الديوان » سوريا » خليل شيبوب » إله الورى أين المواعيد والذكر

عدد الابيات : 66

طباعة

إله الورى أين المواعيد والذكرُ

ظمئنا وعن أبياتنا انقطع القطرُ

لقد شاخ هذا الكونُ وانهدَّ أسُّهُ

كأَنا به الأمواتُ وهو لنا قبر

تنكرتِ الشمسُ الإلهيُّ نورها

وقد أصبحت صفراً أشعتها الحمر

وبدر الدجى قد كاد يخفي ضياءه

علينا فهل من شرنا غضب البدر

فلا مبسمٌ يجلو عن القلب غمَّه

ولا نظر يهتز من سحره الصدر

ولا نسيمٌ في بدرها طيب الشذا

ولا شفقٌ من نوره اندفق التبر

ولا أُصُلٌ في خيطها لمع بارق

تنير منار الطوق أنجمه در

بلى ارتجفت أمُّ النجوم وأجفلت

ولا كوكبٌ إلا ملامحه كدر

يسير إلى البحر الخضم ليرتمي

به فيواريه ويبتلعُ البحر

إله الورى هل نظرةٌ من عنايةٍ

يُرَدُّ بها عن كوننا النظرُ الشزر

ألم ترَ أن اللؤم والغش والخنا

تناهت وقد مات التعففُ والطهر

عبادُك في تيهاءِ كونك سافروا

فأين ضياءٌ يستنير به السَفر

تمشت سمومُ المخزيات بجسمهم

فلا قلب إلّا ملءُ أوداجه الغدر

أقلهم جاهاً تكاثر فضله

وليس قليلاً من فضائله كثر

وأصبح شر الناس فعلاً أجَلُّهم

مقاماً كأنَّ العزَّ يصحبه الشر

وما الناس إلا ذو جحودٍ ومؤمنٌ

فللجاحد النعمى وللمؤمنِ الضر

رأيتُ نساءً كالصباح صباحةً

ترفُّ عليهن البشاشةُ والبشر

مشينَ خفافاً لاهياتٍ كأنما

يشقُّ عمودَ الليل في المشرق الفجر

ومسنَ بِقدِّ الخيزرانة ناعماً

ورحنَ بثغر الأقحوانة يفتر

وغازلن فتيانَ الحمى بنواعس

ترقرقَ في أجفانها الحبُّ ولسحر

لقد كنَّ للقلبِ المقطعِ بلسماً

ويسراً لذي عدم إذا ذهب اليسر

مررنَ كما مرَّ النسيمُ مهينماً

ونمن فلا عرفٌ هناك ولا نكر

ذهبنَ ولم يشفَق عليهنَّ قانصٌ

من الموت قحٌ لا ينهنههُ زجر

فما هذه الأجسامُ يخفق قلبُها

وما هذه الأرواح والخلقُ الغرُّ

وأبصرتُ أبطالَ الحروبِ كأنهم

من الطود بأساً لا يروعهمُ الذعر

إذا ضربوا بالسيف طاحت ممالكٌ

وإن أغمدوا لم يأمن السهلُ والوعر

وإن نظروا شزراً فما البرق في الدجى

وإن حدَّقوا راعت عيونهم الحمر

ولكنهم مالوا سريعاً وجُندلوا

كما انحط صخرٌ أو كما انحدر النسر

إلا أنهم جاءوا وأنهم رأوا

وأنهم ذاقوا وأنهم مرّوا

ولم يبق من حسنٍ ومن قوةٍ ومن

ذكاءٍ سوى شيءٍ يردده الذكر

ووما فهموا معنى الذي أبصروا كما

تزيغ عيونُ الشرب أثقلها السكر

فقام أناسٌ يطلبون بثأرهم

وهل لهم في الغيب عند القضا ثأر

أغاروا بمرخي العنانِ مطهمٍ

من العقل لكن عيبه الشكل والأسر

فلاسفةٌ في البحث لجوا وأنما

رأوا لججاً في البحث ليس لها سبَر

أرادوا من الأكوان كشف غوامض

محصنة كالبكر يحضنها الخدر

