يا أرضنا المشتراة المباعةَ ، والمشتراةَ المباعةَ ، ثانيةً أنتِ ، يا وجه مَـن يتذكّـر منّـا تواريخَ ميلادهِ : بعُـدنا عن النخلِ ... لكنّ الناس كثيرو النسيان ، هذه الأيام ، بل كاد النسيان يغدو وباءً ، حتى صار المرء يُحاذر ويتّـقي خشية أن تصيبه العدوى ، وما أدراك ما العدوى! أمّـا أنا فلا أخشى على نفسي من نفسي ، أعني أنني لا أستطيع أن أنسى تاريخ ميلادي ... صحيحٌ أنني أجهلُ اليوم ، والشهر أيضاً ( وهو أمرٌ كان سائداً في قديم الزمان ) ، إلا أنني أعرف العام جيِّـداً ،وهو العامُ الرابع والثلاثون بعد تسعمائةٍ وألف . بالتأكيد أنا لم أسـعَ كي يتطابق هذا العامُ مع تاريخ التأسيـس العجيب للحزب الشيوعي العراقي ، لكنّ العراقي فتـوّةً وشباباً . قد يقول قائلٌ : ولماذا مضيتَ في هذه الحماقةِ حتى الآن ؟ أليس العالـَمُ مسالك ودروباً ؟ ألم يخطر لك أن تختار سبيلاً تمضي فيه ، ولو إلى حين؟ ولسوف أقول لهذا السيد القائل : الشيوعية ليست حزباً . الشيوعية فلسفةٌ وموسيقى . إنها إطلالةٌ جذريـّةٌ على الكون ، ومسـعىً لهندسة جماله ، من أجلِ فقراء الكون ومعـذَّبيـهِ . وأنا مـاضٍ معها لأنني مقتنعٌ بفلسفتها ، ومحبٌّ لموسيقاها الكونيةِ . وما دام في العراق حزبٌ شـيوعيٌّ فأنا معه. الأمر بهذه البسـاطة . وأنا امرؤٌ بسيطٌ . وإن كان للناس أبراجهم ، كما تنشر المجلاتُ ، فأنا لي بُـرجي أيضاً : البــرج كلّـما ضقتُ بالسهل ِ ، واجَـهني عالياً ... كان صخرُ الجبالِ القريبةِ ينمو عليه ، وتنمو على الصخرِ أعشـابُـهُ ... كان برجـاً قديما. منه أُبصرُ حتى القلاعَ مُـوطّـأةً ، والسماءَ التي يحتويها سـديما كان بُـرجاً قديما مائلاً لليسار قليلاً ، ومنهدمَ البابِ يدخله الصاعدون ويخرج منه الذين يرون النجومَ القريبة. ولقد يأخذُ السائحون في حقائبهم بعضَ أحجارهِ ... للمَـعارضِ والكتبِ والمدنِ المستريبة. وهو يسخر ، في صمته، عالياً ... مُـشرِعاً بابَـه المنهدم مائلاً لليسار قليلا ماثلاً في المعارضِ والكتب والمدن المستريبةِ هَـمّـاً مُـقيما كان بُـرجاً قديما...
سعدي يوسف شهاب،ولد عام 1934 بالبصرة.وتخرج في دار المعلمين العالية ببغداد 1954.عمل سعدي مدرساً ومستشاراً إعلامياً, ومستشارا ثقافياً, ثم رئيساً لتحرير مجلة (المدى) الدمشقية, ثم تفرغ للشعر. غادر العراق في ...