشعرون إزاءه بالذنب ذاته
كلما فتحتم كتاباً يضوع منه عطرُ الفقد الحزين
18
العمل العاطل
يصقل عربة الملك الذهبية لعبور المأزق
فتذهبون إلى الغيب
ولا تعوزكم الذرائع
19
ليست الآلهة
إنها أنصابٌ جائعة لأكباد الناس
يخفق الحرس في صيانة الحياة
فتطفق الصلوات في الترجل
20
يقف في رمل الماء يؤرجح أحلامه
فتمر سفنٌ مكتظةٌ بعبيدٍ يرفلون في الأصفاد
ويصدحون بالنشيد الكوني
تلك هي حناجر الحديد
21
ربيتَ هذا العدو
ودربته
وها أنت تتمرغ في الأوسمة
22
لا أنصحُ أحداً بها،
هذه الحياة،
لقد تجرعتُها فحسب
23
ينبغي أن تكون لديكم مباردُ مكان أصابعكم، لكي تحسنوا قراءة أقداركم برفقة ملوك يخلطون السمّ بالدسم ويولمون لشعوبهم بالأساطير،
ينبغي لكم الشك في الشمس
24
لا يعرف ندماً
وليس لطريقه رجوعٌ،
لن تدركه البعثات ولا يناله صائدو الجوائز
كيف تهزم قتيلاً يذهب إليك حاملاً جنازته
25
نرجس يحرس السجن
والخلق ينقرضون في هوامش دفاترهم
أحداقٌ تسهر في بياضها الطيور
والمسافة شاسعة
بين المكان والمكانة
26
زجرتُ نفسي وهي تشتهي
ففاض قدحي بالنحيب
وكنت كلما رشفتُ
شَفِيتُ من العِلة ووقعتُ في الخِلة
27
يحرس أحلامي
يمحوني، يبعث جنده بعدي
ويتبعني
كأني أستعين به
لأصدَّ ضراوة الصحراء
كي يغتالني وحدي
28
يفيض دمي في القوارير
وأسمع في نصالكم سعياً يعرف الطريق
بين الحنجرة والإحليل
29
مثل حرية العبد وأغلظُ ولعاً
مثل براءة الذئب وأخفى صلاة
مثل شبق العشق و أعلى نحيباً،
كلمتي وهي تصعد المدارج إليك
30
يذهب الوشاة بسقط المعنى
وتخفق المعاجم في الفقه والتفسير
وتبقى خولة وحدها بوشم شامخ
تلوب به في انتظارٍ
يخضرّ في كفها ويحمرّ في كتابي
31
أسمّي نجمك الليلي
تاريخ القبيلة وهي تستثني تمرغنا بهامشها
أسمّي جرحك المكتوب بالياقوت في نسيانها
عنوانَ من ضاعوا بلا ذكرى
أسمّي الجنة الأخرى
بلاداً فرَّطتْ في مائها،
أسماؤها منذورةٌ للتيه
نمعن في خوافيها،
أسمّيها
لنصقل ليلها بنجومك الحسرى
أسمّيك، انتعاشاً، قلبَها
وهي النحيلة كاحتباس الروح،
هل تُجدي
ثمالة كأسك الأبدي
أسمّيك، احتمالاً، نجمةً
ليرد لي أهلي
شظايا إرثي المنهوب
لا شِعرٌ لهم
لا باب أغنية تؤلفهم
وهامشهم لنا
بحراً وبعض سفينة
ولهم
ضياعٌ باهرٌ في الشكل
باب قصيدتي في الليل
سمّيت انتحابَ الخيل مرثاتي
وطفلاً ضائعاً في الظل
32
فجرٌ،
يقظة قنديل يتماثل في قطرة الزيت المرتعشة
شخص ينقل خطواته الواهنة في تثاؤب
في أقل من الحركة
في نأمةٍ تختلج بسرها
تزيح الندى
تسأل بلورة العشق عن شمسٍ تتماثل
في رداءٍ مخضلٍ بأثر حلمٍ طريّ
فاضح العري تأويله يسبق الضوء
هل الشمس أقدام آلهةٍ مرتبكةٍ
هل يبدأ النهار في خيطٍ خائف
هل الضوء يدٌ أم كلام
هل نارٌ تذبل في زجاجةٍ
هل بابُ الوقت أم شرفةُ المكان
قنديلٌ في يقظة السديم يبدأ
33
شمسٌ، صوتها وهي تعول في غبار الأقبية تعلن حضوراً شاسعاً لجيوش ذهبية مستنفرة لاقتحام كثافة الصفوف لكائنات تنبثق في أعواد داكنة الخضرة
صوتها نحيبُ المنتصر بجراحه، محدقاً في عتمة المداخل، مشحونة بذعر الاندفاعات تندفق في موج الذهب الرشيق، يتخطى ويجتاز
صوتٌ بعينين فاجرتين يخطُّ بأقلامٍ لامعةٍ، بحبرٍ ساطعٍ? كلمات طازجةً لنهارٍ يصعب احتماله
صوتٌ هادرٌ صادرٌ من الأعالي، من أقاصي الخجل الكونيّ لحظةٌ في غفلة الذهب، حيث ليس للزنزانة صدىً ولا هواء، صوتٌ يصوغ كلمات المعنى وشهوة التأويل، في شغف الشعر وعنفوان الطبيعة، تحت رحمة شمس منتظرة في غبار الأوج
34
في برهة القلب المولع بإيقاع دمه في الأروقة، يلذ لليل أن يحلَّ شكيمة المأسورين تحت وطأة سماء تنخفض، ويطلق كائنات غضّةً، تستيقظُ محتدمةً مندفعةً، لتمسك بأطراف حبالٍ مفتولةٍ، تتصاعد نحو سماءٍ غائمةٍ، في رحيلٍ يضاهي إسراء الملائكة
35
وكلما توغلت في الغيم
شَحَّ الزادُ في سواد القبيلة، وازدادَ النسلُ في الملك، وازدحم الجندُ بالمناكب، وضجَّ صليلُ السلاح، واصطفقتْ الكواحلُ الواهنة في أصفادِها، وصَدَقَ الغيم
36
من البطء في القتل
من حبسة الوطء في القيد،
يستلني خزفُ القانطين
وينتابني خارجٌ أنني ملء حريتي
أن في نيتي أخطفُ الكأسَ من نادلٍ ماكرٍ
قيل لي إنني آخرُ النافرين
قاسم حداد ولد في البحرين عام 1948.
تلقى تعليمه بمدارس البحرين حتى السنة الثانية ثانوي.
التحق بالعمل في المكتبة العامة منذ عام 1968 حتى عام 1975
ثم عمل في إدارة ...