وما برحت في الجسم والروح عندهم

أقاويل من تسطيرها نضب الحبر

فلما رأوا للجسم حلّاً لأنه

تواصل أوصال نبا العقل فاغتروا

وأَلووا على الروح الحرون عنانهم

ولكن كبا في شوطه بهم المهر

وآخر أمر أنكروها لأنهم

عيوا وبحكم الطبع قد أُنكر الحشر

هي الروح مجموع القوى في اعتقادهم

متى يتلاشى الجسم يودي بها الكسر

وأنك مجموعُ العناصر كلها

فأنت الهوى والأرض والماءُ والجمر

ونحن قطيعٌ ساردٌ متقطعٌ

كما شردت في الدوِّ سائمة ضمر

نعم هكذا قالوا وهذي علومهم

لها كل يوم في صحائفهم نشر

فمالك عنهم ساعةَ الذود صامتاً

وعند تلافي الخطب هل يحمد الصبر

وأعظم ما بي أنني لست فاهماً

لصمتك معنى عنده يكشف العسر

فما اسمك يا رب السموات قل لهم

ومن أنت يا من دونه أُسدل الستر

ومن دونه سبعٌ طباقٌ ودونها

بروجٌ وأفلاكٌ يحاربها الفكر

وقل لهم أعدى عدو ابن آدمٍ

هي الروح إن لم تستقم فهو الخُسر

لعل لهم روحاً لعل لهم نهىً

لعل لهم قولاً يصحُّ به العذر

وإلا فبدد شملَم وإلى متى

بهم وبهاتيك الأضاليل تغتر

بكفك أرواح العباد تعلقت

كما حملت أثمارَها الأغصنُ النضر

أمط عن محيا الكون عجمةَ جهله

وأَعربه حتى لا يظل به سر

أَبِن للذي يرنو إليك بمقلةٍ

يسيل على الخدين من مائها نهر

وقل ما الذي قبل الحياة وبعدها

ومن أي نسجٍ ساحرٍ نسج العمر

أحقاً كتاب ذلك الكون كله

وكلٌّ له ما بين أوراقه سطر

وهل عيشنا تشكيل أحرف سطرنا

فهذا له نصب وذاك له جر

وذاك سكون مستديم تضمه

عليه صروفُ الدهر والمحنُ الغبر

كان بني حوّاءَ الفاظُ منشئٍ

فعَليتُهم نظمٌ وسوقَتهم نثر

هل الناس والأفلاك والصبح والدجى

وهل صبوة الإنسان والجاه والفخر

سوى معضلات أن توخيتُ حلها

وردتُ وبي أمر وعُدتُ وبي أمر

وأدركني شكٌّ بأنك كائنٌ

وهمت بوادٍ من معارجه الكفر

ولكن إيماناً بقلبي موطداً

يردُّ جماحَ الفكر أن جمح الفكر

ألا حبذا العبد الذي أنت ربه

وما العبد من والاك لكنه الحر

وطوبى لمن يرضيك فعلاً فيقتني

رضاك له كنزاً وأنت له ذخر

كما امتاز توما اسطفان تورعاً

فميَّزتَهُ بالعلم وهو له أجر

أَتوما وفضل اللَه عندك واضحٌ

علمت فعلَّمنا ومنا لك الشكر

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن خليل شيبوب

avatar

خليل شيبوب حساب موثق

سوريا

poet-Khalil-Shayboub@

95

قصيدة

88

متابعين

خليل بن إبراهيم بن عبد الخالق شيبوب. شاعر من أدباء الكتاب، من طائفة الروم الأرثوذكس. سوري الأصل، ولد بالاذقية، واشتهر وتوفي بالإسكندرية. له (الفجر الأول-ط) وهو الجزء الأول من ديوان ...

المزيد عن خليل شيبوب

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة