يمكن الكلام عن الماندولين ، إلاّ بلغة الماندولــين . أعني أن اللغةَ المعروفة ( أي التي نعرفُــها ) ليست أداةً للكلام عن الــماندولــين . والسبب بسيطٌ ( جداً ؟ ) ? السبب أن ألـ ـ مـا ـ نْــ ـ دو ـ لِــيْـ ـ نْ ، هي موســيقى . خشــبٌ يُــنْــبِــتُ مــوسـيقى . لا تَـقُـلْ لي رأسـاً إننــي مرتبكٌ أو مُتَـلـبِّــكٌ ? No , no, please ! . أنا بكامل هدوئي. كنتُ في عدنٍ ? كنتُ خلّـفتُ أرواحَ نجدٍ إلى يَــمَــنٍ كنتُ في عدنٍ دَندَنَ العودُ : دانَــى ودانَــى ? ومِـن حَـضرموتَ الأغاني وقد كنتُ في عدنٍ ! غريبٌ أمْــرُكَ معي ! أقولُ لكَ إن قصّــتي مع الـماندولين حَـقٌّ . بمعنى أنها ليست كما تفهمُ أنتَ الشِعرَ . أي أنني أتحدّثُ عن ماندولين حقيقيّــة ، من لوحٍ ودمٍ . ماندولين نائمة بارتخاءٍ في صــندوقٍ مبطّـنٍ بمخملٍ أزرق. أتستزيدني؟ حســناً ! أقولُ لكَ إنني ابتعتُها من شـابٍّ كان تدرَّبَ عليها ، في ألـمانيا الديمقراطيّـة ، ثمّ هجرَها ، هنا ، إلى العود ( لا مشكلَ أَمّـا أنا فـطعامي أنتَ تعرفُــهُ : قلبُ الشِـفَـلِّـحِ والـحَـلْـفاءِ أو ، تَـرَفـاً ، رحيقُ ما أنبَتَ الـبُـرديُّ والقصبُ ? كأننا ، الشعراءَ ، النَّـــوءُ والسُّـحُـبُ ! الهـامُّ ( مَـن يدري ؟ ) ، أن الشابّ قبِــلَ ، بعد ترددٍ هيِّــنٍ ، أن يدرِّسَــني الماندولينَ التي ابتعتُـها منه . الأجرُ على قَــدْرِ المشَــقّــة ( لم يقُلْ هو ذلك ? ) . كان يأتي في الضحى العدنيّ الرطبِ مبتسماً دائماً . يفتح الصندوقَ ، ويُخرجُ الماندولين من نعاسها في المخمل الأزرق . ويقول لي : نبدأ ? نتدرّب على : آه ، يا زين ، آه يا زين ? آه ، يا زين العابدين يا وردْ ! يا ورد مفتّح بين البساتين .. يعلِّــمني كيف أُمسِكُ بمثلّث البلاستيك الدقيق الذي يصل بيني وبين أوتار الماندولين ، مثل ما يصلُ الراهبُ بين الـمرءِ والله . أمضي معه ( طبعاً هي قصّــةُ أســابيعَ ، وإلاّ كيف ؟ ) ? أبلُــغُ : يا ورد ? يا أُمَّ الله المقدّســة ! وبعدَها كيف أمضي ؟ يا ورد / مْـفَـتْ / تَـحْ / بين / ال / بسا/ تين ? لكننــي سـأفِـرُّ من عدنٍ إلى البحر المهدَّدِ بالرصاصِ سأتركُ البيتَ المعرَّضَ للقذائفِ ، حيثُ أوراقي تَـطايَـرُ في هواءِ السُّــمِّ والبارودِ ? خلَّـفتُ الحقائبَ كلَّها ؛ وهــي الخفيفةُ . وارتقيتُ الســُّورَ مرتبكاً : تركتُ الــمـــانـــدولــيــــــن !
سعدي يوسف شهاب،ولد عام 1934 بالبصرة.وتخرج في دار المعلمين العالية ببغداد 1954.عمل سعدي مدرساً ومستشاراً إعلامياً, ومستشارا ثقافياً, ثم رئيساً لتحرير مجلة (المدى) الدمشقية, ثم تفرغ للشعر. غادر العراق في ...